تسعير الكربون وفشل «الرأسمالية الخضراء»
كان من دواعي سرورنا أن نعلم أن دانيال تانورو(1) كتب مقالة عن مخططات تسعير الكربون، حيث يعتبر كتابه «الرأسمالية الخضراء: لماذا لا يمكن أن تنجح»، مساهمة هامة في الفكر الإيكولوجي(2) الاشتراكي، ولديه سجل مثير للإعجاب من المشاركات الشخصية، في العديد من الحملات البيئية الراديكالية في أوروبا. وكنا نتطلع إلى تفسير واضح، ونقد قوي، للنهج القائم على السوق إزاء تغير المناخ.
تعريب وإعداد: جيهان الذياب
لسوء الحظ، فإن «صحوة اليمين الخضراء» لا ترقى إلى المعايير العالية عموماً، التي وضعها تانورو لكتابه. وعوضاً عن تناول خطط تسعير الكربون التي ظهرت في السياسة الرأسمالية، يركز تانورو نقده على المقترحات التي وضعها عالم المناخ الرائد، جيمس هانسن(3)، وعلى الدعم الكبير الذي قدمناه لاقتراحه في «المراجعة الشهرية» و«المناخ والرأسمالية».
يوازي تانورو موقفنا - بينما موقف هانسن مختلف نوعاً ما- وذلك بناءً على اقتراح قُدِّم من قبل بعض السياسيين الأمريكيين اليمينيين، بحجة أننا ندعم «البديل الشعبوي... من المذهب النيوليبرالي». بطبيعة الحال، نحن مختلفون.
نحن لا نقول أن وجهات نظرنا فوق الانتقادات. النقاش المفتوح هو جزء أساسي من بناء حركة إيكولوجية اشتراكية عالمية، ونحن نرحب بالردود المدروسة على أي شيء كتبناه. ومع ذلك، طالما أن مقال تانورو يفسر، على نحو خطير، كلاً من خطة هانسن ونهجنا في ذلك، فنحن بحاجة إلى تصحيح سوء الفهم، قبل أن تبدأ المناقشة الأساسية.
اقتراحات هانسن
إن ما أطلقنا عليه «استراتيجية الخروج من مشكلة تغير المناخ» التي يقترحها هانسن، تتضمن خطة للرسوم والأرباح، تدفع بموجبها شركات الوقود الأحفوري رسوماً متزايدة على الكربون في رأس البئر، أو مدخل المنجم أو نقطة الدخول. وستوزع جميع الإيرادات المتأتية من هذه المدفوعات كأرباح للسكان على أساس نصيب الفرد.
وخلافاً لخطط تجارة الكربون، والضرائب على شراء المستهلك، ستكون رسوم هانسن المقترحة سهلة الجمع، مع صعوبة التهرب منها. ويقدر هانسن أن 60% من المواطنين الأمريكيين، سيحصلون على المزيد من الأرباح أكثر مما سيتعين عليهم دفعه خلال زيادات الأسعار.
وخلافاً للاقتصاديين الرئيسيين، الذين يعدون بنتائج سحرية من تسعير الكربون وحده، يدرك هانسن أن «رسوم الكربون بحد ذاتها لا يمكن أن تحل مشكلة الطاقة، ولا أن تسمح بالتخلص السريع من الفحم»، لذلك يذهب برنامجه إلى أبعد من ذلك.
يتضمن اقتراحه حظراً صريحاً على نفط رمال القطران، والنفط الصخري والغاز وهيدرات الميثان، فضلاً عن إغلاق المحطات التي تعمل بالفحم جميعها، والتي لا يمكنها التقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تصل إلى كل شخص مرتبط بهذه العملية اليوم.
كما يدعو هانسن إلى إلغاء جميع أنواع الدعم المقدمة لشركات الوقود الأحفوري جميعها، بهدف الانتقال العالمي إلى ممارسات الزراعة وزراعة الحراج المستدامة، كما يدعو لخفض انبعاثات الميثان والأوزون السريع وخفض الانبعاثات الكربونية السوداء، ويدعو لتقديم مساعدات كبيرة للدول النامية لتنمية الطاقة النظيفة، وتنفيذ واستثمار التكنولوجيا النووية من الجيل الرابع التي يأمل أن تكون آمنة. وتمثل هذه التدابير مجتمعة استراتيجية شاملة للخروج من أزمة تغيُّر المناخ.
حصان طروادة المحافظ
نشر مجلس قيادة المناخ الذي شكل حديثاً «الحالة المحافظة لتوزيع أرباح المناخ» في شباط 2017. وقع عليها ستة من قادة الحزب الجمهوري السابقين بالإضافة إلى الرئيس السابق لشركة «وول مارت»، خوفاً من أن تؤدي السياسات البيئية الجائرة إلى تراجع الجمهوريين في استطلاعات الرأي، الأمر الذي سيدفع «الناخبين الأصغر سناً، الذين يملكون مفتاح ثروة سياسية مستقبلية لأي من الطرفين، لدعم مؤيدي «النمو الذي يعرقل أنظمة القيادة والسيطرة»».
