لمن ستسلم «محكمة الحريري» عصا التخريب؟
عماد صائب الخالد عماد صائب الخالد

لمن ستسلم «محكمة الحريري» عصا التخريب؟

بدأت المشاورات حول إنشاء محكمة دولية للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، وأحد أكبر الحيتان المالية في لبنان، رفيق الحريري، في شهر آذار من العام 2006. وباشرت المحكمة عملها ابتداءً من العام 2009. وقد كلّفت المحكمة لبنان حتى الآن ما يصل إلى مليار دولار.

صدور القرار النهائي اليوم، هو الصفحة الأخيرة (على ما يبدو)، من صفحات هذه المحكمة. هذه الصفحة المخصصة للنطق بالحكم، تضمنت وفقاً للقاضي الأول فيها دايفيد راي، 3000 صفحة!

وضمن هذه الألوف من الصفحات، ووفقاً لما أعلن حتى الآن، فإنّ الاتهامات التقليدية التي بدأتها المحكمة بقراراتها الظنية المتتالية، قد جرت إعادة تكريسها. وتتلخص في مسألتين، هما نفسهما اللتان طرحتا قبل 11 عاماً:

  • اتهام ظني، وسياسي (كما يفيد راي نفسه) لسورية ولحزب الله.
  • عدم وجود أدلة كافية للإدانة.

 

التوقيت والاستهدافات المحتملة

وإذا كانت المحكمة التي عملت طوال السنوات الماضية، وبقيت عصا يتم رفعها من حين إلى آخر للتدخل بالشأن اللبناني الداخلي عند كل مفصل من مفاصل التحولات الجارية في المنطقة، وفي لبنان خصوصاً، فإنّ توقيت الإعلان عن «الحكم النهائي» اليوم، هو توقيت له معانيه الواضحة بأقسام أساسية منها على الأقل. خاصة وأنّ طبيعة الحكم لم تأت بأي جديد.

في هذا الإطار يمكننا الوقوف عند الملامح التالية لاختيار التوقيت:

أولاً: تركّز الاستثمار السياسي في كارثة بيروت الأخيرة، في قسم منه، على المطالبات بتحقيق دولي في التفجير/الانفجار، ما يعني فتح الباب مرة أخرى أمام محكمة دولية جديدة. وربما لهذا السبب بات من المطلوب إغلاق ملف «محكمة الحريري» وفتح باب محكمة جديدة، ضمن سباق تتابع تسلم فيه الأولى للثانية عصا الركض باتجاه التخريب والتفجير.

ثانياً: النتائج الأولى لكارثة بيروت، أعطت أولئك الذين افتعلوها أو يعملون على الاستفادة منها، إشارات واضحة أنّ إمكانيات التفجير ليست متاحة بالقدر الذي يرغبون به، ولذا كان لا بد من إضافة صاعق تفجير إضافي عبر استثمار محكمة الحريري للمرة الأخيرة عبر إصدارها لحكمها (النهائي، ولكن الظني لعدم توفر الأدلة) الذي يمكن للقوى والدول التي تريد الاستثمار به أنْ تستند إلى بعض نصوصه (الموزعة على 3000 صفحة) لتصدر هي بنفسها حكماً قطعياً ضد حزب الله خصوصاً، لتفتح بذلك الباب أمام مزيد من التصعيد.

ثالثاً، في التوقيت أيضاً، وربما أهم من النقطتين السابقتين، مؤشرات عقارب الساعة الإقليمية والدولية؛ فليس خافياً أنّ الأمريكي وفي تحضيره لانسحابه الكامل من منطقتنا، يلهث محاولاً (إعادة ترتيب الأوراق)؛ بما يعنيه ذلك من تفخيخ وتلغيم المنطقة بأسرها بحيث تحكمها سلسلة انفجارات تعوّض عن وجود الأمريكي المباشر وتؤدي خدمة تحويل المنطقة بأسرها إلى «مستنقع» يغرق الخصوم الدوليين ويمنعهم من استكمال مشاريعهم الكبرى التي تتطلب استقرار المنطقة كضرورة وشرط لازم لا غنى عنه.

