للراغبين: وصفة فنزويلا المذهلة للاستجابة لكورونا
ليوناردو فلوريس ليوناردو فلوريس

للراغبين: وصفة فنزويلا المذهلة للاستجابة لكورونا

كتب ليوناردو فلوريس مقالاً عن الاستجابة الفنزويلية للأزمة الحالية المتمثلة بانتشار فيروس كورونا المستجد، وقد بدأ مقاله بالقول: «بعد ساعات من الإعلان عن الأمر، سجّل أكثر من 800 فنزويلي موجودين في الولايات المتحدة للسفر على رحلة الطوارئ من ميامي إلى كاراكاس، الرحلة التي قررتها حكومة مادورو بلا تحميل المسافرين أي تكاليف بعد أن علمت بأنّ 200 فنزويلي عالقون في الولايات المتحدة إثر قرار الحكومة إيقاف الرحلات الجوية التجارية كإجراء لمنع انتشار فيروس كورونا. لكنّ هؤلاء لم يعودوا، فالحظر الأمريكي على الطيران من وإلى فنزويلا لم يرفع».

تعريب وإعداد: عروة درويش

قد يستغرب المتابع لأخبار فنزويلا من خلال الإعلام السائد السبب الذي يدعو بالناس لترك الولايات المتحدة والعودة لفنزويلا اليوم. فالصورة التي تناقلتها هذه الوسائل على تنوع أسمائها الشهيرة هي أنّ فنزويلا «دولة فاشلة» بناها التحتية تتصدع، ونظامها الصحي يتهاوى. ورغم أنّ هذا قد يصح في قطاعات معينة، والسبب يعود للحصار الأمريكي الخانق الذي منع البلاد من استيراد حاجاتها الطبية لا من الولايات المتحدة ولا من دول أوربا، لكن هذا لن يصحّ على الاستجابة لفيروس كورونا.
العقوبات وضعت فنزويلا في خطر سلوك ذات درب إيران التي صعّبت العقوبات الأمريكية من استجابتها لانتشار الفيروس، أو درب إيطاليا الذي صعب التقشف والنيوليبرالية من استجابتها للوباء. لكنّ فنزويلا اتخذت خطوات فاعلة في وجه الوباء. ففي 15 آذار 2020 تمّ تأكيد أول حالة إصابة بكورونا في فنزويلا، وفي وقت كتابة هذا المقال هناك 86 شخص مصاب مع عدم وجود وفيات. أمّا إذا نظرنا لجيرانها فسنجد 1924 حالة في البرازيل مع 34 وفاة، و981 في الإكوادور مع 18 وفاة، و746 في البيرو مع حالتي وفاة، و306 في كولومبيا مع 3 وفاة. علماً أنّ جميع هذه الدول القريبة من فنزويلا فيها حكومات شاركت الولايات المتحدة محاولاتها لتغيير النظام في فنزويلا.
سيشكك أتباع التيار الرأسمالي السائد في دقة الأرقام الواردة من فنزويلا وسيقولون بأنّهم لا يملكون ما يكفي من التحاليل ولا ما يكفي من الأدوية ولا المهارات فكيف وصلوا لهذه الأرقام المذهلة؟ لكنّ هذه التشكيكات تصبح كهباء منثور إذا ما نظرنا إلى الأسباب التي دفعت بفنزويلا إلى هذه الاستجابة الممتازة:
أولاً: تضامن المنتفضين: لعب تضامن الدول المنتفضة على الهيمنة الأمريكية مع فنزويلا دوراً حاسماً في الأمر. فالصين أرسلت معدات وأدوات تسمح بفحص 320 ألف فنزويلي، إضافة لفريق خبراء معه أطنان من المساعدات الطبية الضرورية. وأرسلت كوبا 130 طبيب ومعهم 10 آلاف جرعة من عقار إنترفيرون 2بي، الدواء الذي أثبت فاعلية في مساعدة مرضى كورونا على الشفاء. وأرسلت روسيا أوّل شحنة معدات وأدوات طبية من بين عدّة شحنات مخططة لتصل على مراحل. هذه الدول الثلاث وقفت في الخندق المقابل للعقوبات الأمريكية التي قررت تشديد عقوباتها، حيث رفض صندوق النقد الدولي المسيطر عليه أمريكياً طلباً فنزويلياً للحصول على 5 مليارات دولار كتمويل طارئ، وذلك رغم دعم الاتحاد الأوربي لهذا الطلب.
