مصير المعاهدة مع «إسرائيل»
                                               سمير كرم سمير كرم

مصير المعاهدة مع «إسرائيل»

ليس سرا ان اسرائيل تعيش اليوم أفضل أوقاتها وفقا لتقديراتها، هذا على الرغم من أن علاقات اسرائيل الأهم وهي علاقاتها بأميركا، تمر بأسوأ محنة يمكن ان تكون قد مرت بها منذ سنوات الرئيس ايزنهاور. 

وحقيقة ان اسرائيل تمكنت من ان تدبر أمورها في الفترة الاخيرة على الرغم من اضطراب علاقاتها مع الولايات المتحدة، وهذا يمكن ان يعني واحدا من ثلاثة أمور: إما ان اسرائيل تطمئن تماما الى القوى المؤيدة لها داخل الولايات المتحدة ولديها بالتالي تقدير بأن هذه القوى ستتمكن من فرض وجهة نظرها لمصلحة اسرائيل في نهاية النزاع مع ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما، وإما ان اسرائيل غير مهتمة في الوقت الحاضر بموقف ادارة اوباما وتتصور ان بإمكانها الدخول في حالة معارضة معها لا تنتهي إلا بنهاية هذه الادارة وتشكيل ادارة جديدة تحكم أميركا لمصلحة اسرائيل، وأما ـ ثالثا ـ فإن اسرائيل لديها تقدير بأن ادارة اوباما انما تمثل دور الاختلاف مع اسرائيل من أجل ان تنال الولايات المتحدة أفضل موقف ممكن من الجانب الفلسطيني، الى ان يتم الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي.

