«سبعة كبار» من القطع المتوسط!
مع اختتام الاجتماع الوزاري لمجموعة دول السبع، وهو الاجتماع الحضوري الأول منذ عامين بسبب انتشار فيروس كورونا، عادت الأمور إلى شكلها الطبيعي، فلم يخرج البيان الختامي أو التصريحات التي رافقته عن ما هو متوقع من هذه المجموعة، بل بات من الواضح انخفاض لياقة المجموعة في التعامل مع الملفات الحساسة الموضوعة على الطاولة وهو الاتجاه الذي شهدناه بشكل متسارع منذ زمن.
عند قراءة البيان الختامي الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية والتنمية لمجموعة دول السبع، والتي تضم كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا، نلحظ في البداية أنّ البيان يحاول الإحاطة بكل الملفات العالمية، وينتقل بخفّة من الأوضاع المناخية والصحية في الكوكب إلى معالجة الملفات السياسية في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا ودول البلقان الغربية، لينتقل إلى المحيطين الهندي والهادئ ليناقش الأوضاع السياسية في الصين وكوريا الشمالية وميانمار وبحر الصين الشرقي والجنوبي، لينتقل للحديث عن أفغانستان وسورية وليبيا واليمن والعلاقات التي تجمع المجموعة مع أفريقيا ولا ينسى البيان التعريج على القرن الأفريقي والتصعيد الحاصل في كامل القارة... لكن ما يلفت النظر حقاً أنّ مجموعة الدول السبع لم تُضِفْ كلمةً واحدة في أيٍّ من هذه الملفات! وإن كان تكرار المواقف أمراً مألوفاً في المنظمات الدولية إلا أنه مؤشرٌ على ركود هذه الملفات من جهة، وتمسك الموقعين على البيان بالخطاب ذاته، واحتفاظهم بأجندة واحدة تستخدم بغضّ النظر عن فاعليتها، من جهة ثانية. وهذا بحد ذاته يطرح سؤالاً حول جدوى بقاء هذه المجموعة، وخصوصاً أنها فشلت في اجتماعها الأخير بحلّ مشكلة اللقاحات التي كانت موضوعة على جدول الأعمال.
الخطاب الفارغ
الخطاب المُكَرَّر المعادي للصين وروسيا لم يكن مستغرباً من اجتماع «السبعة الكبار»، فالمجموعة تنطلق من أنّ مصلحة الولايات المتحدة هي البوصلة، وبدى هذا واضحاً في كلمة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فقال في مؤتمره الصحفي: «ما نحاول القيام به هو فرضُ احترام النظام العالمي الذي يستند إلى قواعد، والذي استثمرتْ فيه بلادُنا كثيراً في العقود الماضية...». وعلى الرغم من أنه يؤكد أنّ مصلحة العالم مرتبطة بهذا «النظام العالمي الذي يستند إلى القواعد»، يغفل أنّ أطرافاً أخرى في هذا العالم ترى في هذه «القواعد الأمريكية» التفافاً على القانون الدولي وعلى مجلس الأمن، والذي يعتبر الجهة الوحيدة المخوَّلة بصياغة هذه القواعد!
بالإضافة إلى ما سبق باتَ يبدو أنّ هذا الخطاب المُكَرَّر لم يعد مرجعاً معتمداً بالنسبة لدول المجموعة نفسهم، كما لو أن الهجوم على الصين وروسيا وتكرار الخطاب الأمريكي ما هو إلا طقسٌ فلكلوري لا أكثر! وبعد انتهاء الحفلة تعود دول المجموعة للبحث عن مصالحها التي لم تعد تتقاطع دائماً مع الولايات المتحدة، ويبدو ذلك في ملفّاتٍ كبرى مثل السيل الشمالي2، واتفاقية الشراكة التجارية الكبرى بين الاتحاد الأوروبي والصين، والملف النووي الإيراني، وغيرها من الملفات التي أظهرت أنّ ممارسة بعض دول المجموعة لم تعد مطابقة لهذا الخطاب.
اللقاحات... وعجز مجموعة السبع
كان من المتوقَّع أنْ تصدر إعلاناتٌ فورية عن تمويلاتٍ جديدة تُحسِّنُ فرصَ اللقاحات على المستوى العالمي، إذْ إنّ التقديرات تشير إلى أنه جرى استخدام أكثر من 1.2 مليار جرعة من اللقاحات على مستوى العالم لكن نسبة حصول الدول الفقيرة والأقل نمواً لم يتجاوز الـ 1% من هذه اللقاحات. وعلى الرغم من أنّ هذا التفاوت لا يُعدّ صادماً بالنسبة لنمط العلاقات السائد في العالم، والذي تساهم فيه الدول الفقيرة بإنتاج نسبة كبيرة من الثروة العالمية ولكنها تُحْرَم منها، إلّا أنّ عجزَ دول السبع عن تغيير الواقع الصعب هذا يجعلها بموقعٍ هامشيّ على الساحة الدولية.
