لا يمكن لنيودلهي تحمل كلفة الألعاب الجيوسياسية
غلوبال تايمز- داي يونغ هونغ غلوبال تايمز- داي يونغ هونغ

لا يمكن لنيودلهي تحمل كلفة الألعاب الجيوسياسية

نظراً لكونها محاصرة بأزمة فيروس كورونا صارخة وتناقضات اجتماعية متنامية، فالنزعة الهندية للعب على أوتار جيوسياسية لا تنفع البلاد في شيء. أعلنت نيودلهي منذ فترة قريبة عن إجراءات لتشديد ضوابط معدات الاتصال، والتي يعتقد على نطاق واسع بأنّها مخصصة لاستهداف كبار الموردين الصينيين ومن بينهم هواوي وZTE.

ترجمة قاسيون

من المؤكد بأنّ هذا الموقف التمييزي سيرتد بنتائج عكسية على الدولة الفقيرة نسبياً في جنوب آسيا، مما سيبطئ من زخم نموها الاقتصادي ويلقي بالمزيد من شعبها في الفقر.

دون تسمية شركات بعينها، أعلنت السلطات الهندية عن خطة لوضع قوائم بموردي معدات الاتصالات «الموثوقين» وأخرى «كلائحة سوداء». وفقاً لتقارير إعلامية، عبّر بعض المسؤولين الحكوميين الهنود بشكل خاص عن مخاوفهم من قيام شركات الاتصالات المحلية بتبني معدات هواوي، مستشهدين بذريعة إدارة ترامب لحماية «الأمن القومي». حتى أنّ بعض الوسائل الإعلامية الهندية كانت واضحة في تحليلاتها بأنّ الإجراءات تستهدف بشكل واضح الموردين الصينيين.

الخطة الأخيرة لزيادة السيطرة على معدات الاتصال أتت بعد سلسلة من التحركات الهندية للهجوم على الشركات الصينية هذا العام، مثل حظر أكثر من 200 تطبيق صيني، وتشديد الخناق على الاستثمارات الصينية، وإطالة أمد التخليص الجمركي للواردات الصينية.

إضافة للنزاع الحدودي بين البلدين، كانت الصين تشتكي من العجز التجاري المتسع مع الصين. لفترة من الزمن بدا بأنّ نيودلهي قد تخلت عن استقلالها الاستراتيجي وربطت نفسها بعربة الهيمنة الأمريكية، لتقوم بشكل متزايد باستفزاز الصين، بدءاً من المشاكل الحدودية وصولاً للمواجهات الاقتصادية المقصودة.

ومع ذلك، فالهند التي كانت تتمتع لبعض الوقت بتوقعات كبيرة بخصوص إمكانات نمو اقتصادي واعدة للغاية، تتراجع اليوم وسط انكماش مؤلم قد يستمر من ثلاث إلى خمس سنوات. ضمن آخر تقديرات لصندوق النقد الدولي، قد يتضاءل الاقتصاد الهندي بمعدل 10.3% في 2020، بالمقارنة مع وسطي 3.4% انكماش في بقية دول جنوب آسيا.

مع وصول حالات كوفيد-19 المؤكدة إلى 10 ملايين، شهدت الدولة المكتظة بالسكان والمعروفة بفجوة هائلة في توزيع الثروة، صراعات داخلية متزايدة، بما في ذلك احتجاجات المزارعين واسعة النطاق وإضرابات عمال المدن.

تحاول نيودلهي الترويج لهدف يتمثل في النمو المستمر لتصبح قوة إقليمية مهيمنة، ومع ذلك فسياستها غير المتسقة والافتقار لاستراتيجية شاملة أعاقت بشكل خطير تطوير الصناعات المحلية في الهند. يشعر المستثمرون العالميون بالقلق المتزايد بشأن الآفاق الاقتصادية للبلاد.

بالنسبة لصناعة الاتصالات في الهند، فاتباع أجندة الهجوم المعتمدة في الولايات المتحدة ومحاولة الضغط على المتصدرين عالمياً هواوي وZTE سيؤدي في نهاية المطاف إلى تأخير تطوير الهند لشبكاتها الجديدة. ينطبق المنطق ذاته على الصناعات الهندية الأخرى التي طورت حلقة اتصال متكامل مع الموردين الصينيين، بما في ذلك قطع غيار السيارات والمواد الطبية، ناهيك عن ذكر احتياطي رأس المال الوافر في الصين والتكنولوجيا المتقدمة وإدارة الشركات. ما إن يتحول رأس المال الصيني بعيداً، سيكون من الصعب إغراؤه بالعودة.

في هذه الأثناء تسارعت وتيرة التكامل الاقتصادي الإقليمي في شرق وجنوب-شرق آسيا، وذلك عقب توقيع اتفاقية التجارة الهائلة الحجم: الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة «RCEP» – والتي تغطي حوالي 30% من الاقتصاد العالمي.

رغم أنّ الاتفاق الجاري يبقي على الباب مفتوحاً للهند للانضمام، فمن غير المرجح أن تنضم إليه في المستقبل المنظور، حيث أبحرت سفينة التعافي السريع في زمن ما بعد الوباء دون أن تكون الهند على متنها.

على عكس الاقتصادات المتقدمة التي تدعمها أسس اقتصادية متينة، فممارسة الألعاب الجيوسياسية مع الصين ليس أمراً ميسور التكلفة لدولة فقيرة نسبياً مثل الهند. حان الوقت كي تعيد نيودلهي حساباتها وتفكر بما الذي عليها فعله.

المصدر