اشتيِّة وبالونات كيري!
لازالت حركة جون كيري تتدثر بغموضها المراوغ، وبانتظار أن يخرج الساحر الأميركي المتذاكي ارنبته المنتظرة من قبَّعته، يقف الطرفان المعنيان بها على طرفي نقيض معلن من مسألة نجاح لعبته من عدمه.
الصهاينة، اللذين لا يرون في راهن الصراع ما هو افضل لهم مما هو قائم، يخشون استحقاقات نجاحه، أو هم لا يريدونه إلا بمقدار ما يستدره لهم من التنازلات الفلسطينية والعربية فحسب، أي بما لا يحول بينهم ومواصلتهم لإنجاز كامل استراتيجيتهم وتهويد ما تبقى من كامل فلسطين.
والأوسلويون لا يريدون لمهمة كيري فشلاً يخشون أن يحمِّلهم وحدهم عواقبه، كما ولأنهم، وهذه واحدة من مفارقات عبثية اللامعقول الأوسلوي، تتبدى لهم مهمته التصفوية خشبة خلاص سلطتهم تحت الاحتلال الوحيدة، ذلك لانعدام ما خلا المفاوضات، ومنطق ”المفاوضات حياة”، خياراً لديهم، وبالتالي، وانسجاماَ مع منطقهم ونهجهم هذا، لا من مفاوضات دونما رعاية العم كيري. وعليه، ينذر كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات في محاضرة له في اكسفورد بأنه “اذا فشلت مفاوضات كيري، فإن السلطة ستنهار وسيضطر نتنياهو للسيطرة على الضفة…”، وكأنما هو هنا يصارح الجميع بأن هذه انما هي الورقة الوحيدة المتبقية لديه ليرفعها في وجه نتنياهو، أو ليسمعها لكيري، وبمعنى إن في انهيار السلطة نتنياهو نهاية لاحتلال السبعة نجوم الذي تنعم به، وخسارة للتنسيق الأمني، أو ما سيتبعه مما سيأتيك من عمليات المقاومة وما ستواجهه من قادم الانتفاضات…
هذه النوع من المنطق الأوسلوي كان خير من عبَّر عنه لاحقاً هو الدكتور محمد اشتيِّة، الرجل الثاني إلى جانب الدكتور عريقات في راهن المفاوضات الجارية مع المحتلين تحت الخيمة الأميركية. بيد أن اشتيِّة هنا على ما يبدو لا يتفق تماماً مع عريقات لجهة التلويح بانهيار السلطة، ذلك لأنه ببساطة واثق من انتفاء هذا الاحتمال طارحاً اسبابه عندما قال، “لا اعتقد انه في مصلحة اسرائيل ان تدفع السلطة للانهيار، ونحن لا نريد للسلطة أن تنهار، والمجتمع الدولي الذي استثمر كثيراً في السلطة لا يريد لها أن تنهار”. إذن، ووفقا لما قاله، هذه السلطة يحصِّنها التقاء لثلاث مصالح، هي على التوالي، صهيونية، وأوسلوية، واستثمارية غربية، أو من يطلق عليهم ويطلقون على انفسهم “المجتمع الدولي”، أو ما تدعى تحبباً بالدول المانحة، أو التي لا تعني سوى معهود الدول المعنية "باسرائيلها"، إلى جانب نافضي اليد من القضية المركزية للأمة من العرب. لكن اشتيِّة يفتح صندوق عجائبه الأوسلوية فيفاجئنا بأنه أخيراً قد اكتشف مالم يكن بخاف على بسطاء الفلسطينيين والعرب منذ أول يوم بدأت فيه الكارثة الأوسلوية، أو درجت فيه ما تدعى “المسيرة التسووية”، لكنما، وهنا تتبدى لنا قمة الفجيعة الأوسلوية التي ابتلى بها الشعب الفلسطيني، دون يثنيه هذا الذي اكتشفه عن ما هو سادر فيه…ما الذي اكتشفه؟!
مما اكتشفه المفاوض اشتيِّة أن الأمريكان لا يبتغون حلاً للصراع وانما هم بصدد ادارته لصالح "اسرائيلهم"، وعليه، فإن كل ما لدى كيري لا يعدو مجرد اتفاق اطار للمفاوضات يتبدى له “وكأنه مرجعية جديدة لعملية تفاوضية طويلة الأمد”! وحيث اكتشف بأن الصهاينة هم من يضغطون على الأميركان وليس العكس، وانهم يريدون “استمرار الوضع القائم”، فهو يستبعد نجاح كيري في “تقديم أية افكار تلبي الحد الأدنى من العدالة للشعب الفلسطيني”، وبالتالي فهو يعتقد “انه لن يكون هناك اتفاق اطار يستطيع الفلسطيني أن يوافق عليه”. ويعدد اشتيِّة المفاوض الخلافات، أو ما لا يسهل التوافق حولها من القضايا التالية. أولها، “يهودية الدولة” الصهيونية، التي تعد على رأس القائمة الكيروية. وثانيهما، القدس، رغم أن رئيس السلطة اختصر الحل بشأنها، ابان استقباله مؤخراً لما ناف عن الثلاثمائة من الشباب الصهاينة في المقاطعة، وبسَّطه على الوجه التالي، ” لا نريد تقسيم القدس. بلدية اسرائيلية، وبلدية فلسطينية، وجسم ينسِّق فوقهما. معتبراً أن في هذا “بداية التعايش الحقيقي بين الطرفين”! وثالثهما، الأغوار، حيث لا يرى نتنياهو في تصريحاته الأخيرة بديلاً عنه فيها ويرفض وجود طرف ثالث وفقما يقترحه كيري،. ورابعهما، عودة اللاجئين، المجمع على رفضها صهيونياً، رغم أن رئيس السلطة ، وفي اللقاء ذاته، أيضاً طمأنهم بأنه “لن نسعى أو نعمل على أن نغرق اسرائيل بالملايين لنغير تركيبتها السكانية، هذا كلام هراء..”، وهو عنده كلام هراء لأن المبادرة العربية تقول بحل “متفق عليه”، وهذا المتفق عليه كان مدعاة تساؤله، “و مع من الحل المتفق عليه؟”، ليجيب بنفسه، “بين اسرائيل والفلسطينيين”، ويزيد فيوضح، “أي لا أحد يفرض على احد شيئاً، ولا أحد يفرض على أحد حلاً”!!! ويخلص الدكتور اشتيِّة بتوصيف لحركة كيري وهو أن “كل الذي يقوم به هو عبارة عن بالونات اختبار لأفكار محددة هنا وهناك” … وحيث “يهودية الدولة، ولا قدس، ولا عودة للاجئين الواضح أنه لا يقبل بها صهيوني واحد، ولا يريد رئيس السلطة ومعه المبادرة العربية فرضها عليه، يتوصل المفاوض اشتيِّة لما كان قد ادركه بسطاء الفلسطينيين والأمة منذ عشرين حولاً وهو عقم مساره الأوسلوي، ذلك عندما يقول، “لقد مضى على المفاوضات من خلاله اكثر من عشرين عاماً ولم يحقق أية نتائج”… إذن، وما البديل يا هذا؟ سؤال لم ولن يطرحه الأوسلويون على انفسهم ، ولم ولن يجيب عليه سوى الشعب الفلسطيني، ولا من اجابة عليه سوى المقاومة…
المصدر: نشرة كنعان