خريطة طريق «عونية» للحد من «مخاطر» السوريين في الأشرفية
عقد أمس، كل من الوزير السابق نقولا صحناوي وعضو «التيار الوطني الحرّ» زياد عبس، مؤتمراً صحافياً، خصص للـ«غوص» في «تداعيات وجود النازحين السوريين» في الأشرفية، تخلّله كلام يحاذي العنصرية، وهو ليس إلّا نتيجة طبيعية للتخبط والإهمال الرسميين اللذين طبعا الوجود السوري في لبنان منذ بداية الحرب السورية.
ومع وصول عدد النازحين المسجلين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى عتبة المليون شخص (ويقدر أن الرقم يمثّل فقط 60 في المئة من عدد النازحين الفعليين)، ما زال التخبّط الرسمي، والكيديّة السياسيّة، يطغيان على الملّف المرشّح للتفاقم وتفجير أزمات في القطاعات، للبنانيين من جهة، وللنازحين من جهة ثانية.
يوم أمس في الأشرفية، اعتُبرت الأبنية التي يسكنها السوريون بمثابة «ثكنات»، واعتُبر النازحون «مشاريع إرهابيين»، و«قنابل موقوتة». بعض الحضور ذهب إلى حدّ المطالبة بوضعهم في «بيك آبات» و«شحنهم» إلى سوريا، إذ «يكفي التعامل بنعومة».
ولم يأت أي من ذلك الكلام عن عبث، بل جاء نتيجة «رصد واستطلاع»، كما قال المنظّمون، تحضيراً للمؤتمر الصحافي.
وفي فيلم تلفزيوني قصير، استهلت به الإطلالة الإعلامية لسياسيّي «التيار الوطني الحر»، حُمّل السوريون مسؤولية اعتداءات جسدية وسرقات وخروق عدّة، وسرقة فرص عمل اللبنانيين، وتهجيرهم في المناطق عامة، وفي الأشرفية والمدور والصيفي والرميل خاصة.
التقطت الكاميرا أحذية النازحين البالية خارج الغرف التي تبيّن أنهم يسكنونها بـ«العشرات». آلة التصوير نفسها ضبطت نواطير الأبنية من بينهم. نواطير لا يكتفون بالحلول في العمل مكان اللبنانيين، وإنما يصطحبون عائلاتهم معهم أيضاً. والتقرير نفسه استجوب فتاة صغيرة من دير الزور تسكن في الأشرفية.
أما الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم عن انتهاكات السوريين في المنطقة فكثر. من التي سلب حقيبتها راكب دراجة نارية، مروراً بالتي تفاجأت بمن يسحب السكين في وجهها وداخل منزلها، وصولاً إلى معاناة مواطن من الأشرفية تعرض للضرب والطعن على ايدي مجموعة من السوريين، بالإضافة إلى «الإزعاج اليومي الذي يتسببون به في الأحياء وبين الشقق، والهلع الذي تشعر به نساء المنطقة، وعدم القدرة على الخروج من المنازل ليلاً».
وقد رصد المنظمون عديد مواليد النازحين، التي تبلغ، «في بيروت وحدها 45 ولادة في اليوم، و250 ولادة في كل لبنان»، ما أطلق صيحات الاستهجان بين الحضور. ونتجت المقارنة بين «السوري اللاجئ» والمواطن المقيم أنّ الأخير خسر في خلال عامين 330 ألف وظيفة وفرصة عمل. ودرس المنظمون الكلفة الصحية والتعليمية على لبنان لكل سوري ليتبين أنها 2800 دولار، أي «ما يفوق الدخل السنوي للسوري في بلاده»، وتساءلوا، مع هذه الأرقام، «هل سيرغب اللاجئون بالعودة إلى بلادهم؟».
عودة تمناها مواطن من بين الحضور «فليعيدوهم إلى سوريا ولتساعدهم الأمم المتحدة هناك». المواطن نفسه قال إنه عاطل عن العمل ومن دون ضمان أو تأمين صحي، «إذاً العامل السوري أفضل مني». فالسوري «يستفيد من الأمم المتحدة، ويعمل ويتسول، ويتطبب ويتعلم مجاناً، ويتلقى مساعدات غذائية، أما نحن فلا شيء».
