ماذا وراء تصريح رئيس البرازيل بأنّ بلاده «مفلسة»؟!

ماذا وراء تصريح رئيس البرازيل بأنّ بلاده «مفلسة»؟!

في 6 نيسان الجاري أقر مجلس النواب البرازيلي «قانون الإفلاس والتعافي» الجديد. ويهدف لتوسيع آليات بقاء الشركات التي تواجه صعوبات مالية، وقد سبقت الموافقة على مشروعه منذ أكثر من عامين في مجلس النواب، ولكن تجمَّدَ في مجلس الشيوخ. ثم صار ملحّاً بسبب الجائحة مما دفع الشيوخ للموافقة عليه. وكان رئيس البرازيل اليميني جايير بولسونارو قد أطلق في 5 كانون الثاني 2021 تصريحاً مخيفاً أعلن فيه أنّ «البرازيل مفلِسة»، موحياً بعجزه عن حل الأزمة. الأمر الذي يبرز سؤال: ماذا يدور في ذهن أعلى ممثل للجمهورية عندما يدلي بتصريح يبدو أنه يصبّ ضد حكومته؟ وما الهدف منه؟ كمحاولة للإجابة سنتناول في هذا التقرير تحليلات اثنين من الباحثين البرازيليين ينتميان إلى اليسار.

كتب المؤرخ الاقتصادي البرازيلي ليوناردو ويلر – وهو محاضر في مدرسة ساو باولو للاقتصاد، ودكتور بالتاريخ الاقتصادي من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية – مقالاً في 14 من كانون الثاني 2021 لموقع «أمريكا اللاتينية 21». ويقترح فيه أنّ أحد الأهداف من وراء تصريح بولسونارو بأنه لا يستطيع إخراج البرازيل من الإفلاس، هو أنْ «يبرر بولسونارو النهاية المؤلمة اجتماعياً للمساعدات الطارئة، بينما تواجه البلاد الموجة الثانية من الوباء، عززت المساعدة الاقتصاد وحصلت على موافقة الحكومة على أرض الواقع في الأشهر التي سبقت الانتخابات البلدية في تشرين الثاني 2020... يبدو أن الرئيس يراهن على أن أفقر الناس يفهمون أسباب تخليه عنهم من الآن فصاعدًا: لقد انهارت البلاد، ولا يوجد شيء آخر يمكن القيام به».

ويتابع: «من المدهش بقاء بولسونارو في السلطة رغم الجرائم الهائلة بالفعل... ومن ناحية أخرى يشير بأنّ حكومته ستقاوم «إغراء» إعادة إصدار برنامج طوارئ يخفف معاناة الملايين!... كل شيء يشير إلى أنّ المستثمرين يعرفون أنّ البرازيل لم تفلس، على الأقل حتى الآن، رغم حقيقة أن الدين العام وصل 93% من الناتج المحلي الإجمالي... ولكن حالياً هناك طلب على الأوراق المالية العامة مع معدل فائدة 2% فقط، ومن وجهة النظر الخارجية فإن 356 مليار دولار المودعة في الاحتياطيات الدولية تضمن عدم وجود حدود قصوى مثل تلك التي حدثت في الماضي».

وعلى المستوى السياسي يرى هذا المؤرخ هدفاً خطيراً أبعد: «تصريحات 5 كانون الثاني هي حلقة أخرى في التدهور البطيء للديمقراطية الذي روّج له بولسونارو. لم يعلن الرئيس أنه غير قادر في حد ذاته، لكنه تظاهر بأنه معاق بسبب العلاقات التي تحد من السلطة التنفيذية... وبحسب هذا المنطق فإنّ الحل «المنطقي» هو فك تلك الروابط، إما بإلغاء مجلس النواب أو بفرض الرقابة على وسائل الإعلام، وهي إجراءات تشكل الخطوة الأولى لأيّ دكتاتورية... لم يُخفِ بولسونارو أبدًا ميلَه إلى الاستبداد. تماشياً مع تاريخ طويل من الدفاع عن الخط المتشدد للنظام العسكري، يبذل الرئيس الحالي كل ما في وسعه لتقويض النظام السياسي البرازيلي، مشيرًا إلى العملية الديمقراطية نفسها على أنها «سبب» مشكلاتنا الاقتصادية. إذا كانت الديكتاتوريات قد فُرضت في الماضي بالدبابات والحراب، فإن الانقلابات في القرن الحادي والعشرين تُنفَّذ شيئًا فشيئًا...».

