دلالات التطبيع بين وزيرة السياحة التونسية وإسرائيل
ما إن منح المجلس الوطني التأسيسي ثقته للحكومة الجديدة،بقيادة السيد مهدي جمعة فجر الثلاثاء الماضي ، حيث يعتبر التصويت على منح الثقة لحكومة جمعة نهاية فعلية لحكومة "النهضة" وبداية المسار الأخير من عملية الانتقال الديموقراطي، إذ من المفترض أن تقود الحكومة الجديدة تونس حتى إجراء انتخابات عامة مقررة قبل نهاية العام الحالي،حتى تفجرت فضيحة سياسية جديدة، تتمثل في أن وزيرة السياحة التي تم تعيينها حديثا، وهي السيدة آمال كربول اتهمت من قبل عدد من نواب المجلس التأسيسي ، و أحزاب المعارضة اليسارية و القومية بـ«التطبيع مع إسرائيل» بإعتبارها زارت إسرائيل في العام 2006، ودعوا رئيس الحكومة إلى «التخلّص منها»، الأمر الذي أدى الى إحراجه.
في تبريرها لموضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني ، قالت آمال كربول أنها عندما سافرت إلى إسرائيل في نطاق برنامج ممول من الأمم المتحدة لتدريب شبان فلسطينيين «لم تنظر إلى الموضوع من وجهة نظر سياسية»، موضحة أنها تعرضت إلى «مضايقات» عند حلولها في مطار تل أبيب إذ «تركوها أربع ساعات في الانتظار ولم يسمحوا لها بالعبور باعتبار أنها تونسية مسلمة».و اعتبر العديد من التونسيين المعارضين للتطبيع أن وزيرة السياحة قدمت في تبريرها مسرحية لتمرير تعيينها .فهل يصدق عاقل أن إسرائيل تعامل تونسية قدمت إليها من الولايات المتحدة الأميركية بهذه الطريقة؟ في الأول سربوا معلومات حول تعيين يهودي تونسي وزيرا للسياحة ثم بعد ذلك يأتوننا بتونسية مطبعة ...هل هي صدفة
وقالت آمال كربول مباشرة بعد أن أدّت اليمين أمام الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي اليوم، إنها قدّمت لرئيس الحكومة إستقالتها وله «سديد النظر في قبولها أو رفضها».ودعت رئيس الحكومة التونسية الجديد مهدي جمعة، في تغريدة نشرتها في صفحتها على شبكة التواصل الإجتماعي «فايسبوك»، إلى «قبول إستقالتها إذا ثبت أن الإتهامات التي وُجّهت إليها بالتعامل مع الكيان الصهيوني صحيحة».وبعد إجتماعه بكربول، دافع رئيس الحكومة جمعة عنها بالقول «تحدثت مع وزيرة السياحة، وقد زارت بالفعل إلى إسرائيل سنة 2006 في إطار مشاركتها في برنامج تكوين تابع للأمم المتحدة لفائدة شباب فلسطينيين، وقد بقيت يوماً واحداً في إسرائيل وتعرّضت لتحقيقات دامت 6 ساعات بمطار تل أبيب لأنها عربية مسلمة، كما أنها رفضت مواصلة برنامج التكوين لهذا السبب، حتى وإن كان لفائدة فلسطينيين».ورغم هذا الدفاع، فإن العديد من نواب المجلس التأسيسي أعربوا عن رفضهم لهذه الوزيرة، حتى أن أحدهم لم يتردد في مخاطبة الوزيرة الجديدة بالقول«.. إذا ثبت أنك زرت إسرائيل، فما عليك سوى أن تحملي أغراضك ومغادرة هذه الحكومة».
بصرف النظر عن التبريرات التي سيقت من قبل وزيرة السياحة، وكذلك من قبل رئيس الحكومة التونسية الجديدة ، فإن الوزيرة التونسية ، وغيرها من السياسيين التونسيين الموجودين في العديد من الأحزاب السياسية سواء منها الإسلامية أو العلمانية ، أو المنظمات غير الحكومة الممولة من قبل مؤسسات دولية معروفة، يشكلون جميعاً جزءاً من هذا التيار التبشيري العربي الذي ينادي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني على اختلاف دوافعه وغايته ، بوصفه تياراًنصيراً قوياً للتطبيع مع العدو الصهيوني .
