النخبة العالمية ستضحي بالولايات المتحدة...!
في العالم الذي تقودنا فيه الرأسمالية بمراحلها الأخيرة، سيجد الناس من الطبقات المتدنية أنفسهم – وخاصة أولئك الذين تموضعوا ضدّ الدولة الرأسمالية وقوى الإمبريالية – يصارعون في حربٍ للنجاة. لكن على طول هذه الحرب يمكننا أن نجد حيويتنا. يمكننا شقّ طريق يناهض القوى التي تعتمد سياسات الموت، وذلك بدلاً من جلد الذات أثناء عملية نزع الإنسانية والبؤس المنهجي المتنامي.
بقلم: راينر شيا
ترجمة قاسيون
علينا كي نتحضر للقتال أن نقف على حقائق الوضع الحالي: أثناء أسوأ أزمة اقتصادية في القرن الحالي، منحت الحكومة الأمريكية الناس على مضض مبلغ 600 دولار، أي نصف ما تمّ منحه في حزمة التحفيز الأولى. كما تتعامل الحكومة مع أزمة إخلاء المستأجرين بإجراء مؤقت لن يكفي لحماية الملايين من التحول لمشردين في الشوارع، كلّ ذلك بينما تستمر عمليات الإخلاء في الحدوث بهدوء ودون مراقبة.
يتم اليوم الإتجار في المياه في وول ستريت وسط المخاوف من ندرتها. الإدارة القادمة تخطط لفرض المزيد من إجراءات التقشف، وكذلك لإحياء الاتفاقيات التجارية التي من شأنها أن تزيد من تجريد العمال من حقوقهم، في ذات الوقت الذي تمنح فيه الشركات حصانة أكبر للإفلات من العقاب. نحن ننزلق إلى مستقبل سيتعين علينا فيه أن ندافع عن أنفسنا وسط عصر انهيار المناخ.
كتب كريس هدجز عن انتظار تحول السلطة لإدارة بايدن «الاعتقاد بقدرتنا على الحفاظ على مستويات الاستهلاك الحالية، خاصة المنتجات الحيوانية، والتوسع الرأسمالي، والحروب الإمبريالية، والاعتماد على الوقود الأحفوري، والخضوع المذل لقوة الشركات غير المقيدة التي عززت أسوأ لامساواة في الدخل في تاريخ البشرية، ليس نوعاً من الأمل بل خداع ذاتي انتحاري. نحن لسنا متجهين في ظل سياسات إدارة بايدن والنخبة العالمية الحاكمة إلى المرتفعات المضاءة بنور شمس مستقبل جديد مجيد، بل إلى بؤس اقتصادي، وهجرات مناخية واسعة، وموجات من الأوبئة الجديدة والأكثر فتكاً والتي يعتبر كوفيد-19 مقدمة بسيطة لها، إلى جانب انهيار النظم البيئية التي لا رجعة فيها، والأشكال المخيفة للانهيار المجتمعي، والاستبداد والفاشية الجديدة».
هذه هي العدسة التي يجب علينا النظر من خلالها بينما نحاول أن نفعل ما هو في صالحنا: مجتمعنا يتجه بلا هوادة نحو بيئة من اللا استقرار والدمار الذي يشبه ما نراه في اليمن وليبيا وغيرها من البلدان التي قامت الإمبريالية الأمريكية بزعزعة استقرارها. لماذا برأيكم قام أصحاب المليارات الأمريكيين ببناء ملاجئ منعزلة محصنة في الأعوام الأخيرة، وانسحب كثيرون منهم إليها خلال هذا العام بسبب الوباء والاضطرابات المتزايدة؟
الولايات المتحدة، بسبب دورها كمركز للإمبريالية العالمية وما ترتب على ذلك من نقص في خدمات الصحة العامة وسط الإنفاق العسكري غير المسبوق، هي المنطقة الرئيسية لانهيار الرأسمالية في مراحلها الأخيرة. ظهر هذا الضعف الأمريكي الاستثنائي في مواجهة الأزمات في حقيقة أنّ الولايات المتحدة شهدت أكثر من 300 ألف حالة وفاة بسبب الوباء حتى الآن، أي أكثر بكثير ممّا هي الحال عليه في أيّ بلد آخر. عندما تصبح الأزمات كبيرة للغاية، سيتخلى الأثرياء عن هذه البلد – أو على الأقل عن الغالبية العظمى من أرضه – ويحولونه إلى منطقة تضحية أخرى.
