كارثة الخصخصة (استراليا نموذجاً)
كتب جيم ماكيلروي مقالاً في صحيفة «green left» يتناول فيه كارثة الخصخصة في أستراليا، معتمداً على الدراسة التي نشرتها النائبة لي ريانون عن حزب الخضر عن ولاية نيوويلز الجنوبيّة بعنوان: «أخفض سعر، نفذت الكميّة، كارثة الخصخصة وكيف نستردّ ثروتنا العامّة في الوقت المناسب».
تعريب وإعداد: عروة درويش
ويقول ماكيلروي: «مع دعم الحكومة الفيدراليّة للجنة الملكيّة في البنوك، والجدل الواسع النطاق حول سياسات الطاقة الوطنيّة، فإنّ العواقب المدمرة لخصخصة القطاعات العامّة السابقة هي واضحة للجميع».
بعد أن تكشّفت للعلن أخطاء ومشاكل البنوك الأربعة الكبرى لتصبح في موقع سياسيّ حرج جداً، قرر مدراءه التنفيذيون أن يهربون للأمام عبر تشكيل لجنة ملكيّة. ورغم تحذيرات رئيس الوزراء الليبرالي السابق لهم بأنّ مثل هذه الخطوة سوف «تذكي نار الاشتراكيّة»، فقد قرر رئيس الوزراء الحالي مالكولم تورنبول المحاصر سياسياً أنّ هذه الخطوة هي الخيار الأقل سوءاً. مع العلم بأنّ أكبر بنك عام سابق في أستراليا (CBA)، والذي تمّت خصخصته في التسعينيات بمبلغ زهيد جدّاً، قد وصلت أرباحه الصافية في العام المالي الحالي إلى عشرة مليارات دولار.
- السطو المنظم:
لقد بدأت النيوليبراليّة في أستراليا في ظلّ حكومتي بوب هوك وبول كيتينغ الليبراليتين بالتزامن مع النيوليبراليّة العالميّة. وسلبت خصخصة الأصول العامّة الناس من ممتلكاتهم بشكل فعّال، وسلمتها إلى الأثرياء. فكانت هذه العمليات هي العماد في تزايد الفجوة في اللامساواة بين المتنفذين وغالبيّة المجتمع. إنّها الجريمة الأكبر في التاريخ، وقد وصلت في أستراليا إلى مرحلة حرجة.
قاومت المجتمعات المحليّة والنقابات في السنوات الأخيرة عمليات الخصخصة، ونجحت في الكثير من الحالات في منعها. ولكن الأنظار لا تتجه إلى إيقاف هذه العمليات وحسب، بل أيضاً إلى تأميم وإعادة امتلاك الصناعات الكبرى لتصبح تحت قيادة المجتمعات والعمّال المحليين.
لقد باعت حكومة ولاية نيوويلز الجنوبيّة منذ عام 2011 ما يقدّر بأكثر من 62 مليار دولار من الأصول العامّة، وهي إمّا باعت وإمّا تتحضّر لبيع الباصات العامّة والقطارات والمشافي والمساكن العامّة والسجون ومكاتب التسجيل والغابات في الأرض والجزر المحيطة. وتبعاً لريانون: «تمّت مكافئة الحكومات في الولايات التي تمّت فيها عمليات الخصخصة بحوالي 15% من قيم البيوع والإيجارات».
- الإضرار بالمصالح العامّة والتأميم:
قالت ريانون: «ليس هناك قطّاع عام تمّت خصخصته في أستراليا مثل قطّاع الكهرباء. تمّت خصخصته أكثر ممّا حدث في المملكة المتحدة والاتحاد الأوربي. لقد أدّت خصخصة الكهرباء إلى ارتفاع الأسعار. لقد أدّت خصخصة الكهرباء إلى الرفع المستمر للأسعار لتصل إلى ثلاثة أضعاف زيادة الدخل الفردي، وإلى خسارة الدخل لتصل خسارة الخزينة العامّة للولاية إلى 2 مليار دولار سنوياً، وإلى إعاقة الانتقال إلى طاقة مستدامة، وإلى تقليص شديد في عدد الموظفين، وإلى تناقص الإنتاجيّة على حساب زيادة عدد المدراء وقسم التسويق، وإلى التلاعب السوقي الذي أدّى لتركّز الملكية لدى بضعة شركات كبرى، وإلى فقدان الأسر ذات الدخل المنخفض للطاقة المستمرة».
وذكر المقال الفوضى التي خلقتها خصخصة الإسكان وتحويله من حقّ اجتماعي إلى مجرّد سلعة للاستثمار. فرغم التناقص الشديد في قدرة الأسر ذات الدخل المتوسط على تأمين سكن، تستمرّ الحكومة الليبراليّة في تصفية العقارات السكنية العامّة». ويحاول حزب الخضر الأسترالي العمل على إنشاء صندوق للإسكان العام على طول أستراليا، ليتمّ تمويله عبر سندات حكوميّة خاصة. ويهدف الصندوق «إعادة كون الإسكان حقّ للناس بدلاً من كونه سلعة سوقيّة في غير متناول العديد من الناس».
وسلّط المقال الضوء كذلك على الكوارث التي أحدثتها خصخصة المشافي والتعليم والنقل والسجون، والتي أثبتت فشلها سواء من ناحية تزويدها المجتمع بخدمات يمكن الاعتماد عليها، أو حتّى من ناحية الشفافية. ويقول المقال: «لقد تمّ تقويض المجتمع بإدخال دافع الربح والسوق والقدرة على الدفع إلى مفاصل حياته».
ويسرد كذلك قصّة المستشفيات السبع الكبرى التي تمّت خصخصتها والتي تحوّلت إلى فشل ذريع بكافة المقاييس. وفي مجال التعليم الذي تمّت خصخصته تدريجياً، يقتبس عن البرنامج المناهض للحكومة الذي يقول: «يجب إعادة التعليم في كافة مستوياته إلى حيز التمويل العام، ويجب إنهاء سيطرة السوق على وسيلة تطورنا».
ويضيء في نهاية المقال على أنّ عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص لم تكن سوى آليّة لتسليم الأصول العامّة إلى الشركات الكبرى. ويدعو للانضمام إلى بقيّة العالم في محاربة تهميش دور الدولة وترك الناس عرضة لنهش الأسواق، ويقول: «مهما كانت التحديات والصعوبات التي تواجهنا في تأكيد سيطرتنا الديمقراطيّة على اقتصادنا، فلا يجب أن تردعنا عن محاولة تحقيق الاستدامة البيئيّة والعدالة الاجتماعيّة المطلوبين».
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني