مشكلة شاحنات البضائع السورية سياسية أيضاً
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

مشكلة شاحنات البضائع السورية سياسية أيضاً

من المعروف أن الوجهة الرئيسية لحركة البضائع السورية هي أسواق السعودية ودول الخليج ومصر، وقد واجهت عمليات التصدير إلى هذه الدول خلال سنوات الحرب والأزمة الكثير من الصعوبات والمشاكل، وما زالت مستمرة طبعاً، لدرجة التوقف التام خلال فترات طويلة، ومشاكل الشاحنات السورية المحملة بالبضائع أحد تجلياتها.

لكن يبدو أن مشكلة عبور شاحنات البضائع السورية إلى الأردن، ومن ثم إلى مصر أو دول الخليج، أبعد وأعمق من بعض الاعتبارات "القانونية"، أو القرارات" الارتجالية"، بل وحتى من ذريعة "العقوبات"، أو "الكورونا"، التي تبدو أنها تحكم عملها!.
فما هو سبب استمرار هذه المشكلة؟.

مقدمة لا بد منها


لم تتوقف عمليات تهريب البضائع السورية طيلة سنوات الحرب والأزمة، وكذلك بعض عمليات التصدير المحدودة.
وبغض النظر عن حجم هذه وتلك، وعن التداعيات السلبية على السوق المحلي والمستهلكين، ومن يقف خلف عمليات التهريب والتصدير من حيتان المال والفساد، كمستفيدين على حساب المنتجين والمستهلكين والاقتصاد الوطني عموماً، لا يمكن إغفال أهمية وضرورة استئناف عمليات تصدير البضائع والسلع السورية بشكل نظامي، لا على المستوى الاقتصادي، ولا على المستوى السياسي.

لا ديمومة ولا استقرار


إن حركة عبور البضائع السورية إلى الأردن بشكل نظامي تم استئنافها في عام ٢٠١٨ بعد إعادة افتتاح معبر "نصيب"، لكن لم يسمح للشاحنات السورية بدخول الأردن في حينها، بل تم السماح بتفريغ الحمولة من الشاحنات السورية إلى الأردنية لاستكمال عملية نقلها حسب مقصدها، الداخل الأردني أو دول الخليج ومصر.
وبعد تجاذبات قانونية حول التعامل بالمثل، بين سورية والأردن، تم فرض ٢٠٠٠ دولار كرسوم مالية من قبل السلطات الأردنية عن كل شاحنة سورية لقاء السماح بدخولها إلى الأراضي الأردنية، ومع ذلك لم تسير العملية بالسلاسة المتوقعة، ولم تستقر عملية تصدير ونقل البضائع السورية.
فالحدود مع الأردن تم إغلاقها من قبل الجانب الأردني أمام عبور الشاحنات السورية بشكل متكرر، مع وضع سقوف لعدد الشاحنات السورية التي يسمح بدخولها الأراضي الأردنية يومياً.

في شهر أيلول الماضي سمحت السلطات السعودية بعبور الشاحنات السورية عبر أراضيها، تلا ذلك الإعلان عن فتح معبر "عرعر" بين السعودية والعراق، وقد تم التوقع أن ذلك سينشط حركة تصدير ونقل البضائع السورية، وسيمنحها المزيد من الاستقرار والديمومة، سواء من خلال معبر نصيب مع الأردن الأقرب مسافة، أو من خلال معبر "عرعر" السعودي العراقي كبديل أصبح متاحاً، بحال لم تستقر حركة المرور مع الأردن، لكن ذلك لم يتم أيضاً!
فها هي عدة شاحنات سورية تنتظر على الحدود السعودية الإماراتية لعدم منح السلطات السعودية السائقين السوريين سمة المرور اللازمة، ذهاباً وإياباً.

أسباب غير مفهومة!


نُقل عن رئيس مجلس إدارة غرفة زراعة دمشق، عبر بعض وسائل الإعلام منذ أسبوع، قوله: «المشكلة مع الأردن ليست جديدة، وهي تخضع لأهواء الحكومة الأردنية، حيث تسمح بفتح المعبر وتعلقه في اليوم الآخر».
كما قال رئيس الاتحاد السوري لشركات شحن البضائع الدولي، عبر تصريح صحفي لأحد وسائل الإعلام منذ عدة أيام: "أن السلطات الأردنية لا تعطي أي أسباب أو مبرر لمنع عدد من سائقي الشاحنات السورية من المرور عبر أراضيها".
كذلك قال مسؤول المنافذ الحدودية في اتحاد شحن البضائع: "إن الأردن منع مجددا عبور سائقي الشاحنات السورية من أراضيه وصولاً إلى الخليج، رغم تحقيقهم شروط اتفاقية الترانزيت العربي للعبور بين الدول العربية".
أما عضو مجلس إدارة الاتحاد السوري لشركات الشحن فقد قال: "في البداية كان مبرر منع العبور هو الكورونا والحظر، ثم أصبح الوضع مزاجية لدى الأمن العام الأردني، ووضع عقبات بدون أي وجه قانوني".
وحول الشاحنات السورية العالقة على الحدود السعودية الإماراتية، قال رئيس لجنة التصدير المركزية، عبر إذاعة ميلودي: "من المفترض منحهم سمة دخول ذهاب وإياب من قبل السعودية لكن لم يتم ذلك، فعلقوا على الحدود".

بعيداً عن الأوهام.. القرار سياسي


التصريحات أعلاه تؤكد أن مشكلة تصدير ونقل البضائع السورية، إلى الأردن والسعودية ومصر ودول الخليج، أبعد من حدود المزاجية والارتجال ببعض القرارات، وأعمق من حدود التقيد ببنود الاتفاقيات، من هذه الدولة أو تلك، أو غيرها من المبررات والذرائع التي تتبادر للأذهان.
وبعيداً عن كل الأوهام، لا نبالغ إن قلنا أن استمرار المشكلة محكوم بقرار سياسي من هذه الدول، بل ربما بتوافق سياسي فيما بينها بهذا الشأن على ما يبدو، وهو لا شك مرتبط بالمواقف، التي تبدو كأنها متباينة من الأزمة السورية العميقة، وهي ليست كذلك عملياً، مع عدم تغييب الدور الأمريكي بهذا الشأن، عبر الضغوطات الممارسة على كل منها، حسب مستوى الارتباطات والمصالح طبعاً.
فمن الواضح أنه حتى الآن لا يوجد توافق على قرار سياسي، لا بما يخص حركة تصدير البضائع السورية إلى هذه الدول، مع ما يعنيه ذلك من استقرار نسبي على المستوى الاقتصادي السوري، ولا بما يخص الأزمة السورية عامة، وبكل عناوينها، بما يشكل دفعاً نحو الاستقرار وحل الأزمة عموماً، بل على العكس، يبدو أن الدفع يجري باتجاه تعزيز عدم الاستقرار على كافة المستويات حتى الآن، وهو ما يجري.