بطبيعة الحال، يبقى احتمال رابع وهو ان يكون الخلاف الاميركي - الاسرائيلي حقيقيا وان الطرفين يقدران له البقاء مؤثرا على العلاقات الاميركية - الاسرائيلية في الامد البعيد، والى حين تراجع حاد لدور أميركا الدولي.
واذا ما كان من الضروري ان نرصد الزوايا التي يبدو منها ان اسرائيل تمر بأحسن ظروفها في الوقت الحاضر، فإننا نستطيع ان نكتفي بأمرين اثنين: الموقف الراهن في مصر والموقف الراهن في سوريا. وعلى الرغم من الاختلاف الكبير بين الموقفين، بمعنى ان مصر لم تتعرض لما تعرضت له سوريا، إلا ان الحقيقة الثابتة هي ان البلدين العربيين الكبيرين يمران بظروف تجعل كلا منهما غير قادر على أداء دوره العربي الاقليمي والدولي. وقد تبدو مصر في الظروف الراهنة في وضع أفضل من الوضع الذي تجد فيه سوريا نفسها. إلا أن النظر الى التطورات المتوقعة خلال الشهور المقبلة يؤدي الى رؤية حقيقية بأن مصر تتهيأ لأداء دورها العربي وأن سوريا ستكون خلال شهور قليلة أقرب الى استئناف دورها العربي. وبطبيعة الحال، فإن تصور اسرائيل يختلف كثيرا وبعمق عن هذا التصور. ومن هنا شعور اسرائيل بأنها تمر بأحسن الظروف الممكنة نتيجة لما يسود الوطن العربي من اضطراب وقلاقل. ومن هنا ايضا شعور اسرائيل بأن سلوك مصر في الفترة القصيرة الأخيرة يدعو لقلق اسرائيلي، ان لم يكن لما هو أكثر مدعاة للاضطراب من القلق.
لقد راقبت اسرائيل في الاشهر القليلة الاخيرة التطور الفجائي الذي طرأ على العلاقات المصرية - الروسية وانعكاسات هذا التطور على دور مصر العربي الاقليمي والدولي. وقد وصل الامر الى حد ان قال المعلقان ديفيد شينكر وايريك تراجر ـ وكلاهما اسرائيليان أميركيان معا ـ في تعليق مشترك بعنوان «صفقة الاسلحة المصرية مع روسيا: التكاليف الاستراتيجية المحتملة «(4/3/2014) ـ «في المرحلة المقبلة يمكن ان تؤدي مبيعات الاسلحة (الروسية الاخيرة لمصر) الى إضعاف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل وتصبح عامل إثارة آخر في العلاقات الاميركية - المصرية... ان مبيعات الاسلحة تمنح واشنطن درجة محدودة من النفوذ السياسي على المؤسسة المصرية الاكثر أهمية المعروفة بغموضها».
ومن الواضح ان اسرائيل تنظر الى صفقة الاسلحة الروسية لمصر، وخاصة المروحيات الاضافية من طراز يشبه «اباتشي»، باعتبارها تمثل أهمية جوهرية لمصر في ظل مواجهة «تمرد إسلامي ناشئ في شبه جزيرة سيناء»، وان هذه المروحيات الاميركية هي «النظام المفضل لدى القاهرة في حملتها لمكافحة الارهاب في سيناء». في الوقت نفسه، فإن اسرائيل تتطلع الى ما تسميه «عمليات الإخلاء المتفرقة والمؤقتة للأفراد الاميركيين من مصر». ويضيف المعلقان الى هذا قولهما «لقد أوفت القاهرة بالتزاماتها تجاه معاهدة السلام مع اسرائيل لأكثر من ثلاثة عقود. بيد انه في حال نقل هذه النظم المتطورة الى مصر فإنها ستضعف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل. وفي ضوء سجل مصر الشائن في انتهاك قانون الرقابة على صادرات الاسلحة الاميركية، فإن فكرة إمكانية إقامة فنيي «الميغ» الروس في القواعد نفسها التي توجد فيها طائرات «أ.ف.-16أس».الاميركية الصنع لا تبعث على الثقة». يضاف الى هذا رغبة المملكة السعودية في استخدام أموالها للإعراب عن استيائها من واشنطن .
مع ذلك، فإن القادة المصريين والعسكريين خصوصاً، يصرون على انه ليست لهم مصلحة في خفض العلاقات مع واشنطن. انهم يرون ـ حسب تصريحاتهم ـ ان مصر لا تستطيع ان تستبدل اعتمادها على الاسلحة الاميركية. لكن هذه التصريحات التي كان ينتظر ان تنظر اليها الولايات المتحدة بعين إيجابية، لم تمنع تكثيف موجة نظريات المؤامرة بشأن الدور الاميركي في مصر في نظر الجماهير المصرية. لقد تعزز المناخ السياسي المناهض للولايات المتحدة والمرحب بالابتعاد عنها. وعلاوة على ذلك فإن دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئاسة المشير السيسي المنتظرة لمصر قد أشعل الحماسة الشعبية المصرية لبناء علاقات أقوى مع موسكو. يضاف الى هذا ما تشعر به الجماهير المصرية من ان روسيا تملك قدرات لا يستهان بها للضغط على اثيوبيا بشأن موقفها من تأثير سد النهضة على نهر النيل، وبالتالي على كمية المياه المتاحة لمصر. ان هذه العوامل الروسية تضيف قوة الى الموقف المصري من وجهة نظر الجماهير المصرية، خاصة أن الجماهير المصرية انتبهت بوضوح الى ان روسيا لم تفرض أي شروط على صفقة الاسلحة الروسية لمصر على العكس تماما من السياسة الاميركية في ما يتعلق ببيع الاسلحة الاميركية لمصر أو لغيرها من دول العالم. وبطبيعة الحال فإنه لم يفت انتباه الجماهير المصرية ان الولايات المتحدة كانت قد اتخذت قرارا بوقف تصدير الاسلحة الى مصر قبل وقت من إتمام الصفقة الروسية من الاسلحة لمصر.
كانت اسرائيل تبدي ارتياحا شديدا الى علاقات القاهرة وواشنطن الى ما قبل إتمام صفقة الاسلحة الروسية لمصر، وبالتالي كانت اسرائيل تعتبر أن علاقاتها بمصر ترتبط كثيرا بعلاقات مصر مع أميركا. فكيف يبدو الامر الآن؟ ان الاطمئنان الاسرائيلي البالغ إزاء دور مصر في سيناء، الذي يتجاوز من وجهة النظر الاسرائيلية الحدود التي ترسمها معاهدة السلام المصرية -الاسرائيلية، بدأ يتعرض لهزات خطيرة. ليس فقط بسبب أحداث سيناء وما تفرضه على مصر من عمليات تحتاج اليها اسرائيل بالمثل، انما أيضا لان اسرائيل لا تبدي اطمئنانا الى دور مصر في سيناء في ما يتجاوز نصوص معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية إلا في الحدود التي تشكلها القوة العسكرية المصرية. ان اسرائيل تريد في النهاية ان تحافظ على تفوقها النوعي في المنطقة التي تشمل سيناء. ونظرة مصر الى سيناء، خاصة بعد صعود الدور الذي يؤديه الجيش المصري فيها، لا تحيد عن اعتبارها جزءاً من السيادة المصرية.
ان التناقض بين الموقفين المصري والاسرائيلي إزاء سيناء لا يمكن بأي حال إغفاله. ومهما كانت درجة حرص اسرائيل على الاحتفاظ بالمميزات التي تحتفظ بها في سيناء نتيجة لمعاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية، فإن حرص مصر على سيادتها على سيناء يفوق كثيرا هذا الحرص الاسرائيلي. ان رغبة مصر في تغيير نصوص معاهدة السلام مع اسرائيل قابلة للتفجر في أي لحظة تكون مصر قد انتهت قبلها من إعادة النظر في هذه المعاهدة. وهو أمر ليس بمستبعد من الآن فصاعدا.
وتدرك اسرائيل الآن أكثر من أي وقت مضى ان إعادة النظر من جانب مصر في معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية مسألة واردة بعد ان تكون مصر قد حققت السلام والهدوء في سيناء. ولهذا فإن ما يبدو الآن انه علاقات هادئة بين مصر واسرائيل لن يدوم طويلا. ان صعود دور الجيش في مصر لا يحمل أنباء طيبة لإسرائيل من الآن فصاعدا. وبالتالي فإنه لا يحمل أنباء طيبة لأميركا ايضا.
ان موقع مصر الجغرافي في هذا الاقليم وهذا العالم يفرض عليها واجبات تتجاوز حدود السلام والتهدئة.

المصدر: السفير