ريبيكا باربر: عقوبات «قيصر» من وجهة نظر القانون الدولي
نشر موقع «Just Security» مقالاً للباحثة ريبيكا باربر بعنوان «عقوبات قيصر الأمريكية الجديدة على سورية غير قانونية»، يجري فيه نقاش كيفية صنع وتنفيذ قانون «قيصر» وتأثيراته على الشعب السوري، وتجاوزه للقوانين الدولية، ونقدم فيما يلي ترجمة للأجزاء الأساسية من المقال.
ريبيكا باربر- justsecurity.org
ترجمة قاسيون
من المرجح أن تدفع العقوبات الأمريكية الجديدة التي بدأ تنفيذها أواسط حزيران على سورية نحو مستويات أعلى من معاناة الشعب السوري، في بلاد مزقها الصراع طيلة أكثر من عقد، حيث نسبة 83 بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من 11 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وأكثر من 6 ملايين تم تهجيرهم قسراً من منازلهم. ومن المتوقع أن تسبب العقوبات إغراق البلاد أكثر في أزمتها. وفضلاً عن ذلك، فإن برنامج العقوبات بحد ذاته يمثل نشاطاً غير قانوني للولاية القضائية الأمريكية في الخارج، وفق ما يسمى بـ «العقوبات الثانوية».
شُرّعت هذه العقوبات في الولايات المتحدة في شهر كانون الأول عام 2019 عندما وقع الرئيس ترامب قانون إقرار الدفاع الوطني لسنة 2020، الذي أدرج تحت ما سُمي بـ«قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية».
قانون قيصر ينصّ على فرض عقوبات بعد 180 يوماً من دخوله حيز التنفيذ، ويوضع بموجبه الأفراد أو الكيانات التي ينبغي حظر سفرها، أو حرمانها من الوصول إلى أموالها، أو اتخاذ تدابير أخرى ضدها بما في ذلك الاعتقال.
الامتداد غير القانوني والعابر للحدود الإقليمية لـ«العقوبات الثانوية»
الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبعضٌ من الدول الأخرى جميعاً تمتلك برامج عقوبات أخرى ضد سورية. فالعقوبات الأمريكية على سورية والمعدّة قبل قيصر تقيد التجارة والاستثمار مع وفي سورية، وتحظر التعاملات التجارية مع الحكومة السورية من قبل الأفراد والكيانات الأمريكية والمقوّمة بالدولار الأمريكي.
يفرض الاتحاد الأوروبي أيضاً العديد من القيود المختلفة، منها مثلاً تجميد الممتلكات ومنع الصادرات والواردات التي تعود لأفراد أو كيانات موجودة في أوروبا أو الخاضعة للولاية القضائية الأوروبية.
عقوبات قيصر تأتي بنموذج مختلف عن العقوبات السابقة، فهي تشمل جميع المداولات التي تتم مع الحكومة السورية وقطاعات اقتصادية سورية محددة في أية بقعة من العالم، حتى وإن لم تكن هذه المداولات مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية، هكذا عقوبات -التي تمتد على المداولات التي لا علاقة لها بالدولة المُطبقة لها أو لها علاقة محدودة معها- تُعرف باسم «العقوبات الثانوية» أو «العقوبات خارج الحدود الإقليمية».
القانون الدولي يحدّ من إمكانية الدول لممارسة سلطتها القضائية على غيرها، فكقاعدة عامة، بإمكان الدولة أن تمارس سلطتها القضائية على الأفراد والكيانات داخل حدودها، وعلى مواطنيها أينما كانوا، وهناك بضعة شروط أخرى محددة لكيفية ممارسة الدولة لسلطتها القضائية. على سبيل المثال: بإمكان دولة ما أن تمارس سلطتها القضائية خارج حدودها فيما يتعلق بسلوك له تأثير مباشر على أراضيها، أو مواطنيها، ويجادل البعض بأن الدولة بإمكانها أن تمارس سلطتها على الكيانات التابعة لمواطنيها، لكن هذه القواعد بشكل عام لا تسمح بفرض «عقوبات ثانوية».
رغم ذلك، تمتلك الولايات المتحدة تاريخاً بتطبيق العقوبات الثانوية، وتباينت المبررات القانونية المقدمة لتطبيقها تبعاً لطبيعة التدابير المتخذة. في بعض الحالات، أكدت الولايات المتحدة بأن الكيانات المشمولة بالعقوبات تخضع لسيطرة مواطني الولايات المتحدة، وفي مناسبات أخرى اعتمدت حججاً تتعلق بالولاية القضائية العالمية التي تنص على أن بعض الجرائم شنيعة للغاية بحيث يمكن معاقبة مرتكبيها من أي دولة أينما وجدوا. معظم الخبراء لا يقبلون بهذه الحجج القانونية باعتبارها أساساً قانونياً لتقوم الولايات المتحدة بسنّ قانون داخلي لينظم النشاط الاقتصادي للأجانب في دول أخرى.
وقد اعترضت عدة دولٌ ومنظمات إقليمية بشدة على مثل هذه الإجراءات، بما في ذلك اعتماد تشريعات لمنع تأثيرها، ففي عام 2018 على سبيل المثال، بالردّ على تطبيق الولايات المتحدة لعقوبات خارج حدودها الإقليمية على كوبا وإيران وليبيا، اعتمد الاتحاد الأوروبي نظاماً ينص على أنه في حال اتخذت أية محكمة خارج الاتحاد الأوروبي قراراً بتنفيذ عقوبات أمريكية محددة، فإن القرار «لن يتم الاعتراف به أو فرضه»، وصدر توجيه لمواطني الاتحاد الأوروبي والأفراد الموجودين فيه لعدم الامتثال لقوانين الولايات المتحدة، كما أكد الاتحاد في سياسته الخاصة بالعقوبات أنه يعتبر العقوبات التي تتجاوز الحدود الإقليمية مخالفة للقانون الدولي.