يرى هذا المؤرخ أيضاً أنّ بولسونارو في سياق تخطيطه لإعادة انتخابه في 2022 «يبدو أنه لا يريد تكرار أخطاء جانيو كوادروس، الذي استقال عام 1961. في ذلك الوقت كانت البرازيل مفلسة حقًا بفضل الإنفاق غير المقيد من حكومة جوسيلينو كوبيتشيك السابقة التي رفعت التضخم... والذي رغم رهانه على دعم القوات المسلحة للعودة إلى السلطة دون وصاية نواب المعارضة، فإنه تُرك أخيراً بمفرده ودخل التاريخ كرجل عاجز... لكن بولسونارو مختلف تمامًا: فرغم الدعم العسكري القوي، إلا أنه يتحرك ببطء نحو الاستبداد، ويلعب دور المعاقين ويلقي باللوم على الديمقراطية عن سوء حكمه الصريح».

وفي مقابلة أسبق، مع صحيفة «زمن الشعب» البرازيلية، أعاد نشرها موقع الحزب الشيوعي البرازيلي في 17 كانون الأول 2020، كان بروفسور الاقتصاد نيلسون أرجو دي سوزا، قد أعطى صورة لبعض مؤشرات الاقتصاد البرازيلي للعام الماضي متنبّئاً بأنّ حكومة بولسينارو اليمينية الليبرالية توشك على «قيادة البلاد نحو الهاوية».

وخلاصة تحليل دي سوزا آنذاك: «تراجع شديد للاقتصاد البرازيلي بنهاية 2020، وانهيار الناتج المحلي الإجمالي 5%. وبعكس معزوفة حكومة بولسونارو، التي أعلنت كذباً بأن جائحة كوفيد-19 هاجمت البلاد في خضم «رحلة التعافي»، فالحقيقة هي استئناف الاقتصاد رحلة الركود حتى قبل وصول الوباء في النصف الثاني من آذار 2020. وذلك بعد ركود ثلاث سنوات (2017 – 2019)، أعقب بدوره ركوداً أسبق (2014 – 2015). أما في الربع الأول من 2020 فانخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5%... ثم 9.7% في الربع الثاني. أما البطالة فارتفعت من 12.3 مليون (%11.6) قبل الوباء إلى 14.1 مليون (14.6 %) في الربع الثالث 2020. وانخفضت العمالة من 93.7 مليون في شباط 2020 إلى 81.7 مليون في آب».

وأضاف: «فشلت حكومة بولسونارو باتخاذ الإجراءات الاقتصادية والصحية اللازمة بالوقت المناسب لوقف التأثير الاقتصادي للوباء وإنقاذ الأرواح. لم يقتصر الأمر على تأخير الإجراءات، بل وإفساد اعتمادها رغم موافقة مجلس النواب عليها».

