آخر تطوّرات الصومال... و«مَبعوثٌ خاصّ» للتفجير
دعا الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد يوم الأربعاء، للعودة إلى الحوار وإجراء انتخابات، في وقت تمرّ فيه الدولة الإفريقية بأسوأ فترات العنف ذات الطابع السياسي منذ سنوات، على خلفية تمديد ولايته. وقال الرئيس في خطاب موجَّه إنه سيتحدث أمام البرلمان، السبت «للحصول على موافقته بشأن العملية الانتخابية»، وإنه يدعو الفاعلين السياسيين إلى إجراء «مناقشات عاجلة» حول كيفية إجراء التصويت. وأضاف «كما كرّرنا في مناسبات عدّة، نحن دوماً مستعدّون لتنظيم انتخاباتٍ سلميّة وفي الوقت المناسب في البلاد».
بدأ السكان، الثلاثاء، بمغادرة بعض أحياء العاصمة، حيث كانت حدة التوتر لا تزال في أوجها بعد مواجهات مسلَّحة وقعت مساء الأحد بين قوات حكومية ومؤيدين للمعارضة. كما سيطر مقاتلون موالون للمعارضة على أجزاء من مقديشو، الإثنين، غداة اشتباكات مع الجيش الصومالي، ما أعاد المخاوف من اندلاع معارك بين الفصائل المتناحرة والتي كانت قد عصفت بالعاصمة فيما مضى.
تعيش الصومال أزمة سياسية عميقة منذ النصف الثاني من العام الماضي، بعد فشلها في إجراء انتخابات أواخر 2020 ومطلع 2021 كما هو مخطط، وذلك بسبب غياب الإجماع السياسي، ليقر البرلمان الصومالي في 12 نسيان قانوناً يمدّد ولاية الرئيس الصومالي سنتين بعد انقضائها، وينصّ على إجراء انتخابات عامة مباشرة عام 2023 ما أثار غضب المعارضة.
قنبلة موقوتة وانتعاش الإرهاب
أدى الانسحاب العسكري الأمريكي من الصومال بشكله وتوقيته المدروس والمتزامن عمداً مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية إلى إنشاء صَدعٍ وخللٍ في التوازنات المحلّية والإقليمية، وإلى عرقلة الوصول إلى توافق بين القوى السياسية، لتدخل البلاد حالةً من الاضطرابات السياسية تطوّرت نحو اقتتال مسلَّح بين الأقاليم الصومالية. وكل هذه الأحداث تأتي بالتراكب والترابط مع مجمل التوتير المفتعل في باقي دول القرن الإفريقي، والمرتبطة به، من إثيوبيا وإرتريا والسودان وكينيا، كلٌّ على حدة أو بالخلافات والصراعات الحدودية القائمة فيما بينها.
حيث إنّ انسحاب واشنطن بهذه اللحظة، وما رافقه من إشارات مزدوجة لجميع الأطراف المحلية والإقليمية الفاعلة في الملف الصومالي، أطلق العنان للتدخلات الإقليمية في العملية السياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار غياب النشاط السياسي الحقيقي والشعبي داخل البلاد الذي منعته وحَدّت من نشاطِه الحروب البينية من جهة، وقمع الأنظمة والحكومات المتعاقبة من جهة أخرى.
كل هذا الظرف يأتي بالتوازي مع استمرار دعوات الانفصال في إقليم «أرض الصومال» وسط تهديدات بأنّ الأزمة السياسية الجارية قد تفتح مجالاً أكثر لنشاطات حركة الشباب، وأنها تسعى لاستغلال الصراع السياسي والهشاشة الأمنية وضعف الأجهزة العسكرية والاستخبارية، للبحث عن موطئ قدم جديد لها.
وتستغلُّ الجماعات الإرهابية، مثل حركة الشباب وتنظيم «داعش»، الخلاف السياسي لتنفيذ هجمات في مناطق متفرقة بالبلاد، حيث تحاول حركة الشباب، من خلال الهجمات التي شنتها مؤخراً، إثبات أنها ما زالت قوةً فاعلة على الأرض، وتستطيع مهاجمة كل مدينة صومالية في التوقيت الذي تحدّده وتراه مناسباً.
مواقف دولية
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان، الإثنين، إنه يشعر «بقلق عميق» من الاشتباكات الأخيرة، وأضاف أنه «يحضُّ جميعَ الأطراف الصومالية المعنية على استئناف المفاوضات على الفور» للخروج من الأزمة.
ودان الاتحاد الإفريقي، الجمعة، تمديد ولاية فارماغو في حين دعا مجلس الأمن الدولي في اليوم نفسه الأطراف إلى «نبذ العنف واستئناف الحوار بشكل عاجل ودون شروط مسبقة».
أما مصر فقد دعت يوم السبت، الأطراف السياسية في الصومال إلى ضبط النفس والتوصل إلى «حل توافقي» للأزمة السياسية في البلاد وإلى «ضبط النفس والالتزام بالطرق السلمية والحوار، والعمل على عقد انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في أقرب وقت يتوافق عليه الصوماليون أنفسهم».
كما دعا نائب المندوب الصينيّ الدائم لدى الأمم المتحدة، يوم الإثنين، جميع الأطراف في الصومال إلى إيجاد حلٍّ مناسب لمأزقهم السياسي حيث قال إنّ «الصين قلقة بشأن أحداث العنف الأخيرة في مقديشو. ندعو جميع الأطراف في الصومال إلى ممارسة ضبط النفس والحفاظ على الحوار وإبداء المرونة وإيجاد حل مناسب للمأزق السياسي في أقرب وقت ممكن» و«خلق بيئة مواتية» لتركيز الجهود على البناء الوطني وأنّ الصين ستواصل العمل مع المجتمع الدولي لتقديم مساهمات في حدود قدرتها، من أجل السلام وإعادة الإعمار في الصومال.
في حين أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مقديشو، قائلة إنها «مستعدة للنظر في جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك العقوبات والقيود على التأشيرات»، ردّاً على تقويض السلام والاستقرار في الصومال.
ديبلوماسي الأزمات وخطوة جديدة نحو التسخين
عينت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، جيفري فيلتمان مبعوثاً جديداً للولايات المتحدة في منطقة القرن الإفريقي وقالت إنّ فيلتمان سيقود الجهود الدبلوماسية الأميركية لـ«معالجة» الأزمات السياسية والأمنية التي يعانيها القرن الإفريقي.
فيلتمان الديبلوماسي الذي ارتبط اسمه بالأزمات، والذي شغل عدة مناصب في أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك سفير الولايات المتحدة إلى لبنان من 2004 إلى 2008، التي شملت حرب لبنان عام 2006. وكان مبعوث الخارجية الأميركية للشرق الأوسط من 2009 إلى 2012، بما في ذلك خلال «الربيع العربي»، والذي قال في نهاية ولايته «إنّ سورية ما زالت، ربما، أكبر مثال مأساوي على فشل المجتمع الدولي في معالجة كارثة إنسانية تتعلق بالسلم والأمن وحقوق الإنسان».
ليكمل الديبلوماسي الدورَ الأمريكي الذي كان وما زال لاعباً أساسياً في هذه المشكلات تاريخياً والمشبوه في التوتير، وما سينتج عنه من توتير داخلي لن يطول الوقت حتى ينفجر، في الوقت الذي باتت فيه الحاجة الأمريكية ملحّةً لإعاقة الصين وروسيا على المسرح العالمي، وإعاقة كل القوى الأخرى التي تصعد على الساحة الدولية بما فيها منطقة القرن الإفريقي.