كتب الصحفي البيئي أبراهام لوستغارتن في أيلول في الوقت الذي كانت فيه حرائق الغابات تكتسح الساحل الغربي وسط الفشل العميق لبنيتنا النيوليبرالية في إدارة هذه الكارثة الإنسانية: «على طول الولايات المتحدة هناك 162 مليون إنسان – أي قرابة واحد من كلّ اثنين – سيختبر انخفاضاً في نوعية البيئة، وتحديداً حرارة أكبر ومياهاً أقل. بالنسبة لـ 93 مليون من هؤلاء، التغيير سيكون حاداً بشكل كبير، وبرنامج ضمان الفيضانات الفدرالي يطلب للمرة الأولى استخدام بعض مدفوعاته للانسحاب أمام التهديدات المناخية في جميع أنحاء البلاد. سيثبت قريباً بأنّ الحفاظ على الوضع الراهن مكلف للغاية، ثمّ ماذا؟».
ثمّ سنضطر لشقّ طريقنا نحو البقاء، وفي النهاية نحو هزيمة دولة ستفعل كلّ ما بوسعها لمسح أكبر عدد منا عن وجه الأرض. توقّع أن تتحول معسكرات اعتقال إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية إلى مشاريع أكبر بكثير للاعتقال الجماعي والإبادة. توقّع أن تقوم الشرطة والجيش، جنباً إلى جنب مع المليشيات الشريكة لهم، بشنّ حملات إرهاب ضدّ الفئات المهمشة والأشخاص ذوي الانتماءات السياسية الجذرية. توقّع أن تلاحقك كامل البنية الداخلية للإمبريالية، مثلما حصل في النظام الإمبريالي الألماني أثناء محاولته المحمومة لإعادة بناء آلته العسكرية.
بالنسبة للولايات المتحدة، فهذه المحاولة للاحتفاظ بالسلطة من خلال العسكرة ستمر عبر شركات التكنولوجيا العملاقة، وهي بالمناسبة الشركات التي تبني دولة المراقبة وتنفذ رقابة على مناهضي الإمبريالية. «الثورة الصناعية الرابعة» كما يحلو لواضعي الأجندات الشركاتية أن يسموا تكنولوجيا السيطرة الاجتماعية، ستأخذ مكاناً كبيراً في ظلّ إدارة بايدن، حيث ستتخفى وراء الأقنعة الليبرالية مثل حماية البيئة والإنسانية. شركات التكنولوجيا العملاقة ستجعل الحياة اليومية تحت المراقبة بشكل مكثف أثناء بناء آلة الحرب. في ذات الوقت سيتم توسيع حملات المراقبة على الإنترنت، والدولة البوليسية على يد الليبراليين التكنوقراط. ثمّ عندما يصل ديماغوجيو اليمن المتطرف أمثال توم كوتون إلى السلطة، فهذه الأنظمة ستستخدم لتضييق الخناق على السكان كما لم يحدث من قبل.
البنتاغون بالفعل تنبّأ بسيناريوهات مثل هذه في المستقبل القريب. في السنوات الماضية كان هناك الكثير من التقارير التي تحذّر من فشل شبكة الطاقة الكهربائية على مستوى البلاد، وانفجار الأوبئة المتعلقة بالمناخ، والبطالة الحادة، وتنامي العشوائيات، والكوارث الطبيعية المنتجة للاجئين الذين سيتوافدون إلى البلاد في العقود القادمة. كان العلاج الذي اقترحه التكنوقراط العسكريون بعد هذه التقارير هو غزو واحتلال المناطق المتضررة، ما يجعل الحروب الأمريكية تحدث في الوطن مع استمرار تداعيات أزمة المناخ.
كتب جيف غودويل: «حتى في الأحياء الثرية، ستصبح المنازل المهجورة مثل بيوت للأشباح، مليئة بالقطط المتوحشة واللاجئين الذين يسعون نحو أراضٍ أكثر ارتفاعاً. المزيد من البشر سيغادرون. ستنهار مصدات البحر. وخلال عقود ستكون الأحياء المنخفضة مليئة بالمياه حتى الركبة. ستصبح عظام البشر الطافية من التوابيت مظهراً معتاداً. سيتجول صائدوا الكنوز باستخدام غواصات آلية صغيرة للبحث عن المجوهرات والمال. ستتداعى وتسقط مباني المكاتب الحديثة وأبراج الشقق التي ستتسبب المياه المالحة بتآكل أساساتها الخراسانية وتآكل عوارضها الهيكلية. ستقصد الأسماك صفوف المدارس. سيلقي الزعماء الدينيون باللائمة على الخطائين لغرق المدينة».
بتصرّف عن: Our conditions are going to get far more brutal