ثانياً: جهاز دولة فاعل: قامت الحكومة على الفور باتباع خطة طوارئ لاحتواء انتشار الفيروس. بدأت مع منع التجمعات وإلغاء رحلات جوية. ثمّ استتبعتها بإلغاء المدارس وأماكن التجمعات وحصر المطاعم بالتوصيل وإجبار الناس على ارتداء الأقنعة في المترو. ثم تمّ في اليوم الرابع إعلان الحجر العام على نطاق وطني. وبالتزامن مع هذه الإجراءات دعمت الحكومة تحويل جميع الأنشطة اللازمة لتتم بأقل قدر من التواصل البشري باستخدام الإنترنت، وأنشأت منصات استطلاع حكومية تنسيقية لمتابعة الحالات المشتبه بإصابتها والتحرك لفحصها في المنزل وحجرها عند الضرورة. وبحلول اليوم 11 قام أكثر من 12.2 مليون شخص باستخدام هذه المنصات، وتمّ فحص 20 ألف ممن كان لديهم حالات مرضية مشتبه بها.
ثالثاً: لا أحد يبقى جائعاً: عنوان التنظيم لمواجهة الأزمة كان: الناس قبل أيّ شيء. استطاعت المجتمعات المحلية التي تم تنظيمها بشكل جيد منذ أيام الثورة البوليفارية وتشافيز أن تأخذ دورها الريادي، فضمنت إنتاج الأقنعة الواقية بكميات كافية وأبقت على نظام توريد «CLAP» للغذاء فاعلاً، وهو ما يضمن استمرار حزم الأغذية التي تؤمن سبعة ملايين عائلة. كما سهلت هذه المجتمعات المنظمة الزيارات الطبية المنزلية. لقد تم تدريب 12 ألف طالب طب في عامهم الأخير أو قبل الأخير على إجراء هذه الزيارات. كما أعلنت الحكومة المركزية عن تعليق دفع إيجارات المنازل ومنعت شركات الاتصالات من قطع الهواتف والانترنت عن الناس وعقدت اتفاقاً مع الفنادق الخاصة على وضع 4000 سرير في خدمة الحجر والأزمة، وتعهدت بدفع رواتب وأجور الموظفين في القطاع الخاص الصغير والمتوسط. هذا مع التأكيد على أنّ الرعاية الصحية ومن بينها الاختبارات يتم تقديمها بالمجان، ونظام الرعاية الغذائي استمرّ بعمله بذات الدعم الحكومي.
رابعاً: التهيئة النفسية للفنزويليين: تم تهيئة الفنزويليين لمواجهة الأزمة. فرغم مرور البلاد بسبعة أعوام من الأزمة المختلقة أمريكياً، والتي شملت قتل الزعماء ذوي الشعبية وعمليات التخريب التي قام بها مناصرو اليمين المتطرف والحرب الاقتصادية التي كانت سمتها الندرة والتضخم المفرط، والعقوبات التي هدفت تدمير الاقتصاد، والانقلاب المستمر ومحاولات تأليب الجيش والهجوم على المرافق العامة والتهديد بعمل عسكري أمريكي. رغم كلّ هذا، استطاعت المجتمعات المحلية الفنزويلية والقائمون عليها أن يجدوا الصيغة المناسبة لتجنيبهم الشعور بأنّهم يقاتلون شبحاً. ولهذا فليس هناك ذعر بين الناس، بل هم هادئون يتبعون البروتوكولات الصحية برضا وينفذون الاستراتيجية الكافية لإنقاذهم.
نماذج الانتصار على فيروس كورونا، ومن خلفه أنظمة القمع واللامساواة وتفضيل الأثرياء، موجودة وتثبت فاعليتها... علينا فقط أن نفتح أعيننا عليها وأن نتحرّك لتبنيها.