MH17، سكريبال، نافالني... والغرب البائس
تذكّرنا مسألة تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني مع ما تبعها من تصعيد سياسي وحملات إعلامية على روسيا، بقضية تسميم الجاسوس البريطاني-الروسي سيرغي سكريبال في 2018، وما حدث بعد إسقاط الطائرة الماليزية MH17 في أجواء أوكرانيا عام 2014.
حيث تتقاطع هذه الملفات الثلاث (MH17 – سكريبال – نافالني) من حيث التحقيق فقط، على أنها تتضمن تُهم معدّة مسبقاً لموسكو دون أية دلائل تؤكد مزاعمها حتى اليوم، بل على العكس، حيث طول مدة التحقيق وإقصاء الجانب الروسي منه، وما تخلله من بيانات تسربت من الدول الراعية لهذه التحقيقات، تدحض مزاعمها، وتدعم الرواية الروسية حيالها بتسييس هذه الملفات دولياً وتقوّض نشاط الغرب بها.
على أية حال، لا نريد هنا فتح هذه الملفات كـ«تحقيقات»، حيث جميع بياناتها موجودة على الانترنت لمن يريد رؤيتها وتتبعها موضوعياً بلا تحيّز من الزاوية الجنائية للمسألة، لكننا ندّعي هنا بأن جوهر هذه القضايا الثلاث إنما هو سياسيّ قبل أن يكون جنائيّ على كل حال، بهدفين عامين: شيطنة روسيا دولياً عبر النشاط الإعلامي، ومحاولات تقويضها عبر التصعيد السياسي والعقوبات الاقتصادية.
ففي الملفات كلها جري تقاسم الأدوار بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث تتسلم الأولى مهمة الاتهامات والتحقيقات والتصعيد السياسي؛ في الطائرة الماليزية كانت: هولندا، وفي سكريبال: بريطانيا، وأخيراً نافالني: ألمانيا، ريثما تصل حدّتها لدرجة تشكل غطاءً وحجة لقيام الولايات المتحدة بفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.
كلٌّ من هذه الملفات بمواعيد حدوثها كان يسبقها خطوات عملية روسية على المستوى الدولي بصعودها من جهة، وما يرافق هذا الصعود من حلحلة الملفات الدولية وتقويض قدرة التخريب الغربي والأمريكي خاصةً بها، فلا يمكن فصل هذه الحوادث عن السياق السياسي العام بين الشرق الصاعد والغرب المتهاوي، واستغلالها بشكلٍ بائس لصالح واشنطن، بلا وصولها للنتائج المرجوة منها، ففي 2014 وبعد صدّ وردّ عقب إسقاط الطائرة الماليزية، لم يستطع الغرب من أن يدفع روسيا بعيداً عن ملف الأزمة الأوكرانية أو يجري تصعيداً سياسياً ذا نتائج حقيقية معها بعد عودة القرم إلى روسيا، وإنما العكس، ليمضي الملف الأوكراني بخطوات سياسية دفعاً بالحلّ والتسوية بها، ليقف تثمير المسألة عند حدود العقوبات الاقتصادية الأمريكية المعتادة على روسيا.
وفي سكريبال 2018، بادّعاء تسميم الجانب الروسي له ولابنته في بريطانيا عبر مادة نوفيتشوك (بالمثل من سيناريو نافالني الآن)، وصل التصعيد ذروته عبر العقوبات الاقتصادية، بالفترة التي حققت بها روسيا خطوات كبيرة بالقضاء على الإرهاب في سورية والعراق، بغير مصلحة واشنطن المتمثلة بتوسيع رقعة التوتر والحرب في المنطقة، طبعاً وبالإضافة للتقدم بالعديد من الملفات الدولية الأخرى في ذاك الحين ومنها أوكرانيا وليبيا وأمريكا اللاتينية.
يأتي تسمم المعارض الروسي الكسي نافالني اليوم والادّعاءات الغربية ذاتها وبذات السياق، بالفترة التي جرى بها تقويض الحملة الغربية على بيلاروسيا، والخطوات الجدّية الأخيرة باتجاه الحلّ الليبي، بالإضافة لمؤشرات الأزمة السورية التي توحي بقرب انطلاق العملية السياسية بها في أية لحظة، كمحاولة لإضعاف النشاط الروسي دولياً وعرقلة مسيرته قدر الإمكان، بالتراكب مع الحصارات الاقتصادية وأزمات النفط والتصعيدات العسكرية من قبل الناتو وأمريكا على الحدود الروسية وما تخلّفه من سباق تسلح مستمر ومتصاعد.
بيد أن كل هذا النشاط الإعلامي والسياسي الغربي يحاول أيضاً تشويه وشيطنة روسيا دولياً في نطاق الرأي العام الشعبي، بمقابل الحفاظ على صورة الأمريكي راعي «الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان»، ومحاولة تثبيت العِداء لها محلياً في الولايات المتحدة الأمريكية، سعياً وتبريراً لسلوك واشنطن الدولي بالشكل الأحادي الذي تسير عليه منذ حين سواء بالمسائل الاقتصادية (العقوبات) أو السياسية (الانسحاب من الاتفاقيات) أو العسكرية (الاستفزازات على الحدود الروسية).
بالنسبة لموسكو فإن هذا النشاط الجزئي بأيٍ من هذه المسائل الثلاث لوحده لا يشكل أي تهديد، فلا يتعدى كونه مهاترات سياسية وإعلامية، لكن بتراكبها مع مجمل الأنشطة الغربية المعادية عليها فإنها تشكل كلاً واحداً تعمل للتصدّي عليه وتأريضه، وهو ما تثبته الأيام بنفسها دون حاجة من أحد بأن يثبتها، لتغيب الطائرة الماليزية عن المشهد، ويغيب سكريبال، وسيجري استخدام مسألة نافالني الآن -كسابقتيه- بضعة شهورٍ قبل أن يغيب أيضاً، دون تحقيق المطلوب من أيّ منها أو تأكيد الادّعاءات والاتهامات حولها بأية دلائل، لترتد على «صنّاعها».