1-آمال كربول تنتمي إلى التيار التبشيري العربي المناصرللتطبيع مع الكيان الصهيوني
فهذا التيار التبشيري يطالب باندماج الكيان الصهيوني في النظام الشرق أوسطي الجديد الذي نادي به شمعون بيريز منذ العام 1993 ، لأنه يرى في هذا الاندماج ، العودة إلى الوضع الطبيعي حسب منطلقه ، ولذلك يقول مبشرو هذا التيار بأنه يجب التخلي عن كل الممارسات والأفكار المشوهة التي لم تكن تعبر تعبيراً صادقاً عن حقائق ورغبات الأغلبية العظمى من شعوب المنطقة العربية ، هذه الأغلبية العظمى لم تنتم يوماً لما كنا نسميه عروبة أو عرب ، وكانت ضحية لكلمات فضفاضة من لغة عقيمة ومتخلفة ، وفي مثل هذا التوجه الشرق أوسطي لا تختلف ايران عن إسرائيل ، ولا تختلف إسرائيل عن أي دولة عربية ، ولا تختلف أي دولة ناطقة بالعربية عن تركيا أو باكستان او الهند الكل يجمعهم توجه واحد واقليم واحد ومصلحة مشتركة .
وتنبع الفكرة الإيديولوجية الأعمق لهذا التيار التبشيري من محاولة طمس الهوية
العربية - الإسلامية للمنطقة العربية ، معتبراً اياها أنها مساحة جغرافية تعاني من محنة الهوية ، وبلا هوية حضارية ، ولذلك يندفع بقوة انطلاقاً من استغلاله أزمة الهوية أو عقدة الهوية في الوطن العربي التي يعانيها العرب الآن لتسويغ وجود الكيان الصهيوني على أرض العرب ، وقبول التطبيع معه ، باعتباره دولة موجودة في الإقليم الشرق أوسطي نفسه ، على هذا القدر الرفيع من التقدم الصناعي و الاجتماعي و السياسي ، يتطلب والحال هذه من العرب إن يكونوا مستعدين للدخول في مرحلة من التحدي الحضاري معها ، وهي مرحلة قد تكون أصعب من مرحلة التحدي العسكري للكيان الصهيوني التي انتهت ، أو قاربت على الانتهاء ، وبالتالي القبول الهوية الجديدة « الشرق أوسطية » التي تتموقع فوق هويات شعوب المنطقة – باعتبارها حاملة لواء الحضارة والتقدم والأمل في تغيير المجتمعات ، وحل مشكلات النمو الاقتصادي والحريات الفردية والجماعية، والليبرالية السياسية ، وبشائر الديمقراطية ، والتطور الاقتصادي و الاجتماعي المتناسق، والتبعية الثقافية .
فالمدقق في هذا المفهوم « الشرق أوسطي » الذي يروج له هذا التيار التبشيري ، من الذين لهم مصالح تجارية واقتصادية ، ونفع ذاتي ، ومصالح ضيقة ، وقصر نظر سياسي ، ومن المتذمرين من فساد أحوال مجتمعاتهم ، ومن المنظرين » للتغريب « الثقافي ولمفهوم » الكونية « يرى فيه سياسة تستهدف تحقيق السلام بين الكيان الصهيوني والدول العربية ، بما يعني انهاء حالة الحرب والعداء ، والاعتراف بشرعية الاحتلال الاستيطاني لفلسطين ، وإقامة علاقات سياسية واقتصادية وتجارية طبيعية معه ، وإنهاء حالة المقاطعة الاقتصادية العربية له .
فالسلام والتطبيع شيئان متلازمان ويعنيان الانتقال من حالة الحرب والعداء والمقاطعة للكيان الصهيوني إلى عكس هذه الحالات جميعها ، لكي يكتشف العرب في ظل التبشير بمفهوم
« الشرقأوسطية » انهم كانوا على خطأ طيلة المرحلة التاريخية السابقة ، وكانوا يعيشون في ضلال ، وليكتشفوا أيضاً بأن الكيان الصهيوني هو البوابة الحقيقية والمنفذ الوحيد المناسب للتصدير إلى أوروبا ، تتنافس دول المنطقة على كسب وده ، حيث أصبحت إسرائيل القناة الوحيدة لتصدير التكنولوجيا إلى الدول العربية ، وتلقين علمائها ومهندسيها وفلاحيها .