ولتجنب ذلك، فهم يقترحون خطة «تعرض القوة الكاملة للقناعات المحافظة الدائمة». إن مقترحهم الرئيس - وهو زيادة تدريجية في الضرائب على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الموزعة على جميع المواطنين الأمريكيين- يشبه خطة هانسن للرسوم والأرباح، وفي تناقض حاد مع نهجه، يصرون على أن يكون مرتبطاً «بتراجع تنظيمي كبير». أي: «لا حظر على الوقود غير التقليدي، ولا إيقاف لتشغيل محطات تعمل بالفحم، ولا استثمار في الحفاظ على الطاقة أو الطاقة النظيفة. سيتم التخلص تدريجياً من جزء كبير من سلطة إيبا التنظيمية (وكالة حماية البيئة الأمريكية) على مسألة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بما في ذلك الإلغاء الصريح لخطة الطاقة النظيفة»، ولن يسمح للمواطنين بمقاضاة مرسلي الانبعاثات بسبب الأضرار.
ما هو أكثر من ذلك، زيادات الرسوم سوف تنتهي تلقائياً بعد خمس سنوات ما لم تقرر «لوحة الشريط الأزرق» خلاف ذلك. وهي لا تحدِّد تكوين الفريق، ولكننا لن نفاجأ عندما تلعب مصالح الوقود الأحفوري دوراً كبيراً.
وباختصار، فإن وجود «مجلس قيادة المناخ» لا يهدف إلى منع تغير المناخ. إنه حصان طروادة الذي يضم كل تفاهات التدابير العملية التي قد تسهم في تحقيق هذا الهدف.
ومن الناحية العملية، قرر القادة الجمهوريون الفعليون بالطبع، إلغاء الحماية التنظيمية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تحديد سعر الكربون، أو حتى وعد الناخبين بأرباح، لذا: فإن مخاوف تانورو من أن خطة لجنة مكافحة الإرهاب «يمكن أن تشكل إجماعاً في الرأي العام بشكل حقيقي» تبدو في غير محلها.
الإيكولوجيون الاشتراكيون
وبرنامج هانسن
هذه «الفضيحة المحافظة» ليست هي نفسها خطة هانسن، وهي لا تشبه البرنامج الإيكولوجي الاشتراكي الثوري، الذي دافعنا عنه لسنوات.
ومع ذلك، يربط تانورو بشكلٍ مغرض وجهات نظر هانسن مع المحافظين - واصفاً خطة مجلس قيادة المناخ بأنها «فكرة اقترحها أولاً عالم المناخ البارز جيمس هانسن»، مؤكداً أن: «هانسن صاغ الخطة في الأصل». ويشير إلى «مقترحات هانسن و مجلس قيادة المناخ» على أنها متطابقة. ثم يدهشنا كثيراً أن جون بيلامي فوستر «يؤيد بقوة ضريبة الأرباح» كما يفعل «أتباعه، ومن ضمنهم إيان أنجوس». ويكرس النصف الثاني من مقاله لانتقادنا بسبب ذلك.
ورغم أن كلينا قد كتب مقالات متعددة حول نهج هانسن لتغير المناخ، فان انتقادات تانورو تقوم على مثال واحد فقط، وهو: مقالة «جيمس هانسن واستراتيجية الخروج من أزمة تغير المناخ» التي نشرها فوستر منذ خمس سنوات. تلك كانت المقالة الأولى في منشور اشتراكي تناقش طبيعة وأهمية مقترحات هانسن، وتحوي قسمين رئيسين هما: «استراتيجية الخروج لدى هانسن»، وهي عبارة عن بيان موضوعي للبرنامج، و«البصمة الإيكولوجية الرأسمالية: ما وراء استراتيجية الخروج لدى هانسن»، وهي النقد الإيكولوجي الذي يجادل «بتحول اشتراكي أكبر بكثير» مما يتصوره هانسن. (نعتقد أن نقد هانسن الذي قدمه فوستر في هذا القسم الثاني، هو في الواقع أكثر وضوحاً وأكثر اكتمالاً من نقد تانورو.)
وفي مقال مختصر، يقول فوستر: إن نهج هانسن، على الرغم من حدوده، يمثل خطوة هامة إلى الأمام للحركة لوقف الإبادة الجماعية الرأسمالية.
