هل يمكن أن يغلق ترامب على نفسه باب الحمام في البيت الأبيض؟
رائد سعيد رائد سعيد

هل يمكن أن يغلق ترامب على نفسه باب الحمام في البيت الأبيض؟

جرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ولم يقرّ ترامب حتى الآن بفوز نظيره بايدن، ولا يزال يسعى بأشكال مختلفة لتأكيد تزوير الانتخابات.

عادة ما يعلن المرشح الرئاسي الخاسر عن هزيمته بإلقاء خطاب التنازل التقليدي الذي يمثل عادة (في حال كان الخاسر هو رئيساً أنهى دورته الأولى) الخطوة الأولى في عملية الانتقال - فليس من المطلوب دستورياً أو قانونياً أن يلقي المرشح الخاسر خطاب تنازل، لكنه تقليد عميق الجذور أصبح إشارة للمضي قدماً بعد الانتخابات.

عدم إلقاء خطاب التنازل هذا حتى الآن، أدى خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى الكثير من التوقعات والتحليلات، سواء الجادة منها أو الهزلية، حول ما سيحدث إذا رفض ترامب إخلاء البيت الأبيض (عن طريق الإغلاق على نفسه في الطابق السفلي أو في الحمام داخل البيت الأبيض) في 20 كانون الثاني 2021. ومع ذلك، فإن الآثار المترتبة على ما كان يجري منذ 4 تشرين الثاني (اليوم التالي للانتخابات عندما أصبح واضحاً من وجهة نظر الإعلام على الأقل أن بايدن قد فاز) ليست مرتبطة فقط بخروج ترامب من البيت الأبيض وانتقال بايدن إليه...

 

في حين أنه من غير المحتمل بشكل متزايد أن يرفض ترامب إخلاء البيت الأبيض أو أن يرفض تسليم السلطة (لم يرفض أي رئيس أمريكي تسليم البيت الأبيض لرئيس جديد قادم، ولا يبدو أن عام 2021 سيسجل أول حالة من هذا النوع)، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك "انتقال سلمي للسلطة". بالطريقة التي نراها، فإن هذا التأخير الطويل في قبول نتائج الانتخابات والبدء في العملية الانتقالية يمكن في حد ذاته أن ينفي "التداول السلمي للسلطة" حتى لو سار أداء اليمين كما هو مخطط له في كانون الثاني، خاصة في ضوء بعض أنشطة إدارة ترامب خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.

من الناحية القانونية، تنتهي فترة الرئاسة ظهر يوم 20 كانون من العام الذي تنتهي فيه المدة (التعديل رقم 20 لدستور الولايات المتحدة)، مما يعني أنه في ذلك الوقت لن يعود الرئيس الحالي يتمتع بالسلطات المنصوص عليها في الدستور، بما في ذلك كونه القائد العام للقوات المسلحة، ولن يتمتع بالحماية أو الحصانة التي تأتي مع المنصب.

بمعنى آخر، يصبح الرئيس المنتهية ولايته «مواطناً عادياً». هذا يعني أن ترامب سيعتبر متعدياً وسيُطلب منه المغادرة ومرافقته خارج البيت الأبيض، وإذا لم يمتثل، فستتم معاملته وفقاً للقانون الجنائي المعمول به وينتهي به الأمر في بذلة برتقالية كما علّق أحدهم (ربما نصف مازحٍ).

ومع ذلك، حتى 20 كانون الثاني (يناير)، لا يزال ترامب هو الرئيس ولديه جميع السلطات التي تأتي مع هذا المنصب. تقليدياً، وفي غياب بعض الظروف الداخلية أو الدولية التي تتطلب خلاف ذلك، لم يتخذ الرؤساء المنتهية ولايتهم قرارات أو تغييرات رئيسية خلال الفترة بين الانتخابات وأداء الرئيس الجديد اليمين. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال بعد هذه الانتخابات، حيث أقال ترامب في 9 تشرين الثاني وزير الدفاع، مارك إسبر. ووزير خارجية ترامب، مايك بومبيو، ذهب في رحلة دولية طويلة وقام بزيارات رسمية إلى العديد من البلدان. لا يمكن تصنيف أي من هذه الأمثلة على أنها أنشطة عادية أو مستوى نشاط لإدارة في آخر أيامها.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من الخضوع التدريجي لنتائج الانتخابات، إلا أن تصرفات ترامب وبعض أعضاء إدارته كانت موجهة نحو رفض قبول النتائج. وشمل ذلك قول بومبيو في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) أنه "سيكون هناك انتقال سلس... إلى فترة رئاسية ثانية لترامب"، لكنه أعلن يوم أمس (بومبيو) بدء عملية الانتقال في وزارة الخارجية. مثال آخر هو رفض ترامب منح فريق بايدن الانتقالي حق الوصول إلى مواقع وملفات معينة لبدء عملية الانتقال حتى قبل أيام قليلة، مما تسبب في تأخير يقرب من 3 أسابيع (من إجمالي 11 أسبوعاً بين الانتخابات وأداء اليمين، والتي تتخللها أيضاً عطلات رئيسية في الولايات المتحدة).

هذا بالإضافة إلى تصريحات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أغلبها من ترامب نفسه، يزعم فيها حدوث تزوير في الانتخابات وإعلان فوزه مراراً. كل هذا أدى إلى تحريض واستفزاز "قاعدته الشعبية" أكثر مما كانت عليه قبل الانتخابات، والتي بلغت عشرات الملايين من الأمريكيين الذين هم غاضبون بالأصل ومستعدون لحمل السلاح للدفاع عن "زعيمهم"، والذي كان من الممكن أن يمتص الغضب بخطاب تنازل عقلاني، لكنهم الآن أكثر غضباً لأن الانتخابات وأصواتهم "سُرقت" منهم.

ربما تكون كل هذه العوامل قد قللت من فرص تحقيق انتقال سلس وسلمي، بمعنى أن هناك تأخيراً في العملية، والتي من التجارب السابقة (كما في انتخابات عام 2000 عندما كان الجدل والخطاب أقل تشدداً) وفقاً لبعض المحللين، أثر على الإدارة التالية وتسبب في عدة مشكلات، حتى أن البعض ربط تأخير الانتقال بعد انتخابات عام 2000 بالاستجابة غير الكافية لأحداث 11 سبتمبر/أيلول. اليوم، يتم حشد الملايين من مؤيدي ترامب، ومن المحتمل أن يكونوا مستعدين لأخذ زمام المبادرة بأيديهم، وقد باشر البعض فعلاً بالاحتجاج على إجراءات الإغلاق للحد من انتشار COVID-19، في بلد يتصدر العالم في عدد الأسلحة النارية لكل شخص.

يتوقع بعض المحللين أن انتقال السلطة غير السلمي من شأنه أن يؤثر على الوضع الداخلي فيما يتعلق بالاستجابة لوباء COVID-19، وهو خوف مشروع بما في ذلك احتمال تأخير إطلاق اللقاح (رغم أنّ كثيرين يرجحون أنّ تأخير إطلاق اللقاح ليس أكثر من أداة في الصراع السياسي الجاري، وربما توضح المواقف المعلنة لبيل غيتس ذلك بشكل كبير).

نعتقد أن هناك كارثة أخرى محتملة تنتظر الأمريكيين، مع الأزمة الداخلية المتفاقمة بشكل واضح، والتي تتزايد منذ عقود مع زيادة تركيز الثروة في النخبة المسيطرة المتقلصة، والتي أصبحت أكثر عمقاً مع النظام السياسي الأمريكي الذي قسم الأمريكيين وقلبهم ضد بعضهم البعض، والأهم من ذلك أنه صرف انتباههم عن جذر المشكلة الكامن في النظام نفسه وفي الرأسمالية بشكل عام.

يمكن أن تنفجر هذه الكارثة في 20 كانون الثاني (يناير)، حتى لو غادر ترامب البيت الأبيض "بسلام" وأدى بايدن اليمين، ولم يعد ترامب هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولم يعد بإمكانه إصدار الأوامر حتى لأصغر الموظفين في الولايات المتحدة، الحكوميين عموماً والجيش خصوصاً. ما يمكن أن يفعله ترامب هو تحريض "قاعدته الشعبية"، التي هي بالفعل مهتاجة، وربما مسلحة، ويمكن حشدها للقيام بأعمال شغب وإحداث قدر كبير من الفوضى والشغب.

نعتقد أن جميع المؤشرات تشير إلى محاولة ترامب التسبب في أكبر عدد ممكن من المشاكل قبل تسليم السلطة، وإن كان جزء مما يقوم ربما يندرج ضمن حسابات النخب الحاكمة في الاستفادة من الوقت بدل الضائع لإلقاء تبعات تصرفات «مجنونة» على رجل راحل... قد لا يكون هذا على المستوى المحلي فقط، واستناداً إلى بعض التحركات العسكرية وجولة بومبيو الأخيرة في المنطقة، قد يعني هذا فعل الشيء نفسه في الخارج أيضاً...

(النسخة الانكليزية)

آخر تعديل على الخميس, 26 تشرين2/نوفمبر 2020 13:53