و كان شمعون بيرس رئيس دولة الكيان الصهيوني قد كشف في كتابه » الشرق الأوسط الجديد « عام 1993، عن هذه المغالطة الكبيرة التي يروج لها التيار التبشيري ، حين يقول بأن إسرائيل حسب مفهومه : » دولة متقدمة في محيط متخلف من البلدان العربية التي ترحب بالدور الإسرائيلي القيادي على كافة الصعد الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية والثقافية « . وهذه الرؤية لا تختلف في شيء عن المرتكزات الإيديولوجية لمؤسس الحركة الصهيونية العالمية ولدور الكيان الصهيوني الاقتصادي في الوطن العربي ، وتلتقي الدراسات الأميركية و الصهيونية في مضمونها الاستراتيجي ، مع رؤية ومساعي « الشرق أوسطية» الصهيونية التي لا تخفي مطامعها الاقتصادية ، التي تعتبر اقامة العلاقات الاقتصادية تحت ستار تحويل الصحارى إلى جنات خضراء ، وإشاعة السياحة والازدهار فيها ، ورفع المستوى المعيشي والثقافي لشعوب المنطقة، بداية التغلغل والانخراط في المنطقة العربية عامة ، وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها بخاصة . ولا يمكن إن نفصل الدور الاقتصادي الذي يريد الكيان الصهيوني ممارسته في الوطن العربي عن ثلاث محددات رئيسية تتحكم في أولهما : ارتباطه بالراسمالية اليهودية و الصهيونية العالمية ، وثانيهما : ارتباطه بالامبريالية العالمية مع المصالح والأطماع الصهيونية في قضية جوهرية في استغلال خيرات المنطقة العربية ، وخلق وقائع اقتصادية كالتجارة والسياحة واستغلال الثروات والبيئة وغيرها ، يمكن إن تشكل ضمان الأمن الصهيوني المستقبلي ، وثالثهما : التطابق في المفهوم الأميركي و الصهيوني للسوق
الشرق – أوسطية ، والتخطيط للتغلغل الاقتصادي في الوطن العربي ، والسيطرة على ثروات الأمة العربية ، نظراً لارتباط الكيان الصهيوني بالرأسمالية العالمية ، وبالعولمة الرأسمالية الجديدة في بعدها الكوني ، وفي طموحه أن يصبح مركزاً للاستثمار في المنطقة .
2-الشيخ راشد الغنوشي قام بالتطبيع أيضا من أجل قبول النهضة أميركياً
و عندما فجرت الثورة التونسية في بداية عام 2011 ما بات يعرف ب«الربيع العربي»تمثل المعيار الغربي الأساسي في تقويمه لربيع الثورات العربية، في الموقف الذي تتخذه الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في كل من تونس و المغرب و مصر وليبيا في نهاية عام 2011، وبداية عام 2012، من الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، والذي يحظى بالرعاية الكاملة من الغرب . فهناك علاقة قوية أساسية سابقة بين الدول الغربية الاستعمارية و المشروع الصهيوني ، أصبحت تحالفاً استراتيجياً دائماً بعد إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948 ، الذي عمل على إجلاء ونزع ملكية الأرض من الشعب الفلسطيني ، من خلال حروب الصراع العربي- الصهيوني المتكررة ، و 64عاماً من الاحتلال الاستيطاني. وأصبح هذا التحالف الاستراتيجي بين الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة الأميركية ، و التدفقالحر للنفط، محور الاستراتيجية الأميركية في العالم العربي عامة ، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط .
وقد سجّل الزعماء الإسلاميون الجدد لكل من حزب النهضة الإسلامي في تونس ، وحزب العدالة و التنمية في المغرب الجدد في منتدى دافوس، يوم الجمعة 27 يناير/ جانفي 2012، عدداً من المواقف اللافتة التي في مجال التطبيع مع إسرايل، قد تساهم في توسيع دائرة التساؤلات حول صعود القوى الإسلامية في المنطقة ومستقبل علاقاتها مع القضايا الإقليمية الأساسية. وتمثل أولها بالحديث إلى إذاعة «صوت إسرائيل» للشيخ راشد الغنوشي ،زعيم حركة «النهضة » الإسلامية وعبد الإله بن كيران رئيس الوزراء المغربي ، حيث قالا بأن مستقبل علاقات حكومتيهما مع الدولة الإسرائيلية «يحكمه التوصل إلى حلّ للقضية الفلسطينية»، فيما طلبوا الدعم من الدول الغربية، محاولين التشديد على «اعتدال» حركاتهم الإسلامية بعبارة توجّهوا بها إلى الغربيين أكثر من مرة هي: «ماذا تريدون أكثر من ذلك؟.».
