حاربنا ترامب، والآن لنحارب بايدن
بعد خمسة أيام من الانتخابات، خمسة أيام من عدّ الأصوات، خمسة أيام من خرائط سي.ان.ان الانتخابية، خمسة أيام من مراقبة كلّ مقاطعة في ولايتي بنسلفانيا وجورجيا، حصلت الولايات المتحدة على أحدث رؤسائها الإمبرياليين: جو بايدن.
بقلم: تاتيانا كوزاريلي وإزرا برين
ترجمة: عروة درويش
البعض سيحتفل بالفوز على ترامب باعتباره انتصاراً للديمقراطية. الخطاب الذي تحاول وسائل الإعلام بثه على مدى أيام: «الانتخابات تظهر قوة العملية الديمقراطية الأمريكية، وحتى لو ذهب ترامب إلى تويتر ليقوَض شرعية الأصوات، ترتفع قوة مؤسساتنا فوق كلّ ذلك وتحصي جميع الأصوات وترمي خارجاً ما كان سيتحول إلى حكم استبدادي». كما أنّ بعض الليبراليين واليساريين ادعوا أنّ هذا انتصار للمظلومين. لكنّ أيّ من هذا ليس صحيحاً في واقع الحال.
على النقيض من كلّ هذا، أظهرت هذه الانتخابات نقصاً في الديمقراطية. كان واضحاً في ليلة الانتخابات أنّ بايدن سيحظى بغالبية الأصوات، ورغم ذلك فقد أبقى المجمع الانتخابي «Electoral College» العنصري غير الديمقراطي الجميع بانتظار النتائج. ناهيك عن جميع النواحي غير الديمقراطية الأخرى للنظام الأمريكي، مثل مجلس الشيوخ غير الديمقراطي، وحقيقة أنّ الكثير من المهاجرين والمدانين «أو المدانين سابقاً» لا يمكنهم أن يصوتوا.
ورغم حقيقة إعلان جميع الشبكات الإعلامية الكبرى عن نهاية السباق، ومن بينها شبكة فوكس، فلم يقرّ دونالد ترامب بالهزيمة ورفع عدداً من الدعاوى القضائية بمحاولة لمقارعة الانتخابات. تمّ ردّ الكثير من هذه الدعاوى، ومن غير المرجح أن تؤثر الباقية على الحصيلة النهائية. عندما تنتهي جميع الخيارات التي يمكن لترامب اللجوء إليها، سيكون هامش بايدن للنصر في المجمع الانتخابي حاضراً بالتأكيد أيضاً ليشكل تلّة مرتفعة يصعب على تحديات ترامب القانونية تسلقها.
لكنّ هذا ليس نصراً ساحقاً للحزب الديمقراطي؛ فرغم تفوّق الديمقراطيين على الجمهوريين، فقد خسروا مقاعد في مجلس النواب ومن غير المرجح أن يحظوا بالسيطرة على مجلس الشيوخ، ولم يحوزوا على الرئاسة إلّا بفارق نقاط مئوية قليلة. لقد حظي ترامب في هذه الدورة الانتخابية بعدد مصوتين أكبر ممّا حصل عليه في الدورة الماضية.
بكلمات أخرى: رغم الوباء والأزمة الاقتصادية والزعزعة الاجتماعية الشديدة، يبدو أنّ الترامبيّة قد نجت من آثار الانتخابات، حتى مع خسارة ترامب لها. رغم حصوله على دعم وول ستريت وحركة «حياة السود تهم» وقطاعات الحزب الديمقراطي القيادية، لم يحصل الديمقراطيون وبايدن على نصرٍ مدوّ. البلد منقسم والسباق كان متقارباً بين خطاب اليمين الشعبوي وخطاب «العودة للطبيعي» النيوليبرالي بوصفهما الاستجابة «الأفضل» للحظة الحالية من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
رغم أنّ التخلص من ترامب أمرٌ لطيف، فليس لدى الطبقة العاملة سببٌ يدفعها للاحتفال بفوز بايدن. كيف يمكننا الاحتفال بفوز العنصري المنحاز الذي كان ردّه على عنف الشرطة: «أطلقوا النار عليهم عند أقدامهم»؟ كيف يمكننا الاحتفال بعرّاب قانون التجريم صريح العنصرية لعام 1994، أو الشخص الذي لعب دوراً رئيساً في جمع الأصوات للحرب في العراق.
لا، هذا ليس نصراً للطبقة العاملة.
سيقول البعض بأنّ وصول كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس نصر، فهي ورغم كلّ شيء أول امرأة ليست بيضاء تصل لهذا الموقع المرموق في السلطة. بكل تأكيد يشكل وصولها للبيت الأبيض نتاج أعوامٍ طويلة من الكفاح لأجل الحقوق المدنية والمساواة. لكنّ التمثيل ليس هو ذاته التحرير. فكامالا «تبعاً لكلماتها» لم تستخدم مهنتها للكفاح من أجل أكثر الناس تعرضاً للقمع والاستغلال في البلاد. عوضاً عن ذلك حبستهم في السجون. رغم كونها امرأة سوداء، ورغم الطبيعة التاريخية لوصولها إلى البيت الأبيض، فهي ليست إلى جانبنا.