وثبتت نقاط حمراء على خريطة للمنطقة عُرضت مظهرة أماكن انتشار «خمسين ألف سوري»، والمخاطر المحتملة الناتجة عن وجودهم. وتم رصد النازحين في الدائرة الانتخابية التي تعني صحناوي وعبس وفريقهما السياسي. واستدعى الانتشار الواسع دعوة كل مواطن لأن «يكون خفيراً، أن يفتح عينيه وأذنيه جيداً، وأن يبلغ القوى الأمنية بكل ما يراه»، من دون الذهاب إلى حدّ المطالبة بالأمن الذاتي «فتلك مهمة القوى الأمنية».
ولأن القضية لا تعني «التيار الوطني الحر» وحده، فقد «سمح» صحناوي لـ«نفسه»، بأن يتكلم باسمه وباسم «أخصامنا السياسيين، لأن الارهاب لا يفرّق بين طرف سياسي وآخر، ويضعنا جميعاً في دائرة الخطر».
ولم يفت صحناوي شكر «وقوف الشعب السوري إلى جانبنا في عدوان تموز 2006» إلّا انّه نبّه إلى أنّ لبنان «أمام تغيير ديموغرافي مخيف»، إذ، بحسب تقرير لإحدى الصحف المحليّة، فـ«إن عدد النازحين عندنا سيصبح مليوني نازح في العام 2015»، وعليه سيصبح العدد في الأشرفية مئة ألف نازح «أي نفس عدد ناخبي المنطقة».
وفي الأشرفيّة، يجزم صحناوي «أن بعض الشقق تحوي أكثر من 20 شخصاً يقطنون فيها، ويتوزعون على أكثر من 500 مبنى في المنطقة». وتوقف عند الإحصاءات، و«بحسب الأجهزة الأمنية، فإن نسبة جرائم القتل قد ارتفعت بشكل مريب، فبعدما كان المعدل الشهري 11 جريمة قتل في العام 2011، أصبحت في العام 2013، 29 جريمة قتل شهرياً». أما في ما «يخص المعدل الشهري لسرقة السيارات، فقد شهد بدوره ارتفاعاً كبيراً، إذ ان في العام 2012 كان المعدل الشهري 98 سرقة سيارات، وقد أصبح في العام 2013، 141 جريمة سرقة سيارة». ولم يذكر صحناوي إذا كانت المعلومات الأمنية تشير إلى هوية المرتكبين والسارقين.
بدوره، شرح عبس كيف اتخّذ النازحون مآوي في بعض «المراكز الاستراتيجية» المنتشرة عند مداخل الأشرفية ما يدعو للقلق من أي تحرك أمني. وتوجه عبس للسلطات المحلية طالباً منها إجراء مسح جدي ورسمي، وفرض تسجيل عقود الإيجار التي من شأنها، منفردة، أن «تقلص العدد إلى النصف حيث ان القانون يحدد عددا معينا لسكان الشقة الواحدة، لا يجوز تجاوزه». ووصف رقم الولادات السورية يومياً بـ«الرقم الصادم والمثير للقلق».
كل تلك المعطيات المسنودة إلى «بحث ورصد» استدعت إعداد عريضة مطلبية سيسلمها صحناوي وعبس إلى كل من وزير الداخلية ومحافظ بيروت ومجلس بلديتها، في سياق متابعة «القضيّة».
وتطالب العريضة، كما علمت «السفير»، بمنع تجول السوريين في الأشرفية والمدور والصيفي بعد الثامنة مساء، وتنظيم دوريات أمنية ليلاً، وخاصة في أماكن تجمعاتهم، ونشر حرس البلدية خصوصاً عند مداخل المنطقة، وإلزام السوريين بتسجيل عقود الإيجارات مع كشف شبه يومي أو دوري على الشقق للتأكد من هويّة قاطنيها ووجهة استعمالها، «إذ سبق أن عثر على سلاح في بعض الشقق التي يقطنونها». وسيلزم السوريون بإخلاء الشقق عندما يطلب منهم صاحب الملك ذلك، خصوصاً في حال إخلالهم بالأمن أو إسكانهم أشخاصاً أكثر مما يسمح به العقد.. وتشدد العريضة أيضاً، إلى جانب أمور أخرى، على منع السوريين من فتح مؤسسات تجارية «فقط يحق لهم العمل كعمال وشغيلة، وليس منافسة اللبناني في إنشاء مؤسسة خاصة».
السفير اللبنانية