فقد أكدت إذاعة «صوت إسرائيل» على موقعها الالكتروني الناطق بالعربية أن زعيم حركة «النهضة» الإسلامية التونسية الشيخ راشد الغنوشي ورئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران، قالا لمندوب الإذاعة الإسرائيلية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إن «على الفلسطينيين أن يقرروا بأنفسهم بشأن طبيعة علاقاتهم مع إسرائيل»، وذكرت الإذاعة أنهما «أكدا أن الحركات الإسلامية ستتصرف بموجب القرار الفلسطيني». ورأى الغنوشي أن «مستقبل علاقات بلاده مع اسرائيل يحكمه التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية».
ويأتي هذا الحديث للشيخ راشد الغنوشي متسقاً مع الزيارة التي قام بها للولايات المتحدة الأميركية في شهر ديسمبر 2011،حيث كشفت مصادر أكاديمية عربية وأميركية في واشنطن أن زعيم تنظيم الأخوان المسلمين ل«حركة النهضة» في تونس ،الشيخ راشد الغنوشي، قد حل ضيفاً في شهر ديسمبر 2011على «معهد سياسات الشرق الأدنى » في العاصمة الأميركية ، المعروف بأنه « المعقل الفكري» للمحافظين الأميركيين الجدد وغلاة المتعصبين لإسرائيل والحركة الصهيونية في الولايات المتحدة .
وقالت هذه المصادر إن الشيخ راشد الغنوشي الذي كان ممنوعا طوال 20 عاما من دخول الولايات المتحدة على خلفية تصريحاته في العام 1991 دعما لصدام حسين وتهديداته باستهداف الولايات المتحدة، وصل إلى الولايات المتحدة بدعوة من مجموعة «الإيباك» (لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائيلية) و « معهد سياسات الشرق الأدنى» ومراكز أخرى شبه حكومية بهدف « تقديم منظورات سياسية مستقبلية للباحثين وصانعي القرار في العاصمة الأميركية عن دور الأخوان المسلمين في تونس وشمال أفريقيا والعالم العربي ،وعلاقتهم بالولايات المتحدة في المستقبل ، و رؤيتهم للصراع العربي ـ الإسرائيلي».
وكشف الباحث في معهد سياسات الشرق الأدنى ، مارتن كريمر ، لـصحيفة «الحقيقة» أن الغنوشي «تنصل في جلسة خاصة من تصريحاته السابقة الداعمة لحماس وحكومتها في غزة ، ومن موقفه الذي دعم فيه حكومة الطالبان الأفغانية في مواجهة الولايات المتحدة ، ولكن بعد أن رفض تسجيل حديثه»! وقال كريمر « عندما سألناه عن ذلك ، قال إني لا أذكر تصريحات من هذا النوع ، وعندها عرضنا له تسجيلا مصورا ، فأسقط في يده»!.
على الصعيد نفسه ، كشفت مجلة « ويكي ستاندارد » التابعة للمحافظين الجدد أن الغنوشي، وخلال جلسة مع باحثي المعهد أكد أن الدستور التونسي «لن يتضمن إشارات معادية لإسرائيل أو الصهيونية» ، وأنه « لم يعد يتفق مع مقولة إيران وآية الله الخميني عن أن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر» . وبحسب مارتن كريمر ، فإن الغنوشي وحركته أصبحا اليوم ، بعد ثلاثة عقود من تبني الإسلام الجهادي المعادي للغرب ، جزءا مما بات يسمى اليوم بـ«الإسلام التركي ـ الأطلسي».
عندما كان الشيخ راشد الغنوشي في المعارضة، قبل اندلاع الثورة التونسية، كانت حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها، تعتبر أكبر حركة معارضة جدية للحكم التونسي نظرا لثقلها السياسي و الشعبي ، ووزنها على صعيد العالم الإسلامي ، و مجموعة صغيرة من حزب التحرير ، و مجموعة صغيرة من جماعة التبليغ ، و جبهة الإنقاذ الإسلامية التونسية ، و هي مجموعة ظهرت تأثرا بالجبهة الإسلامية للانقاذ الجزائرية، تعارض التطبيع مع الكيان الصهيوني . .