في جميع أنحاء المقال، يستخدم فوستر مصطلح «استراتيجية الخروج» للإشارة إلى برنامج هانسن بأكمله، بما في ذلك تركيزه على إغلاق خطوط الأنابيب، والمحطات التي تعمل بالفحم، وعمليات الوقود غير التقليدية. وتشكل الرسوم والأرباح جزءاً واحداً فقط من البرنامج، وكما يقول فوستر بوضوح، فإنها لا تستطيع أن تقف لوحدها: «جميع الاستراتيجيات القائمة على السوق حصراً تميل إلى العودة إلى الوراء، لأنها تعتمد أساساً على الحوافز الاقتصادية». كتب فوستر «إن خطة ضرائب هانسن لتوزيع الأرباح، ليست سوى إسفين واحد فيما يجب أن يكون استراتيجية أكثر شمولية لتغير المناخ».
ورغم ذلك، يعالج تانورو مراراً وتكراراً تعليقات فوستر الإيجابية حول الاستراتيجية برمتها، كاندفاع يتمحور حول عنصر الرسوم والأرباح. ويقول، على سبيل المثال: إننا «نقول أن ضريبة الأرباح هي النهج الوحيد الممكن في السياق الحالي». وفي هذا السياق، فإن كلمات فوستر تعني بوضوح: أن وجهة نظر هانسن، وليس وجهة نظرنا: «أدت به إلى تعزيز الرسوم وتوزيعات الأرباح باعتباره النهج الوحيد الممكن لخفض انبعاثات الكربون بسرعة».
يعترض تانورو على وصف فوستر لبرنامج هانسن بـ«الخطوة الأولى»، لأن «الحل يمكن أن يأتي فقط... من تقارب الكفاح الملموس من المستغلين والمضطهدين»، مما يعني أن فوستر يتجاهل مثل هذه الصراعات. وقد فشل في ملاحظة أن فوستر يحذر مباشرة بعد ذكر هذه الخطوة الأولى قائلاً: ويتطلب الحل الحقيقي تغييراً جذرياً في الأولويات الاجتماعية، وهو نوع من التحول الثوري الذي يمكن أن يحدث بسرعة لا يمكن تصورها، إذا كان السكان قد وصلوا مرة واحدة إلى نقطة التحول الاشتراكي والبيئي.
أهمية استراتيجية «الخروج»
بالعودة إلى الأساسيات، تطرح مقالة تانورو نقطتين مهمتين. أولاً: «لا يمكن أن يكون السوق هو الحل... وعلينا أن نواجه ديناميك التراكم، الذي لا تستطيع الرسوم والأرباح أن تواجهه»، وثانياً: نحن بحاجة إلى «استراتيجية اشتراكية تتحالف مع المستغَّلين والمضطَّهدين لتطوير بديل إيكولوجي اشتراكي».
ونحن نوافق تماماً. هذا هو بالضبط ما يقوله فوستر في المقال المعني وينتقده تانورو.
إن استراتيجية الخروج لهانسن، رغم جميع نقاط قوتها، ليست كافية في حد ذاتها. تتجلى نقاط ضعفها في أنها لا تذهب بعيداً بما فيه الكفاية في معالجة تناقضات النظام الاجتماعية التي يولدها هيكل السلطة من رأس المال الاحتكاري للتمويل اليوم. والمطلوب في ظل الظروف الراهنة هو: تسارع التاريخ الذي ينطوي على إعادة تشكيل المجتمع. ولا يمكن قصر أنواع التغييرات التي يتعين مراعاتها في سياق حالة طوارئ على مستوى الكوكب ضمن القنوات الضيقة التي تستطيع الطبقة الحاكمة ونخبة سلطتها السياسية أن تتقبلها. وبدلاً من ذلك، فإن استراتيجية الخروج من أزمة تغير المناخ الفعالة يجب أن تعتمد على التحول الاشتراكي الأكبر الذي لا يمكن إطلاقه إلا عن طريق التعبئة الديمقراطية.
لا يحتاج الإيكولوجيون الاشتراكيون إلى مناقشة أن الحلول التي تقدمها السوق قادرة على القيام بهذه المهمة (وفي طبيعة الحال لا يمكنها ذلك) أو إذا كنا بحاجة إلى بناء حركة جماهيرية يمكن أن توقف الإبادة الجماعية الرأسمالية (وبالطبع نحن نحتاج ذلك).
المسألة الحقيقية هي: كيف نصل من هنا إلى هناك؟ كيف يمكن للإخصائيين الإيكولوجيين الاشتراكيين، وهو تيار سياسي صغير نسبياً، أن يسهموا في بناء الحركة الواسعة والموحدة التي نوافق على أنها ضرورية؟
لا تتناول مقالة تانورو السياق العملي الذي تطورت فيه استراتيجية خروج هانسن لتغير المناخ. وقد سيطرت المنظمات المحافظة والليبرالية التي تعمل بشكل وثيق مع شركات الوقود الأحفوري منذ فترة طويلة على الحركة الخضراء الأمريكية. كما تظهر نعومي كلاين في مقالتها بعنوان «هذا يغير كل شيء»، فإن أكبر المجموعات الخضراء قد «يتشابك مصيرها مع الشركات في قلب أزمة المناخ... ولا يمكن أن نحقق تقدماً يذكر في مواجهة تغير المناخ طالما أن هذه القوى لها سيطرة تنظيمية وسياسية».