المشكلة بالطبع لا تنحصر بعدم حصول الدول الفقيرة على اللقاحات، وإنما بصعوبة تأمين هذه اللقاحات حتى للدول الغربية الغنية، والتي وجدت نفسها رهينةً لشركات الأدوية، وعاجزة سياسياً عن تغيير هذا الواقع. ففي تصريحاتٍ لآنا ماريوت، مديرة السياسات الصحية في منظمة «أوكسفام»، قالت فيها: «مع النقص الهائل في جرعات اللقاح الذي تسبب بالفعل في إصابة كوفاكس بالشلل، فإنه من المخيب للآمال أنْ يستمر قادة مجموعة السبع في رفض استخدام سلطاتهم لإزالة الحواجز القانونية التي تمنع العديد من المصنّعين المؤهَّلين في جميع أنحاء العالم من صنع اللقاحات». وتعتبر هذه الأصوات عيّنةً من أصوات كثيرة في الصحافة الغربية انتقدت عجز دول السبع، وانتقدت «اكتفاءهم بتشجيع» محاربة الوباء دون القيام بخطوات ملموسة.
«سبعة كبار» من القطع المتوسط!
شكلت مجموعة السبع «G7» منذ تأسيسها في 1976 نادياً للدول الغربية، والذي استقبل في العام 1997 روسيا كعضوٍ جديد في المجموعة بعد أنْ أتمّ الغرب سيطرتَه الفعلية عليها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، في محاولة واضحة لتدجينها ووضعها ضمن جوقة واحدة تعمل لمصلحة الإمبريالية الأمريكية، وأعلن عن اسم المجموعة الجديد، أي مجموعة الثمانية «G8». لكن، ولأن الرياح جرت عكس ما تمنّاه المعسكر الغربي، لم يعمّر هذا «التوافق» كثيراً فصدامات الغرب مع روسيا عادت من جديد، ووصلت ذروتها مع الأزمة الأوكرانية في 2014ـ حتى وجد المعسكر الغربي أن لا مجال لبقاء روسيا ضمن هذه المجموعة، ليقرّروا تجميدَ عضويَّتها، لتردّ موسكو لاحقاً بالانسحاب من المجموعة.
كان الهدف الدائم من إنشاء هذا النمط من المجموعات الدولية، هو تنسيق السياسات للدول ذات الإسهام الأعلى في الناتج العالمي، وكانت المجموعة في فترة تأسيسها تمثل نسبة مرتفعة من هذا الناتج، بالإضافة إلى كونها الدول الأعلى إنفاقاً على الأسلحة، لكن مجموعة السبع صمّتْ آذانها عن التغييرات العالمية، ولم تعترف بانخفاض نسبة مساهمتها بالناتج العالمي وبالتالي بضرورة إعادة النظر بحقها في الوصاية عليه! ففي البداية لم تعد إيطاليا وكندا ضمن قائمة «السبعة الكبار» فعلياً، وإسهام هذه المجموعة انخفض لنسبة 42% من الناتج العالمي وذلك وفق أكثر الأرقام تفاؤلاً! والأهم من ذلك أنّ التغييرات في المراكز التي تحرزها هذه الدول على المستوى العالمي يتغيَّر بشكل سريع مما يعني أنّ مساهمتها تنخفض على المستوى العالمي بمواجهة قوى أخرى تظهر على الساحة وتحقق نسب نموٍّ اقتصادي أعلى مثل دول بريكس مثلاً!
أي أنَّ الغرض الأساسي من إنشاء هذه المجموعة لم يعد من الممكن تحقيقه على المستوى العالمي إنْ لم تتكامل مع تلك القوى الأخرى على الساحة الدولية. فعلى الرغم من أن الناتج العالمي الاسمي يضع الصين في المستوى الثاني عالمياً إلا أنها لا تُعدّ ضمن الدول المتقدمة عالمياً! ولم يجري حديثٌ عن ضمها إلى مجموعة السبعة الكبار! مما يؤكد أنّ الغرضَ الوحيد من هذه المجموعة اليوم هو بناءُ تحالفٍ واسع لمجابه الصين وروسيا وإعاقة تَقدّمِهما لا أكثر، ممّا يجعل تحالفاً كهذا تلقائياً في موقع أقلّ فاعلية على الساحة الدولية التي باتت تطلب تكاملاً أوسع في مجمل القضايا.