الصومال رقعة أخرى من ساحة الألغام الأمريكية دولياً
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أسبوع في 5 من الشهر الجاري عن سحب جميع القوات العسكرية الأمريكية من الصومال بحلول 15 كانون الأول، الذين عددهم وفقاً للبنتاغون 700 جندي وسط اعتراض الحكومة الصومالية على هذا القرار.
ككل بقعة ومنطقة أخرى من هذه الأرض، جاءت القوات الأمريكية إلى الصومال بذريعة وجود تهديدات إرهابية «تنظيم القاعدة» بوصفها حامية الإنسانية وراعية الديمقراطية، بعد صنعها لها، بغية الانتشار العسكري وفرض الهيمنة بقوة السلاح والدولار خلال العقود السابقة.
مع اشتداد الازمة الرأسمالية والتراجع الأمريكي شهدت السنين القليلة الأخيرة جملة من الانسحابات العسكرية الأمريكية دولياً، من العراق وسورية وأفغانستان وألمانيا وأخيراً الآن الصومال، ورغم أن موضوعة الانسحابات هذه تصب في مصلحة الدول التي تخرج منها في نهاية المطاف، إلا أنّ لحظة الانسحاب وكيفيتها تجري بأوقات وظروف محددة تدرسها واشنطن بغية صنع فجوات وتعقيدات خلفها، كألغام يتركها العدو لتتفجر بعد انسحابه من أرض المعركة.
بالحالة الصومالية، فإن هذه اللحظة جاءت وفق معادلة من 3 عوامل:
- استمرار وجود ونشاط تنظيم «حركة الشباب» الإرهابي المرتبط بـ«القاعدة»، والذي دأبت واشنطن خلال تواجدها على الإبقاء عليه بحدّه الأدنى كأداة توتير تستخدم عند اللزوم.
- قبيل الانتخابات الرئاسية الصومالية، التي يسبب الانسحاب فيها الآن اختلال بالتوازنات في المنظومة القائمة ويفعّل التناقضات الموجودة ضمنها التي كانت واشنطن تحدّ منها بالتعاون مع أتباعها استناداً لتواجدها العسكري وما يصاحبه من وزن سياسي لأتباعها.
- توتر القرن الإفريقي والمنطقة عموماً، في حروبها ونزاعاتها، سواء في السودان وإثيوبيا وكينيا، وعلى الضفة المقابلة، اليمن.
وقد عبّرت الحكومة الصومالية صراحةً عن استيائها من القرار الأمريكي لهذه العوامل نفسها، فسرعان ما بدأت «حركة الشباب» بعمليات جديدة قابلها ضربات عسكرية من الجيش الصومالي وجوية من الجانب الأمريكي، لا تحدّ ولا تقضي عليها، مثلما كان الحال طيلة سنين خلت، وإنما تشعل فتيل تصعيد عسكري وفق معادلة أخرى عنوانها «استدامة النزاع والتوتر»، ومن جهة أخرى فإن استياء الحكومة الحالية يأتي أيضاً من مخاوفها على مصالحها الخاصة بانخفاض وزنها في البلاد بمقابل الأطراف الأخرى، وأهمها الشعبية نفسها.
من المبكر الآن الحديث عن كيفية تطور الأحداث والمجريات، إلا أن ما يمكن وضعه ضمن النصاب العام للتحليل وفقاً لكل ما يجري عالمياً، هو أن الخروج الأمريكي سيفتح الباب لمجيئ بدائل إقليمية ودولية عنه تهدف إلى حل الأزمة بشكلٍ حقيقي انطلاقاً من المصالح المشتركة، وبناء على الظرف الصومالي فمن المتوقع أن يقوم الاتحاد الإفريقي بهذا الدور أولاً عبر التعاون مع الحكومة المقبلة أياً تكن، ولن تكون الصومال بعيدةً عن حالة «الاستعصاء» السياسي التي أصابت وتصيب مختلف الملفات الدولية ولتبدأ وتيرة حلها تدريجياً عبر النقاط، وبالاستناد إلى كل خطوة تراجع أمريكية مستقبلاً، بعد رصد الألغام وتفكيكها واحداً تلو آخر، لا على نطاق الصومال وحدها، وإنما مجمل ساحة المعركة دولياً بجميع ملفاتها.