وعن أكاذيب سابقة ساقتها الحكومة حول «الانتعاش» قال الخبير: «ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.7% في الربع الثالث من 2020. واستفاد وزير الاقتصاد من هذه الحقيقة الإيجابية، فصرَخَ بأن الركود هو بشكل حرف «V»، أي أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو مرة أخرى بالسرعة نفسها التي انخفض بها وأنّ هذا كان بسبب سياسته الاقتصادية»، ويقول دي سوزا بأنّه هنا تظهر كذبتان للحكومة:

«فأولاً، رغم زيادة الربع الثالث، فهذا لا يعني أننا خرجنا من الأزمة، بل الاقتصاد آخذ بالتباطؤ فعلاً؛ تشير بيانات البنك المركزي إلى أن معدل نمو 5.23% في حزيران، انخفض إلى 2.42% في تموز، ثم 1.63% في آب، ثم 1.68% في أيلول، ليصل إلى 0.86% فقط في تشرين الأول، وهي بالتحديد الفترة التي يفترض فيها تسارع الاقتصاد بنهاية العام. وبالتالي هذا نذير مهمّ للركود».

«وثانياً، الفضل في هذا «النمو» بالربع الثالث يعود بالواقع لحزم تدابير الطوارئ المعتمدة منذ نيسان: أنفقت الحكومة حتى تشرين الأول 77.7% من حزم الطوارئ التي وافق عليها مجلس النواب البرازيلي، ما يعادل 8% (أو 587.46 مليار ريال برازيلي) من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه ليست إجراءات صاغتها الحكومة أصلاً، بل مجلس النواب... كما وخفّضت الحكومة عدد المستفيدين من 58 مليونًا إلى 42 مليونًا ولم تجدد المساعدات التي تتلاشى».

ويضيف بأنّ وزير الاقتصاد تقدم بحزمة إلى النواب تقترح تسريع الخصخصة، ولا سيّما شركة الكهرباء الوطنية البرازيلية «إلتروبراس» Eletrobrás وتقشفاً مالياً. وفقط بعد الكثير من الضغط، اقترح الوزير مساعدة طارئة بقيمة 200 ريال برازيلي لكل أسرة.

ووصف الخبير سياسات حكومة بولسونارو بأنها «ميول إلى الانتحار»: «تراجع التصنيع، وتدمير جزء كبير من البرجوازية الصناعية، ونفور جزء آخر ليصبح ريعيًا، وجزء آخر صغير العدد عزز نفسه بالمشاركة في غنيمة الخصخصة. بالإضافة إلى ذلك تم تعزيز البنوك والشركات العابرة للقوميات... مع الركود، والزيادة الهائلة في البطالة والعودة إلى التضخم... سيكون هناك المزيد من هذه الأشياء نفسها في العام المقبل (2021)».

أما الحلول التي اقترحها البروفسور دي سوزا: «أولاً، التطعيم الشامل... ومساعدات الطوارئ للعاطلين، وعمال القطاع غير الرسمي، دعم الولايات والبلديات لتعويض انخفاض الإيرادات ولتنفيذ التدابير الصحية، والدعم المالي للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم...».

«وثانياً، اعتماد تدابير لإنعاش الاقتصاد... أما وزير الاقتصاد فإنه يسير بعكس عجلة التاريخ، وبدعوى أن الإجراءات الطارئة رفعت الدين العام من 73% من الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 100% أعلن وجوب تركيز الحكومة الآن على التعديل المالي؛ أيْ إزالة المحفزات الاقتصادية التي نجحت في 2020، ومزيد من التخفيضات والخصخصة والضرائب».

وفي إطار أوسع، شبّه دي سوزا النيوليبرالية اليوم بأنّها باتت «كائناً حياًّ غير مدفون يجوب العالَم كمطارَد. بعد أزمات التسعينيات والانهيار المالي في 2007 – 2009، والتي كشفت تناقضات هذه الأيديولوجية، تعرضت لضربة قوية مع جائحة كوفيد-19 وتأثيره على اقتصاد الدول المختلفة، لكنها لم تمت بعد. وقد تجلّت النكسة التي عانت منها في العودة هذا العام إلى استخدام الدولة، والتي تجلت بالفعل في أزمة 2007–2009، كأداة رئيسية لمواجهة الأزمة في جميع بلدان العالم... لإنقاذ الرأسمالية واحتكاراتها من نفسها».

آخر تعديل على السبت, 10 نيسان/أبريل 2021 12:32