الهند: نموذج من مقاومة الشعوب للنهب الرأسمالي
يعتبر نضال المزارعين الهنود الذي يجري الآن على حدود العاصمة نيودلهي والمقاطعات المجاورة لها واحد من أهم الهبّات الشعبية التي شهدتها الهند خلال ثلاثة عقود من السياسات الليبرالية التي تركت المجتمع نهباً للفقر والحاجة.
في أيلول الماضي، سنّت الحكومة المركزية الهندية بقيادة حزب «بهاراتيا جاناتا» ثلاثة قوانين زراعية جديدة أثارت رفض قطاعات واسعة من المجتمع، حيث تهدد سبل عيش الملايين من صغار المزارعين وأولئك الذين يعتمدون على القطاع الزراعي لتلبية حاجاتهم الأساسية، ذلك لأنه يثير خطر سيطرة الشركات الكبرى على قطاع الزراعة، مما سيسبب تداعيات بالغة الخطورة على الأمن الوطني والغذائي الهندي لسنواتٍ عدة، وسيشكل «خطراً وجودياً للطبقة العاملة في البلاد» بحسب تعبير النقابات والأحزاب السياسية الرئيسية.
واستناداً إلى هذا المستوى من الخطورة، دعت النقابات العمالية الأساسية العشرة، بالإضافة إلى أكثر من 200 تعاونية زراعية إلى إضرابٍ عام ليومٍ واحد في عموم البلاد، تم بنجاح يوم الخميس الماضي وبمشاركة أكثر من 250 مليون عامل، وهو ما تم اعتباره أكبر إضراب عام في تاريخ البشرية من حيث عدد الملتزمين به، وتمثلت المطالب بـ:
- سحب جميع القوانين المناهضة للفلاحين وقوانين العمل المناهضة للعمال.
- دفع 7500 روبية (حوالي 100 دولار أمريكي) لكل عائلة لا تشملها الضرائب الحكومية.
- تأمين 10 كيلو غرامات من الأغذية شهرياً لكل أسرة محتاجة.
- توسيع نطاق قانون «المهاتما غاندي» الوطني لضمان العمالة في المناطق الريفية الصادر في عام 2005، ليشمل 200 يوم عمل كل عام، ورفع الأجور، وتوسيع نطاق القانون ليشمل الصناعات في المدن.
- وقف خصخصة القطاع العام، بما في ذلك القطاع المالي، ووقف تحويل مؤسسات التصنيع والخدمات التي تديرها الدولة إلى شركات مثل السكك الحديدية ومصانع الذخائر والموانئ... إلخ.
- سحب قانون التقاعد المبكر القسري لموظفي الحكومة والقطاع العام.
- إلغاء نظام المعاشات التقاعدية الحالي، وإعادة وضع خطة المعاشات التقاعدية السابقة مع إدخال تعديلات عليها، بما يؤمن حصول جميع الموظفين على معاشات تقاعدية.
واستعدّ المزارعون الذين يحاصرون نيودلهي للاحتجاج على المدى الطويل والبقاء في الشوارع فترة طويلة، حيث أحضروا شاحنات وعربات جرارة لتخزين الحبوب الغذائية والبقول وغيرها من الإمدادات الأساسية التي يمكن استخدامها لأغراض النوم، وشيدوا دورات مياه ومراحيض ومطابخ مؤقتة على الطرقات الرئيسية، ويؤكدون أن لديهم من الإمدادات ما يكفي للبقاء ستة أشهر في الشارع مبدئياً حيث سيقتاتون على الخضروات والحليب والمنتجات التي ستكسد بطبيعة الحال نتيجة القوانين الجديدة.
وتم تمرير القوانين الثلاثة مع احتدام انتشار فيروس كورونا في الهند، ذلك لأن الحكومة أملت في أن يمنع الخوف من الفيروس حدوث احتجاجات واسعة النطاق. واتضح أن ذلك كان سوء تقدير. فالمزارعون والعمال يدركون جيداً مخاطر تقويض نظام الدعم الحكومي القائم سابقاً، وهم الآن في وضع يحتم عليهم السير إلى العاصمة للقتال من أجل مطالبهم.
ومن الأمور الجديدة التي تلفت الانتباه هو أن العمال والمزارعين ومن خلال خوضهم للإضرابات يصطدمون شيئاً فشيئاً مع الواقع الانقسامي الموجود سابقاً في تنظيماتهم، ويدركون أهمية تنسيق الخطوات لخوض المعركة، وقد لعب الشيوعيون دوراً قيادياً في هذه الجهود، حيث لعب الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) دوراً أساسياً في تشكيل ما تمت تسميته بـ«الوحدة القائمة على القضايا» والتي تهدف إلى تنظيم عملية التنسيق بين النقابات الرئيسية العشرة في البلاد لدراسة كل خطوة نضالية لاحقة ستفرضها مجريات المواجهة. وعلى هذا النحو، تؤكد النقابات أن إجبار الحكومة على التراجع عن القوانين الثلاثة ليس أكثر من مطلب أولي ستتبعه مطالب أخرى تستعيد المكتسبات التي انتزعت منها منذ تسعينيات القرن الماضي.