الحرب الأفغانيّة: بداية «الإنسانيّة-الإمبرياليّة»
كتب غريغوري أفينوغينوف مقالاً في مجلّة «Jacobinmag» يلقي فيه الضوء على السياسات الإمبرياليّة في الحرب الأفغانيّة والتي أدّت لظهور «التنظيمات الإسلاميّة الإرهابيّة»، وعلى دور المنظمات غير الحكوميّة الممولة غربياً في ظهورها. ورغم أنّ أفينوغينوف لا ينفذ إلى العمق عند تحليل هذه الارتباطات، فإنّه عبر جزء من استعراضه التاريخي التحليلي البسيط، يعطينا لمحة عامّة. فيبدأ: «في أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين، التقت قوتان عالميتان مع بعضهما البعض، حيث قامتا بإزالة الحدود التي وقفت في وجههما. الأولى كانت الدولة السوفييتية التي عزمت على الدفاع عن المكاسب الهشّة للانقلاب العسكري في عام 1978، والتي حاولت جاهدة منع قيامه. أمّا الثانية، والتي نشأت بمفارقة أشدّ تعقيداً، كانت التحالف غير المستقر بين الجهاديين الممولين أجنبياً وأجهزة المخابرات الغربية ومنظمات غير حكومية مثل أطباء بلا حدود».
تعريب وإعداد: هاجر تمام
ويقول معقباً قبل البدء في استعراض تاريخي للمنطقة: «لم تُنشأ أفغانستان داعش، ولكنّها تمثل المختبر الذي يبيّن أنّ تدمير السلطة في العالم الثالث يلائم المبررات المتجذرة لكلّ من حقوق الإنسان وأمن النظام، وهي وصفة [التدخل الإنساني] العصري».
«لقد تسببت السلطة في أفغانستان بالمشاكل منذ البداية. أنشأت بريطانيا والحكومات الأفغانية في عام 1893 (خطّ دوراند) بين باكستان وأفغانستان، لتقسّم موطن البشتون وبقيّة المجموعات الإثنيّة التي عاشت هناك. ورغم التأكيدات المتأتيّة عن المعاهدات الدولية المتلاحقة، فقد بقي الخطّ إلى حدّ كبير على الورق وحسب، وتمّ تجاهله من قِبلِ السكان المقيمين، والذين كانت صلاتهم عبر الحدود أقوى بكثير من صلاتهم سواء بكابول أو بإسلام أباد. أصبح خطّ دوراند مركزياً للخيال الجيوبوليتيكي لكلا البلدين. رأت باكستان الخطّ على أنّه منطقة عازلة ضدّ الاتحاد السوفييتي، كما رأت فيه فرصة لتوسيع نفوذها شمالاً عبر الأفغان البشتون. حاول القادة الأفغان، وهم غالباً من البشتون أو واقعون تحت التأثير القوي لنخبة البشتون، استخدام مساعدات التنمية، سواء من الاتحاد السوفييتي أو من الغرب، لإنشاء ولاية بشتونيّة نقيّة إثنيّاً خارج النفوذ الباكستاني».
ويشرح الكاتب الدوافع التي أدّت إلى شعبيّة حركات حقوق الإنسان الناشئة من جديد من وجهة نظره، فيقول: «لقد أنتج إرث معارضة حرب فيتنام، ممزوجاً بعدم وجود تطوّر ثوري في الغرب، نوعاً جديداً من الأخلاق بين اليسار الأوربي: إنّه التضامن مع معاناة الناس الذين يعانون من قمع الدولة، سواء في نيجيريا اليمينية خلال حرب (بيافران)، أو في فيتنام الشيوعية الجديدة خلال أزمة (ناس القارب)، لقد أدّى هذا التضامن إلى سابقة للتعبير عن التذمّر من حكومة السوفييت أو من حلفائهم الصينيين، وهذه هي اللحظة التي ولدت فيها منظمة (أطباء بلا حدود) في فرنسا، و(اللجنة السويدية) لأجل في أفغانستان في السويد».
ويتحدّث المقال عن أنّ هذه المنظمات قد شكّلت مجموعات ضغط لدعم «المجاهدين» في بلدانها بما يتسق مع سياسات الولايات المتحدة التي حرصت على تأمين الدعم المالي لي. ويتحدث كذلك عن دعم هذه المنظمات للجهاديين بشكل مباشر أيضاً: «بتزويدهم بالمعدات الصناعيّة وبتأمين احتياجاتهم من خلالها».
ثمّ يحلل الكاتب بداية الاستخدام الإعلامي المركّز للغرب لكلمات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريّة: «تستخدم الولايات المتحدة وحلف الناتو اليوم حقوق الإنسان بشكل روتيني كذريعة في خدمة الإمبرياليّة. لكنّ هذه الذريعة كان لها دور جانبيّ قبل الحرب في أفغانستان: فعلى الرغم من أنّ مناهضي الشيوعية قد ركزوا دوماً على الترويج للدعايات ضد الشيوعيّة، ولكنّ هذا السبب كان واحداً من كثير من الأسباب التي تدفع الغرب لدعم دكتاتور يميني أو انقلاب عسكري. بدّلت أفغانستان هذا المنطق بشكل جوهري. فالمتمردون هم من الشعب، ولهذا فالتدخلات الغربية تجري بشكل دائم ضدّ الدولة بالنيابة عن شعبها، ابتداء من (الكونترا) ووصولاً إلى جيش تحرير كوسوفو».
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني