لقاحات الربح أوَّلاً... «بفايزر» و«غيلياد» نموذجاً (فيديو)
تُنتَجُ أغلب اللقاحات كبضائع لجني الأرباح، أكثر منها لصحّة الناس. في «عمليّة السرعة القصوى» مَنَحَتْ الحكومة الأمريكية 1.95 مليار دولار لشركة «بفايزر»، مقابل استلامها 100 مليون جرعة لقاحٍ ضدّ كوفيد19، والتي يُفتَرض، بأنْ تُوزَّع على الشعب الأمريكي، مجاناً. وكان ذلك أكبرَ عرضٍ من نوعه، تقدّمه الحكومة الأمريكية.
تعريب وإعداد: قاسيون (بتصرّف)
ادّعى مدراء «بفايزر» أنّ شركتهم لا تربحُ عبر علاقاتها السياسية: «نحن لسنا جزءاً من عملية السرعة القصوى، ولم نتلقَّ أموالاً من الحكومة الأمريكية، أو مِن أيّ أحد». ولكنَّ هذا كذب، فالشركة قبضت بالفعل أموالاً من الحكومة الأمريكية، ولا سيما، أكثر من نصف مليار دولار، كدعم عامّ ومساعدات.
شركة بفايزر تحديداً، أبعدُ ما تكونُ عن النزاهة والأخلاق. ففي عام 2009، حطّمت الشركة رقماً قياسياً في أكـبـر عملية احتيال، وأكـبـر غرامةٍ إجرامية في التاريخ الأمريكي: 2.3 مليار دولار! ولذلك ينبغي النظر إلى تصريحاتهم الإعلامية بكثير من الشكّ. ففي النهاية، الشركات العملاقة مثل بفايزر وُجِدَت لكي تَربَح. وهل مِن شيء أكثرُ ربحاً لشركةِ أدوية، من وباءٍ عالَميٍّ يحتاج إلى حلّ؟
هذا ينقلنا إلى أكثر سؤال حسّاس يتعلّق باللقاح: كم سيكلّف، ومَن هم القادرون على الحصول عليه؟ وفقاً لألبرت بورلا، المدير التنفيذي لبفايزر، سيكون اللقاح متاحاً مجّاناً، لجميع المواطنين الأمريكيين. ولكنَّ نسبة 40% من المقيمين في الولايات المتحدة ليسوا مواطنين. لتضمَن وقاية البلد بأكمله من ذروة وبائية جديدة، عليك تطعيم أكبر عدد ممكنٍ من الناس. فإذا أنتجت بفايز، أو غيرها، ما يكفي لتطعيم كلّ الناس في البلد، فيجب تطعيم كلّ الناس في البلد! وليس من المنطق تترك جزءٍ من الناس عرضةً للمرض، في وقتٍ لا يعرف فيه الفيروس أيّة جنسية.
بعض الناس، سيظلّون رافضين للقاح، بناءً على معتقداتٍ خاصّة، حـتّـى لو أثبت أمانه وفعاليَّتَه، ولكّنهم أقلُّ بكثير من الـ 40% غير المجنَّسين داخل أمريكا. إنْ كانت أمريكا حقاً تريد حماية سكّانها، فعليها التأكّد من أنّ كلّ راغبٍ باللقاح سيكون قادراً أنْ يحصلَ عليه.
لكن، ألا يمكن أن يكون مدير بفايز، قد خانه التعبير لا أكثر؟ بينما كان يقصد أنّ كلّ ساكنٍ في أمريكا، وليس فقط كلّ مواطن فيها، يستطيع الحصول على اللقاح مجاناً؟ إنْ كان هذا ما قصدَهُ، فهذا جيّد، لكنّ الشكوك قائمة، إلى حين بدء التلقيح ومراقبة كيفية توزيعه. إنّ هذه الشكوك، قائمةٌ على السلوكيات السابقة، لشركات الأدوية الأمريكية. فنحن في أمريكا، نعاني من نظامٍ صحيٍّ سخيفٍ بمستوى غلاء أسعاره وسعيه للربح فقط.
مجرّد نقلك إلى المشفى سيكلّفك 1000 دولار. لتحضني مولودَكِ: أربعون دولاراً. وتكونين محظوظةً إنْ كلّفَكِ إنجابهُ أقلَّ من عشرة آلاف دولار. وحتّى بضمانٍ صحّي جيّد، تكلّف الولادة أكـثر من أربعة آلاف دولار! وإذا اعتقدتَ أنّ الأمر يختلف أثناء الأوبئة، فأنتَ لا تعرفُ كيف تعمَلُ الرأسمالية.
لنأخذْ شركة «غيلياد» الدوائية كمثال: في عام 2009، بدأت «غيلياد» أبحاثاً لتطوير الدواء المدعو «ريمديسيفير»، الذي كانت تنوي استخدامه لعلاج التهاب الكبد الوبائي C. ثم تم اعتبارُه علاجاً مُحتَمَلاً لإيبولا، عامَي 2013–2014. ومؤخَّراً تم تطبيقه لعلاج أعراض فيروس كورونا، منذ بداية هذا العام.
