استكمال الحصار على طلاب الدراسات العليا
عروة صعب عروة صعب

استكمال الحصار على طلاب الدراسات العليا

تبدو الخطوة الأخيرة في الاشتراط على طلاب الدراسات العليا إيجاد جهة رسمية تتبنى دعم البحث من أجل التسجيل للوهلة الأولى، جزءاً من تحقيق سياسة معلنة تعنى بربط البحث العلمي باحتياجات المجتمع (وهو شعار لم تتحقق منه على أرض الواقع أي مبادرة، بل على العكس جرى تحطيم المبادرات الحقيقية). لكن إن أخذنا بعين الاعتبار سلسلة القرارات المتتالية الصادرة عن وزارة التعليم العالي والجامعات خلال السنوات الأخيرة، فتتوضح الصورة أكثر، وتتبين حقيقة هذه الخطوة التي لا تعدو أن تكون طبعة قدم أخرى في مسار استكمال الحصار على طلاب الدراسات العليا في سورية.

فكما يعلم كل طلاب الدراسات العليا، هذه  الخطوة أول جزء من الإعاقة، لأن الفرصة طبعاً ستتضاءل أمام من ليس لدية علاقات من نوع (الفساد متعدد الوجوه) مع أحد الجهات الرسمية القادرة على إعطاءه الموافقة، وخاصة في ظل إعلان بعض الجهات عن نيتها في عدم إعطاء تلك الموافقات إلا للعاملين لديها.

تبقى العلاقات الخاصة والرشوة و"المونة" والضغوطات من جهات أخرى هي الوسائل الممكنة للحصول على هذه الورقة السحرية.

من الجدير بالذكر أن مسلسل الصعوبات الذي يمكن تتبعه، من ارتفاع تكاليف البحث العلمي وخاصة في الفروع العلمية لطلاب البحث العلمي، الذين تراوحت ردود فعل الجامعات على وضعهم، بين انزال تكلفة البحث إلى الصفر أو إيصالها إلى ما يعادل نسبة 10 بالمئة من تكلفة البحث الحقيقي، مما يعني أن الطالب في هذه الحالة مضطر إما إلى تمويل البحث من حسابه الخاص، أو البحث عن طرق التفافية لتمويل هذا البحث ومنها "التسول" للحصول على مواد البحث من هنا وهناك أو تقديم طلبات التمويل من الجهات الممولة ( وهو ما يستدعي -ولو من تحت الطاولة- الاستعانة بصديق)، وتبقى في هذه الحال فرصة استكمال البحث متاحة فقط أمام من يتمتعون بموقع معيد موفد، أو من الأثرياء الذين لا تشكل تكاليف البحث بالنسبة لهم أي عبء مادي يذكر.

نعود في الذاكرة قليلاً إلى قرار وزير التعليم السابق الذي اشترط على طلاب الدراسات العليا تقديم إجازة بلا أجر لمدة عام على الأقل للسماح لهم بالتسجيل في درجتي الماجستير والدكتوراه إن كانوا عاملين في القطاع العام، وقد كانت ضربة قاصمة للعاملين منهم الذين لا يملكون سوى أجورهم الضئيلة، والتي أدت سياسة الوزير إلى حرمان العديد منهم من فرصة الدراسة، وبالتالي كانت نوعاً من التطفيش المباشر لفئة المتفوقين الراغبين في استكمال تعليمهم ويعملون في القطاع العام، ضربة ثلاثية الأبعاد تنم عن تفكير وقاد ضمن نهج حصار الباحثين الشباب.

طبعاً لا يمكننا أن ننسى في هذه العجالة القرار الأخير الذي يلزم طلاب الدراسات بالتدريس مجاناً في الجامعات، كعمالة مجانية ليس لوقتها أي قيمة، وليست معنية باستكمال البحث، حسب رأي الجامعات.

سبق هذه الخطوات بالطبع تقليص أعداد المقبولين في الدراسات العليا عموماً، رغم أن الطاقة الاستيعابية للجامعة قادرة على قبول طلبة أكثر بكثير من المقبولين، ناهيك عن الحاجة الوطنية إلى تعزيز الكوادر العلمية الوطنية بعد التسرب الكبير الناجم عن الحرب عموماً وسوء الأوضاع الاقتصادية للباحثين خصوصاً والمغريات التي تقدم لهم كعمالة من الدرجة الممتازة بدخول مغرية في كثير من دول العالم.

ويبقى شعار إعادة الإعمار دون معنى إن كان لا يتضمن إعادة إعمار الكوادر البشرية القادرة على النهوض بالمرحلة القادمة. وتتكسر أحلام باحثينا الشباب في وطن يتجدد كل يوم على صخرة الفساد المبدع بقراراته.