رابعاً: في تفاصيل النقطة السابقة، يمكننا النظر إلى الدور المطلوب لعبه، بما يخص الساحة السورية، فتفجير لبنان من شأنه أن يعمق تأثيرات قانون قيصر، ومن شأنه أن يرفع درجة الحرارة في المجتمع السوري تحت وطأة الفاقة والجوع والحصار المزدوج من قوى الفساد الكبير الداخلية، ومن القوى الغربية وعقوباتها... ما يفتح الباب نحو إعادة التفجير... (الملفات الأخرى التي يعمل عليها الأمريكي في سورية، هي الأخرى تأتي منسجمة مع مخطط التفجير العام، بما في ذلك محاولات تفجير صراع عربي كردي في الشمال الشرقي السوري، وكذلك تسريع محاولات سورنة النصرة، ناهيك عن محاولات إعادة إطلاق داعش).

خامساً: وليس بعيداً عن الاستهداف أيضاً، الدفع الغربي باتجاه تقديم «ملف ترسيم الحدود» بين لبنان والكيان الصهيوني، ليكون قميص عثمان الذي يجري السعي من خلاله إلى إدخال لبنان في حظيرة التطبيع. وهو الأمر الملح جداً بالنسبة للأمريكي والصهيوني على السواء، وخاصة مع تهاوي صفقة القرن والانتقال إلى البحث عن خطط إسعافية بديلة، رأينا نذرها الأولى باتفاق العار الذي وقعته الإمارات.

 

ماذا بعد؟

من المتوقع أن نشهد محاولات ضمن الساحة اللبنانية، ومن جانب القوى المرتبطة تاريخياً بالغرب، وليس على ضفة ما يسمى 14 آذار فحسب، بل وفي ضفاف مختلفة، من المتوقع أن نشهد محاولات للتصعيد نقطة الأساس فيها هي محاولات ركوب موجة الحراك الشعبي المحق، وقيادة دفته نحو «ثورة أرز» بنسخة جديدة، ولكن ليس في إطار إعادة تحاصص السلطة بين القوى السائدة على الساحة، بل بهدف التفجير تحت ذريعة إعادة التقاسم.

 

ما هي فرص النجاح؟

لا يمكن الركون إلى ضعف القوى الساعية إلى التخريب؛ فقواها مستمدة بالأساس من الخارج، وأيضاً من سوء الوضع الداخلي وكارثيته، ومعيشياً بالدرجة الأولى.

ولذا فإنّ من واجب القوى الوطنية في لبنان، أن تنتزع فتيل التفجير الداخلي عبر جملة من السياسات المتزامنة والسريعة. في مركز هذه السياسات، وضمن حدود فهمنا للمشهد، واللبنانيون هم الأقدر في النهاية على معرفة مصالحهم، فإنّ النقاط التالية هي الأكثر أساسية:

  1. ينبغي أن يكون شعار الحل السياسي والحوار باتجاه التغيير الجذري لبنية النظام القائم، الشعار الأول في طروحات القوى الوطنية والحراك الشعبي؛ وليس المقصود الحوار بين قوى السلطة، بل حوارها مع ممثلي الناس وممثلي القوى الحية في المجتمع.
  2. تعميق الفرز ضمن المجتمع وجهاز الدولة على أساس مركب اقتصادي اجتماعي وطني وديمقراطي في الوقت نفسه، والعمل لمنع جر البلاد نحو ثنائيات وهمية من طراز (8/14).
  3. التوجه شرقاً سياسياً واقتصادياً، والاستفادة من ميزان القوى الدولي الجديد إلى الحدود القصوى، لموازنة الرغبة الأمريكية والغربية والصهيونية المسعورة في تفجير لبنان.