الدفع الجديد نحو عالم غير غربي
إعداد: سعد خطار إعداد: سعد خطار

الدفع الجديد نحو عالم غير غربي

كما ساهمت جائحة كورونا في تسريع التعاون الدولي على أكثر من صعيد، فإنها فاقمت بعض العداوات بشكلٍ واضح، وأزالت اللبس القائم عند البعض حول تداعي الوزن الاقتصادي والعسكري والسياسي للولايات المتحدة، حيث بدا النظام الدولي القديم المحمول على الوزن الأمريكي السابق عاجزاً تمام العجز عن مواجهة التحديات التقليدية والحديثة التي تهدد حياة البشر.

 

لم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية التي تزعمت العالم ردحاً من الزمن في الابتعاد عن عمليات تنظيم التعاون الدولي ضد هذا التهديد العابر للحدود، بل شرعت في محاولة إفساده التي تجلت بأكثر صورها وضوحاً في الانسحاب الأمريكي من منظمة الصحة العالمية. وكثيراً ما تصرفت واشنطن بما يتعارض مع المصالح الحثيثة لحلفائها التقليديين، حيث عززت الضغط عليهم لحثهم على التصعيد ضد روسيا والصين، وفرضت عقوبات على أولئك الذين لا يرغبون في التخلي عن التعاون مع موسكو وبكين (عقوبات السيل الشمالي، والعقوبات المفروضة على هواوي مثالاً).

قوة العطالة وتحريك الصراعات

وعلى هذه الأرضية، تواصل الولايات المتحدة تصعيد المواجهة مع الصين التي وصلت إلى حدود المواجهة الشاملة في عام 2020. ومن المتوقع استمرار هذه المواجهة بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها في تشرين الثاني المقبل، حيث هنالك توافق واضح بين الحزبين الأمريكيين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) حول هذه النقطة. وفي المقابل لم تمنع المواجهة القوية بين الولايات المتحدة والصين من تسريع وتصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا أيضاً، وإن بدرجة أخف من السابق.

وأمام هذا الواقع، تندفع بعض الدول إلى اتخاذ خطوات أحادية الجانب في محاولة لاقتناص فرص مفترضة إثر الانسحاب الأمريكي من مساحات متعددة من العالم، مما يزيد من حالة الفوضى وخطر نشوب النزاعات في البيئة الدولية ككل، وهو ما يستفيد منه المركز الغربي المتراجع بطبيعة الحال على غرار التصعيد الجاري مؤخراً في شرق المتوسط والذي يبدو أنه لاقى طريقه نحو التهدئة من خلال الإشارات التي أرسلها الطرفان التركي واليوناني مؤخراً.

ولا تزال تلعب قوة العطالة الأمريكية دوراً في تحريك بعض الصراعات التي تنتمي في عقليتها لمنطق التوازن الدولي القديم، كالخلاف بين الصين والهند الذي أثر تأثيراً جزئياً على دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، قبل أن يتم احتواء هذا الخلاف أيضاً ضمن الرابطة الأوراسية ذاتها وبرعاية روسية.

عالم ما بعد كورونا...

تمت إعادة التمهيد لبدء الحوار والتعاون بشأن مكافحة فيروس كورونا داخل دول بريكس بعد توقف مؤقت سببته الصدمة الأولية من الوباء والرغبة الطبيعية في شن الحرب العاجلة عليه على المستوى الوطني أولاً. وعلى عكس «مجموعة السبع»، لا تحاول دول البريكس معارضة بعضها البعض بشكل مباشر في هذا الشأن، ولا تسعى إلى تسييس التعاون الضروري، بل إنها اليوم تتأهب لاحتواء الوضع الكارثي للوباء في البرازيل، محيدة التباينات الطبيعية القائمة فيما بينهما.

ومن الناحية الاستراتيجية، من الملاحظ مؤخراً تزايد التحليلات التي تقول بتزايد الطلب على التعاون مع دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون في «عالم ما بعد فيروس كورونا»، ذلك بسبب تدهور النظام الدولي السابق، والضعف العام لفكرة التعددية القطبية السكونية غير القادرة على استبصار الوقائع بحركتها، والتزايد الموضوعي في أهمية الاتحادات التي تقودها روسيا والصين (أول دولتين تتوصلان للقاح كورونا، بما لذلك من دلالات سياسية قبل أن تكون طبية). 

لذلك، من المنطقي اعتبار الاتحادات والتكتلات التي تقودها الصين وروسيا مؤهلة لملء فراغ التعاون بشأن التحديات على المستوى العالمي. وهو ما يفسر بحسب بعض التحليلات، التريث الذي تبديه دول بريكس إزاء موعد القمة المقبلة، حيث من المتوقع أن يُحدث جدول أعمالها مفاجأة بالنسبة للعديد من الدول التي تنتظر ظهور طروحات متوازنة وممكنة فيما يخص المشاكل العابرة للحدود، وتحسين الوضع البيئي العالمي، وتغير المناخ، والأوبئة، والإرهاب الدولي، والجريمة المنظمة الدولية، وأمن المعلومات والاتصالات الدولية، وتحديد طبيعة وسمة التطور التكنولوجي خلال الأعوام الخمسين المقبلة، وكذلك طبيعة التبادلات الاقتصادية ومعاييرها المنطقة في عالم «ما بعد كورونا» الذي غالباً ما يقصد به «عالم ما بعد الأزمة الحالية».

شنغهاي للتعاون والدور المرتقب

غالباً ما يتم النظر اليوم إلى منظمة شنغهاي للتعاون بوصفها منظمة دولية رائدة، ونواة لتشكيل منظومة إقليمية لمنطقة أوراسيا الكبرى، وفي الواقع ، فإن وجود منظمة شنغهاي بهذا العدد الكبير من الدول الأعضاء يضعف نفوذ الولايات المتحدة ووجودها في المنطقة إلى حدٍّ كبير، ويستبعد في الوقت ذاته محاولات تصعيد الخلافات بين الصين وبعض دول القارة الآسيوية التي ظلت تربطها علاقات قوية مع المركز الأمريكي لوقتٍ طويل، مما يجعل استجابتها للمتغيرات الدولية تحتاج موضوعياً إلى وقتٍ وجهد.

وعلى هذا النحو، فإن منظمة شنغهاي للتعاون مرشحة للعب دور بالغ الأهمية في تحقيق الاستقرار النهائي والناجز في أفغانستان خلال السنوات القادمة، وفي هذا الصدد، كثيراً ما يجري الحديث في أوساط محللي الشؤون الأوراسية حول رغبة روسية صينية مشتركة لتحويل أفغانستان إلى واحدة من نماذج الحل البراقة على مستوى العالم، مما يساهم في تعزيز المقارنة بين أداء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) فيها، وسلوك القوى الصاعدة في انتشال البلاد من براثن الفقر والعوز والفشل الحكومي. فمن الواضح أن واشنطن، وبغض النظر عمن سيفوز في «المنافسة» الرئاسية في تشرين الثاني، ستعمل على تقليص عملياتها واستكمال انسحابها سريعاً، مما يضع على عاتق الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي مهمة لعب الدور الرئيسي في ضمان الاستقرار والتسوية السياسية والتنمية في أفغانستان.