لعب جيمس هانسن دوراً حاسماً في تحفيز وبناء حركة مناخية جذرية جديدة. فهو ليس مجرد عالم مناخ أو مجرد أي ناشط. منذ أن أدلى بشهادته الأولى أمام لجنة الكونغرس في عام 1979، تم الاعتراف به باعتباره عالم المناخ الرائد في العالم وممثل رئيسي في حركة المناخ الجديدة: وقد اعتقل في محاولة لمنع المنشآت التي تعمل بالفحم وفي احتجاج على خط أنابيب «كيستون إكس إل» الذي يهدف إلى جلب نفط رمال القطران ألبرتا إلى خليج المكسيك. ويظهر نشاطه، ورغبته في القبض عليه فيما يتعلق بهذه القضايا، وهو شيء يعتبره أمراً أساسياً.
ومن المؤكد: أن استراتيجية الخروج من أزمة تغير المناخ التي بدأها الإيكولوجيون الاشتراكيون كانت بلا شك أقوى وأكثر راديكالية من استراتيجية هانسن، ولكن لم يكن لها نفس الأهمية أو المصداقية العلمية. عندما تستخلص شخصية بارزة استنتاجات جذرية من فشل الحكومات والشركات في العمل، فإن اليسار يحتاج إلى لفت النظر للمشكلة.
كتب فوستر مقالته عام 2013 لهذا السبب بالضبط: لتنبيه الإيكولوجيين الاشتراكيين وغيرهم في اليسار، إلى تحول هام في السياسة الخضراء، وهو تغيير البحر الذي يوفر إمكانات جديدة للعمل الموحد ضد الإبادة الجماعية الرأسمالية. نكتب هذه المقالات لأننا نتفق مع لينين: «كل خطوة عملية تساوي دزينة من البرامج».
نحن لا نناقش ما إذا كانت الرسوم والأرباح تقدِّم حلاً كاملاً، بل نناقش أن البرنامج الذي يتضمنه، جنباً إلى جنب مع حملات إغلاق محطات الفحم والتكسير وتعدين رمال القطران، يمكن أن يسهم في حركة تغير المناخ الشامل.
وبينما نبني تلك الحركة، سنجد أنفسنا نعمل جنباً إلى جنب مع الناس الذين يعتقدون أن «وضع سعر على الكربون» يمثل أفضل حل. (إذا لم نجد أنفسنا نعمل معهم، لن نصل إلى حد بعيد بما فيه الكفاية!) هل يجب على الإيكولوجيين الاشتراكيين ببساطة إبعادهم؟ أم يجب أن ندفعهم إلى اليسار، قائلين: «إذا قُدّم مثل هذا البرنامج، يجب أن يستهدف مباشرة شركات الوقود الأحفوري، مع ضمان حماية مستويات معيشة العاملين والفقراء»، كما يهدف اقتراح هانسن؟
نحن بحاجة إلى برنامج عمل لمكافحة تغير المناخ يمكن أن يحظى بدعم من مجموعة واسعة من الناشطين الحاليين والمحتملين. برنامج هانسن قد لا يكون مثالياً، ولكننا لا نعرف أحداً قدم اقتراحاً بيئياً أفضل وله نفس النفوذ.
لا تتعارض خطة الرسوم والأرباح مع بناء حركة جماهيرية، ما لم نقدمها كحل وحيد. وكجزء من استراتيجية خروج واسعة النطاق على غرار ما يقترح هانسن، فإنها توفر أساساً مبدئياً لتطوير حركة واسعة النطاق، لمكافحة تغير المناخ، وتقدم تحدياً للنظام الرأسمالي.
ونحن نتفق مع دانيال تانورو أن السوق ليس هو الحل: الإيكولوجيا الاشتراكية هي الحل. ورغم أية خلافات قد تكون لدينا، فإننا نتطلع إلى العمل معه بشأن هذا المشروع الهام للغاية.
هوامش:
1- باحث بيئي، له العديد من الإسهامات في مجال الإيكولوجيا الاشتراكية.
2- الإيكولوجيا: Ecology العلاقات بين الكائنات الحية والبيئة المحيطة بها.
3- فيزيائي، وأستاذ جامعي من الولايات المتحدة الأمريكية، عضو في الأكاديمية الوطنية للعلوم.