سيستخدم جو بايدن رئاسته «لحلّ» الأزمة الاقتصادية على حساب الطبقة العاملة، تماماً كما فعل أوباما في 2009 عندما أنقذ وول ستريت ولم يفعل أي شيء للطبقة العاملة. سيحاول حلّ الأزمة الاقتصادية كما يفعل أيّ إمبريالي أمريكي، باستغلال أكبر للطبقة العاملة العالمية، والسعي للمزيد من العلاقات التجارية التفضيلية مع البلدان الأخرى أو زيادة الاستغلال الإمبريالي للدول شبه المستعمرة.
دكتاتور آخر على وشك الوصول للسلطة
يقول ملايين الناس لأنفسهم: «انتهى أخيراً كابوسنا الوطني». وجو بايدن والديمقراطيون سيقولون: «يمكننا الآن العودة لما يجب أن تكون عليه أمريكا». يقول الليبراليون بأنّ جو بايدن هو الحل، بل وأكثر من ذلك أنّ بعض الاشتراكيين يقولون بأنّ جو بايدن سيكون جزءاً من الحل.
المشكلة أنّه لا يمكن لأيّ رأسمالي أن يكون الحل، وعلينا ألّا نعطي أيّ أحدٍ الوهم بذلك. مشاكلنا تضربنا بشكل أكبر بكثير من قدرة أيّ شخص لوحده على تحملها. السبب الذي وضعنا في وسط الأزمة اليوم ليس مجرّد وجود وباء مميت، بل لأنّ الأسلوب الجوهري الذي نظمنا مجتمعاتنا على أساسه لا يسمح لنا بالتعامل مع الوباء. الرأسمالية هي الأزمة. لطالما كانت الرأسمالية هي الأزمة، ولهذا لا يمكن لأيّ رأسمالي أن يتخلص منها.
سيذهب ترامب مع سلوكه الفظ وعنصريته البيضاء العلنية وتغريداته المثيرة بالتأكيد، لكنّ النظام الذي كان سبباً في وجوده ودعمه وقوّاه سيبقى حياً وبصحة ممتازة. لا نزال في أزمة كبرى، وبايدن الذي انتُخب لتوّه وعد مانحيه فائقي الثراء بأنّ «لا شيء جوهرياً سيتغير». في الحقيقة وكما صعد النهج الترامبي كردّ من الجناح اليميني على أزمة النيوليبرالية في ظلّ حكم أوباما، فيمكن لنهج يميني شعبوي آخر أكثر سوءاً أن ينمو من أزمة النيوليبرالية في ظلّ حكم بايدن.
ضمن اليسار المؤيد لبايدين هناك اتفاق عام: انتخبوه ثمّ اعترضوا ضده. هذه الاستراتيجية محدودة بما شهدناه بالفعل: ملايين من البشر لا يعتبرون هذا الأمر مجرّد انتصار، بل يرونه بوصفه نتيجة. دورنا كاشتراكيين أن نكافح وهم الإيمان بالحزب الديمقراطي، سواء قبل أو بعد الانتخابات. أن نكون ضدّ بيروقراطيي الاتحاد والمنظمات غير الربحية الذين يريدوننا أن نصوت للديمقراطيين وهم يوهمونا لنصدق بأنّ سلطتنا الوحيدة هي في التصويت لأهون الشرين. دورنا كاشتراكيين هو إيقاف علاقة مصاص الدماء التي تجمع الحزب الديمقراطي بالحركات الاشتراكية، حيث يمصّ منّا الحياة ويرمينا عندما يفرغ.
المهمّة أمامنا واضحة لكن صعبة: علينا استخدام رغبة التغيير التي لدى الملايين من البشر بشكل واضح لتنظيم أنفسنا كطبقة عاملة من أجل محاربة جذر سبب قمعنا. علينا أن ننظم أنفسنا في أماكن العمل وفي الحركات وفي مجتمعاتنا المحلية، لنخلق منظمة وطنية وعالمية يمكنها أن تصل بين كفاحاتنا لأجل مقاومة الهجوم القادم على الطبقة العاملة.
أخيراً، دورنا كاشتراكيين أن نظهر بأنّ الطبقة العاملة والمقموعين أقوياء: أقوياء كفاية لإدارة المجتمع، ولتحطيم اليمين، ولسحق النيوليبرالية. دورنا أن نبني الأفق السياسي ضدّ الحزبين الرأسماليين، وكذلك ضدّ كامل النظام الأمريكي غير الديمقراطي. دورنا أن نكافح لأجل ديمقراطية حقيقية من خلال حكومة عمالية. الطبقة العاملة والمقموعون هم فقط من يمكنهم إنشاؤها.