وفور وصول الأخبار عن ظهور الوباء، قفزت أسهم شركة «غيلياد» بنسبة 9%. واحتكرت الشركة هذا الدواء بشكلٍ مطلق. وتهافتَتْ أسواقُ أمريكا على كلِّ جرعةٍ منه على مدى عدة أشهر. وهناك تفاصيلُ كثيرة حول هذا الدواء، الذي رفضتُهُ مؤخَّراً حتى منظَّمةُ الصحّة العالمية.
كان ريمديسيفير يُعتَبَرُ علاجاً فعالاً لمرضى كورونا في المشافي. إنه لا يحسّن نسبة الوفيات، لكن يقصّر الحاجة للبقاء في المشفى بمقدار أربعة أيام، أو بنسبة واحدٍ وثلاثين بالمئة. ويتكون الشوط العلاجي مِن تسريب الدواء وريدياً لمدة خمسة أيام. وهذا يتطلب ست عبوات (فيال) منه. وهل تعلمُ كم تُكلِّف؟ 520 دولاراً للعبوة الواحدة، أيْ 3120 دولاراً بالإجمال!
وذلك، رغم وجود سعر حكومي أرخص، ولكنه متاحٌ فقط لعدد محدودٍ جداً من الناس، ولا يشمل أولئك المسجَّلين، بضمان «ميديك-كير» أو «ميديك-إيد». أيْ أنه لا يشمَلُ الأكثر عرضة للإصابات الحرجة بهذا المرض. وكَم هو السعر للقلة «المدعومة» حكومياً؟ 390 دولاراً للعبوة الواحدة. أي بكلفة إجمالية، 2340 دولاراً.
وهكذا، وحتى في عزّ الوباء، يبقى عشراتِ آلافِ الناس محرومين من الضمان الصحي، بلا أيّ علاجٍ متاحٍ، بأقلّ من 2000–3000 دولار! نسبة 40% من الناس في أمريكا عاجزون عن تحمّل التكاليف، حتى لجرعة واحدة من الريمديسيفير، فما بالك بخمسةِ أيامٍ من الشوط العلاجي؟ هذا عدا عن تكاليف المشفى الباهظة.
قد يقال إنّ «غيلياد» تستردّ بذلك، ما أنفقته على البحث والتطوير. لا، فحتى تطوير هذا الدواء، تمّ تمويله من الحكومة الأمريكية، باستخدام دولارات دافعي الضرائب. قدَّرت مجموعةُ باحثين بأنّ «غيلياد» ستظلّ رابـحة حتى لو خفّضت سعرَ العلاج إلى عَشَرَة دولارات فقط. أيْ أقلّ بثلاثمئةٍ مرّة مِن سعره الحالي! ولكنهم طبعاً، سيربحون أقلّ لو فعلوا ذلك.
هكذا تعملُ شركات الأدوية. الحكومة تموّل الشركة، والشركة تُنكِرُ، ثم تعطي وعوداً ولا تفي بها. وعندما يصبح المنتوج جاهزاً، تُسعِّرُهُ بآلافٍ الدولارات. سنرى إنْ كانت بفايزر ستكرّر الأمرَ نفسه مع لقاحها. لكن سبق وبيّنّا، كيف أنّ بفايز لا تتمتّع بأية نزاهة. وسيكون مفاجئاً أنْ نشهدَ انخفاضاً بأسعارها. لن نعرف قبل حلول السنة القادمة.
قد نرى إصداراتٍ باكرةً أرخص من اللقاح، تُستَعمَل للحالات الطارئة. ولكن، وفقاً لخطةِ بفايزر، فإنّ التوزيع الرسمي للقاح للسكان بشكل واسع، لن يبدأ قبل الربع الأول، أو حتى الثاني، من عام 2021. وأحد المؤشرات المقلقة، هو قول الشركة بأنها تعاني من «فجوة تمويل حادّة»، تبلغ 4.5 مليار دولار، من شأنها أنْ تُبطّئ وصول اللقاح إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وهذا يوحي بأنّ الشركة، تنوي إبقاء اللقاح رهينةً لديها، إلى حين تلقّيها كمية كبيرة من تمويلٍ جديد، بحيث تضمن لنفسها ربحاً هائلاً.
يميل الأمريكيون إلى عدم الاكتراث بالبلدان الأخرى. وحالما يتلقى المواطنون الأمريكيون اللقاح، قد تحتفظ الشركة بمخزونٍ هائلٍ منه، بانتظار أنْ تدفع لها باقي البلدان أسعاراً تُعجِبُها. تحاوِل بفايزر إظهارَ نفسِها بوجهٍ طيِّب، مدّعيةً تقديم لقاحٍ مجّاني للأمريكيين، ولا يهمّها إنْ بقي العالَم يعاني من المرض، إلى حين ترضى هي عن مبلغ المال المتراكم.
لا ينبغي أنْ تجري الأمور على هذا النحو. أيُّ لقاحٍ فعّال لكوفيد يجب أنْ يكون متاحاً لكـلِّ مَن يحتاجُه. ولا ينبغي لأية شركة أنْ تتحكّم بمَن يحيا ومَن يموت من أجل أرباحها. يجب أنْ نُدرِك بأنّ هنالك أشياءُ أكثرُ أهمّيةً مِن المال، وعلى رأسها: حياة الإنسان.
■ Second Thought: قناة للإعلام البديل من منظور يساريّ، تهتم بتقديم محتوى تثقيفي وتحليلي. نُشِرَت المادة المصدَر بالإنكليزية على منصة القناة على يوتيوب في 13/11/2020.