وبالمثل، فقد أدانت الجمعية العامة للأمم لمتحدة ومجلس حقوق الإنسان العقوبات التي تتجاوز الحدود الإقليمية بوصفها غير قانونية، وقالت الجمعية العامة في قرار حول هذا الموضوع مؤخراً بأنها «تعارض بشدة» العقوبات الخارجية، و«تدعو جميع الدول الأعضاء إلى عدم الاعتراف بهذه التدابير أو تطبيقها».
الجمع بين الشمولية والسلطة القضائية العابرة للحدود الإقليمية
إن العقوبات التي توضع موضع التطبيق خارج الحدود الإقليمية، غالباً ما تكون شاملة أيضاً، مما يعني أنها تستهدف الدولة الخاضعة للعقوبات ككل، وليس فقط النخبة الحاكمة. من الأمثلة على ذلك العقوبات المفروضة على إيران وليبيا في التسعينيات، أو العقوبات التي استمرت لعقود ضد كوبا، فبالإضافة لكونها غير قانونية، فإن عقوبات من هذا النوع لها تأثير مدمر على حقوق الإنسان.
المنطق خلف العقوبات الشاملة من هذا النوع هو أن البؤس الذي سيطبق على السكان، مهولٌ بحيث يضطر الناس إلى الانتفاض ضد حكومتهم والمطالبة بالتغيير، فهذه العقوبات تشل اقتصاد الدولة: تعطّل توافر الغذاء والأدوية ومياه الشرب ومستلزمات الصرف الصحي، وتتدخل في عمل النظم الصحية والتعليمية، وتقوّض قدرة الناس على العمل، وهذه ليست تأثيرات غير مقصودة، وإنما هي الغاية بعينها.
كانت العقوبات الشاملة متعددة الأطراف شائعة إلى أن تم تسليط الضوء على تأثيراتها من خلال الأزمة الإنسانية في العراق في التسعينيات، فقد أدت العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي ضد العراق إلى نقص فوري في توريد السلع الأساسية وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وانتشار سوء التغذية على نطاق واسع، وقد انهارت إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الأولية والأدوية، وتضاعف معدل وفيات الرضع ثلاث مرات، وانخفضت مستويات المعيشة بنسبة الثلث. في عام 1994 حذرت اليونيسيف من أنه نتيجة للعقوبات كان 1.5 مليون عراقي عرضة لخطر سوء التغذية والموت.
يعتقد بعض المحللين بأن الآثار المخيفة لعقوبات قيصر على سورية كانت محسوسة حتى قبل أن تدخل حيز التنفيذ، فقد انخفضت قيمة العملة السورية بنسبة 70 بالمئة منذ نيسان، وكانت الأسعار ترتفع بسرعة كبيرة لدرجة أن السلع باتت تكون أرخص في الصباح منها في المساء في بعض الأحيان، وأثار شبح الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق البؤس الذي سينتج عنه حتماً – وفقاً للخطة- احتجاجات عامة.
دور العقوبات الموجّهة التي تحترم القانون الدولي
بصرف النظر عما إذا كانت العقوبات قد أوصى بها مجلس الأمن أو فُرضت من جانب واحد من قبل الدول، بما في ذلك بناء على توصية الجمعية العامة، فيجب أن تمتثل للقانون الدولي، لكن لسوء الحظ على الرغم من ذلك، فإن مسألة العقوبات الأحادية هي نقطة رمادية في القانون الدولي وليس من السهل الإبحار فيها.
في عام 2017 اتخذ المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالآثار السلبية للتدابير القسرية الأحادية على حقوق الإنسان، خطوة نحو تصحيح هذه المشكلة من خلال وضع مشروع إعلان بشأن التدابير القسرية الأحادية وسيادة القانون، فيؤكد مشروع النص الحالي بأن العقوبات تكون غير قانونية بحال كانت تهدف إلى تطبيقها خارج الحدود الإقليمية و/أو إذا تسببت في معاناة لا داعي لها للسكان المدنيين.
والأهم من ذلك أنه طالما استمرت الدول في استخدام العقوبات بشكل أحادي، فإن مشروع الإعلان ذاك يحدد «قواعد السلوك» للتخفيف من الآثار السلبية للعقوبات، وهي تشمل: إجراء تقييم على حقوق الإنسان قبل فرض العقوبات وبعدها ورصد أثرها، وتوفير استثناءات للمواد الإنسانية، والتأكد من أن المجموعات المتأثرة قادرة على الحصول على «الإنصاف والتعويض».
ينص قانون قيصر على «استثناء إنساني»، على الرغم من أنه ليس من الصعب تخيل العقبات البيروقراطية المرتبطة بضرورة أن يقوم رئيس الولايات المتحدة بالشهادة أمام الكونغرس بأن التنازل «مهم لمعالجة حاجة إنسانية» و«ينسجم مع مصالح الأمن القومي» للولايات المتحدة، ولا يذكر القانون شيئاً عن تقييم أو رصد تأثير حقوق الإنسان، وبالتأكيد ليس هناك ذكر لأي إنصاف أو عدل للسكان المتضررين.
المصدر: The New U.S. “Caesar” Sanctions on Syria Are Illegal