نيران الخصخصة تستعر
بحسب مقولة: "مافي دخان بلا نار"، انتشر صباح الأمس خبر يقول: "معلومات متداولة عن توقيع عقد لتركيب الأمبيرات في دمشق وريفها". وقد تم تداول بعض التفصيلات الإضافية حول الخبر أعلاه لاحقاً، بما في ذلك إيراد اسم المستثمر المحظي بالعقد.
عند المساء، وبعد أن أخذ الخبر مداه انتشاراً، صدر نفي له من قبل محافظة دمشق، مع التأكيد على عدم وجود خطة لإدخال الأمبيرات إلى المدينة، كما نقل عن "مصدر" في وزارة الكهرباء نفياً لعلم الوزارة أو التنسيق معها بشأن توليد وبيع الأمبيرات في دمشق.
عسى يكون النفي الحالي قاطع وصادق وجدي هذه المرة، وليس كسابقاته من الأخبار الشبيهة التي يتم تسويقها، ثم يتم نفيها، ثم ما نلبث أن نحصد نتائجها الكارثية.
ولعل الأهم هنا هو السعي الجدي لحل أزمة الكهرباء من جذورها وبشكل تام ونهائي.
فالمقدمات التمهيدية الكهربائية على المستوى الرسمي تقول إن أزمة الكهرباء ستطول، والواقع يقول إن الأزمة قديمة ومتفاقمة ولا حلول جدية ونهائية لها بالمدى المنظور، فساعات القطع تزايدت، والبدائل الكهربائية في الأسواق ارتفعت أسعارها بشكل كبير استغلالاً للحاجات.
بناء على ذلك بات من المتوقع بالنسبة للمواطنين أن تلفحهم نيران تخفيض الدعم على الكهرباء مكرهين، بعد الدخان المتصاعد حكومياً بالحديث عنها وعن أزمتها المتفاقمة كتمهيد لذلك، وكحال النيران التي كوتهم، وما زالت، جراء عمليات رفع الدعم المتتالية على ما يسمى سلع ومواد وخدمات مدعومة.
لكنهم فوجئوا بدخان خبر الأمبيرات المتصاعد، حيث اعتبره البعض، برغم نفيه، تمهيداً لخصخصة قطاع الطاقة الكهربائية، خارج كل التوقعات، فهو يتعدى، بحال تنفيذه، وفقاً لسيناريوهات الترويج ثم النفي والتنفيذ، كونه نيراناً محدودة ولاسعة، وقد يصبح حريقاً كبيراً ومفتوحاً، مع عدم التمكن من التحكم به وتطويقه!
ولعل تجربة الأمبيرات المريرة خلال السنوات الماضية بالنسبة للمواطنين في حلب، تحكماً ونهباً واستغلالاً، مثال فاقع بهذا الصدد، خاصة وقد تم شرعنتها رسمياً. فالدخان المتصاعد من الخبر المنفي أعلاه، يمكن اعتباره تمهيداً لتعميم النهب على بقية المحافظات، جزءاً أو كلاً، بذريعة الأزمة الكهربائية المستعصية، وقد سبق أن بدأ هذا التعميم بشكل جزئي في بعض بلدات ريف دمشق وفي بعض المحافظات الأخرى، تحت ضغط الحاجة والاضطرار.
فالاستثمار الخاص بالطاقة الكهربائية، واستغلال حاجات المواطنين لها، مضمون الربح، مع هوامشه الاستغلالية الإضافية القائمة على التحكم والاحتكار.
بعض الحديث الرسمي يقول إن المشكلة الرئيسة بما يخص الكهرباء ترتبط بالمشتقات النفطية التي تشغل محطات التوليد، حيث يتم التذرع بصعوبة تأمين هذه المشتقات بالكميات الكافية من أجل الاستثمار الأمثل لهذه المحطات، وذلك بسبب الحصار والعقوبات والأزمة و...
والأسئلة التي ترد إلى الأذهان بشأن الأمبيرات، الحالية أو المستقبلية المزمعة والمنفية حتى الآن، ومستثمريها:
كيف، ومن أين، وبكم، يتم تأمين ما يلزم من هذه المشتقات لمولدات الأمبير، عبر مستثمريها؟
وهل إمكانات المستثمرين المحظيين للأمبيرات أكبر من إمكانات الدولة؟
حيث يبدو أن مشكلة تأمين المشتقات النفطية محلولة بالنسبة لمستثمري الأمبيرات الحاليين، وقد لا يكون ذلك عصياً على المستثمرين المحظيين اللاحقين، لنستنتج ربما أن إمكانات هؤلاء وكأنها أصبحت أكبر من إمكانات الدولة، أو أن تمرير مصالح هؤلاء، والمحافظة عليها، وتوسيعها، وتكبير أرباحهم مع ضمانها، أهم لدى القائمين على إدارة عمل الدولة من مصلحة المواطنين والدولة نفسها!
فهناك من يقول إن أزمة الكهرباء، كما غيرها من الأزمات الكثيرة والمعممة الأخرى، مفتعلة بجزء هام منها، وهناك من يدفع نحو استعارها وتفاقمها بما يحقق مصلحة حيتان المال والاستثمار والفساد، وفقاً للسيناريوهات المتبعة، الممجوجة والمستهلكة، وبما يتوافق أصلاً مع السياسات الليبرالية، الداعمة لهؤلاء، والمدافعة عن مصالحهم على طول الخط، بما في ذلك الخصخصة، المبطنة والمعلنة، لمصلحتهم، ولو كان ذلك على حساب حقوق المواطنين، ومن جيوبهم، وحقوق المال العام، والاقتصاد الوطني، والمصلحة الوطنية العليا.