خطوات جديدة باتجاه الوحدة الفلسطينية
أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، إسماعيل هنية، بتاريخ 1 كانون الثاني عن وجود مساع جديدة وجدية لاستئناف الحوار الوطني من أجل تحقيق المصالحة وإنهاء حالة الانقسام، بعد أن أرسلت الحركة لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، رسالة بشأن إنهاء الانقسام وبناء الشراكة وتحقيق الوحدة الوطنية، والذي بدوره رحب بها.
وتدور المباحثات الجارية بين الفصائل الفلسطينية على إجراء انتخابات وطنية بتمثيل نسبي كامل، تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بالتتالي والترابط، كما أكد هنية على ضرورة انتهاء هذه العملية في غضون ستة أشهر.. كما أقامت الفصائل الفلسطينية قبل أسبوعين غرفة واحدة ونفذت مناورات عسكرية مشتركة تحت اسم «الركن الشديد».
وقد سبق ذلك خلال أواخر العام الماضي اجتماعات ومباحثات ضمت الفصائل الفلسطينية ومنها حماس وفتح، ليخرجوا بتأكيد مشترك على ضرورة إنهاء الانقسام الجاري نحو صف فلسطيني موحد لمواجهة العدو الصهيوني.
بصرف النظر عن آراء ومواقف أيّ كان من أيّ من الفصائل الفلسطينية أو بمجموعها أو بقياداتها، فإن ما يهم هنا هو العملية الجارية بعينها بوصفها توجه نحو وحدة فلسطينية، أيّ قيادة واحدة، وبصرف النظر عمّن سيكون موجوداً بها، فتلك مسألة أخرى تماماً، وثانوية أمام هذه المهمة التي أدى غياب إنجازها خلال العقود الماضية إلى ضعف الصف الفلسطيني سياسياً وعسكرياً، عبر انقسامه وفرقته، وجعل جميع أطرافه عرضة للتجاذبات الإقليمية والدولية، فضلاً عن أن حالة التشرذم هذه نفسها تضعف إمكانية تصحيح أو تغيير القيادات والاستراتيجيات والسياسات التي قد يرى الفلسطينيون أنها تختلف معهم ومع مصالحهم بنشاطها وبُنيتها، لتكون الوحدة نفسها، بحال إنجازها، تتيح الإمكانية الحقيقية للضغط بهذه الاتجاهات، على اعتبار أن البنية الجديدة الموحدة ستكون «وطنية جامعة» خاضعة للفلسطينيين وحدهم وقراراتهم، سياسةً وقانوناً ودعماً.
ومن الجدير بالذكر، أن العملية الجارية نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني قد فرضتها الضرورات الجديدة على جميع الفصائل من اتجاهين، أولهم الشعبي بتظاهراته ومسيراته ومطالباته المستمرة بذلك والتي شهدت تصاعداً كبيراً منذ «مسيرات العودة الكبرى»، وثانيهما التطورات الدولية بشقّيها:
- الأول المتمثل بالسلوك الأمريكي والصهيوني بها، كما عبر عن ذلك هنية نفسه جزئياً بقوله إن مسار المصالحة الذي ابتدأ في شهر تموز من العام الماضي وتوجهوا به إلى حركة فتح قد جاء لـ«مواجهة خطة الضمّ وصفقة القرن».
وفي الحقيقة، وأبعد من خطة الضم وصفقة القرن الفاشلة أساساً، فإن الضرورة بالعمق جاءت من أن الولايات المتحدة الأمريكية تتسارع في تراجعها وهبوطها دولياً جراء أزمتها، ومعها تتراجع دولتها وقاعدتها الصهيونية في المنطقة، لتحاول بشكل حثيث وبكافة الوسائل والطرق «لشطب القضية الفلسطينية» وحقوقها بمختلف الأدوات والأشكال التي كانت صفقة القرن الفاشلة إحداها، ثم موجات التطبيع الأخيرة، الفاشلة بهدفها أيضاً، إضافةً إلى محاولات محو ووقف اجتماعات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بهذا الشأن، من أجل حسم وجود «الدولة الإسرائيلية» بوصفها «شرعية» و«قانونية» دولياً و«مطبع» معها عربياً في المنطقة، مستفيدة بذلك من حالة الانقسام الفلسطيني نفسه، بما يسببه من ضعف، لتفرض هذه الحال على جميع الفصائل والكيانات المضي نحو مسار الوحدة.
- والثاني بالسلوك الروسي الذي يدفع باتجاه مغاير للغرب، نحو تحقيق الوحدة، لتقاطع مصالح روسيا مع الفلسطينيين بضرورة إنهاء الوجود والنفوذ الأمريكي والصهيوني بالمنطقة.
وفي الحقيقة أيضاً، وإن غاب ذكر هذه الجزئية بهذا الشكل الواضح والصريح عن السلوك الروسي وتصريحاته، لما له علاقة بموقعه دولياً من جهة، وموقعه نسبةً إلى الملف الفلسطيني كوسيط، إلا أن لا حاجة للكثير من الاجتهاد في التحليل والتمحيص في قراءة هذا الاتجاه وهذه المصلحة المشتركة، حيث دولياً، وبكل اختصار وتبسيط، روسيا والولايات المتحدة بتناقضٍ تام ومباشر في كل مكان وبجميع الملفات، ولا نكشف سراً هنا بهذا القول أساساً، إنما تدركه جيداً جميع هذه الأطراف، بما فيها الفصائل الفلسطينية أيضاً التي باتت تستكشفه وتدركه من تجاربها، إلا أن ذكره بهذا الشكل هنا يأتي ضرورةً للردّ على من يحاول تشويش هذه «البديهية» عبر وضع الروسي بمحاذاة الأمريكي أو بتشبيهه به سواء عمداً، أو خطأً في التحليل إذا ما أردنا أن نطيّب النوايا، لما له من تأثير معطّل ومشوش على الملف الفلسطيني نفسه والذي يعني هنا عرقلة التوجه نحو الوحدة وعرقلة تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وبالنتيجة عرقلة إقامة «الدولة الفلسطينية».
إن هذه الضرورات ستفرض نفسها وحواملها أولاً وآخراً، ولا يزال طريق الوحدة في بداياته، وتمضي الفصائل به خطواتها الأولى بعد عقودٍ من الخلافات والتباينات، الأمر الذي يصعب تجاوزه بشكل سريع بطبيعة الحال رغم ضرورة ذلك، لكن وبكل تأكيد لا يريده الفلسطينيون متسرعاً لما قد يخلّفه من ألغام لاحقاً ليس أقلها أن تكون الاتفاقات هشّة ومبنية على الضغوط وحدها، أي من غير قناعات عميقة، أي من غير تكيّفٍ حقيقيّ مع التطورات والفضاءات السياسية الجديدة الناشئة لما قد يؤخر العملية فقط، إنما لا ينهيها.