3- حركة النهضة رفضت التطبيع عندما كانت في المعارضة
كانت حركة النهضة الإسلامية تشكل طرفا سياسيا مهما على الساحة التونسية ، كان يوازن بقوته قوة الدولة التونسية في عقد الثمانينيات و بداية التسعينيات ، قبل أن يتم ضرب بنيتها التنظيمية و الشعبية في تونس . و تتميز حركة النهضة التونسية عن سائر الحركات الإسلامية العربية و الإسلامية ، أنها تجسد خطاً إسلامياً مستنيراً ، يحاول أن يجسد قطيعة مع الإيديولوجيا التقليدية والمنهج التقليدي . و على الصعيد السياسي تعتبر القضية الفلسطينية حقاً للأمة لا يجوز التنازل عنه ، و تدعو إلى السعي لتحريرها و رفض الحلول غير العادلة ، و التهافت على التطبيع مع الكيان الصهيوني ، مهما كانت المبررات والمنافع . و هي بذلك تسير على خطى الحركات الإسلامية الجهادية في العالم العربي التي تقاوم الآن الكيان الصهيوني و العربدة الأمريكية .
و ينبع هذا الموقف الأصيل لحركة النهضة إزاء قضية فلسطين و التطبيع من قراءتها الصحيحة لدور الإسلام التاريخي في تحرير فلسطين ، و استعادة كامل الحقوق المغتصبة .
و قد عبرت حركة النهضة عن معارضتها لتصفية القضية الفلسطينية ، وفرض التطبيع على الشعب التونسي بالقوة و القسر ، إذ تعتبر أن ما قامت به الحكومة التونسية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، لا يمثل الشعب التونسي و قواه الحية الرافضة للاستسلام ، إذ إن تلك الخطوة من التقارب بين الحكم التونسي و الكيان الصهيوني في عام 1994، كانت تشكل مساندة صريحة و متبادلة لإرهاب الدولة الذي تمارسه «إسرائيل » في فلسطين و لبنان.
و حركة النهضة التي تتناقض مع سياسات الحكومة التونسية في عهد بن علي وخياراتها ، طالبت بإغلاق المكتب الصهيوني و قطع العلاقات الدبلوماسية مع الصهاينة ، و دعت الشعب التونسي و قواه الحية إلى التمسك بالثوابت الإسلامية و الوطنية ، و معارضة سياسة التراجع و التنازلات للعدو الصهيوني ، و أكدت أهمية الموقف العربي و الإسلامي المتضامن في التعامل مع الغطرسة الصهيونية ، و مواجهة سياسات الهيمنة و التمييز التي يمارسها التحالف الأميركي-الصهيوني ضد العرب و المسلمين .
مازال الموقف من القضية الفلسطينية يشكل في الذهن الجماعي التونسي حدا فاصلا بين العداء و التطبيع مع الكيان الصهيوني ، على الرغم من أننا لم نعد نشهد في تونس مظاهرات شعبية كما في السابق بمجرد حدوث صدام مسلح بين العرب و الفلسطينيين من جهة ، والصهاينة من جهة أخرى . و منذ أن تم توقيع اتفاقات اوسلو-واشنطن القاهرة بين القيادة الصهيونية و قيادة الفلسطينية في 13 سبتمبر 1993، و تقديم المحيطين بياسر عرفات و النظام التونسي ذلك الاتفاق و كأنه النصر الحاسم و مفتاح الدولة الفلسطينية الذي كان مفقودا و تم العثور عليه ، تباينت المواقف من التطبيع مع العدو الصهيوني في صفوف المعارضة التونسية بين مؤيدين لخط التسوية ، الذين يرون في الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود هو طريق الاستقلال ذاته الذي ارتضته السلطة الفلسطينية ، و بين معارضين لكل ذلك جملة و تفصيلا ن معتبرين ان الانخراط في الكفاح من أجل تحرير فلسطين و معاداة الكيان الصهيوني ، كان و مازال يعتبر واجباً قومياًودينياً ، و يشكل احد المقومات و الثوابت الوطنية للشعب التونسي .
ونظراً للإلتباسات الحاصلة حول موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد جزم رئيس حزب النهضة التونسي الشيخ راشد الغنوشي أن تونس لن تعترف أبداً بإسرائيل. وقال الغنوشي، في حوار مع المشاركين في «مؤتمر الثورات والانتقال إلى الديموقراطية» الذي نظمه مركز دراسات الوحدة العربية والمعهد السويدي في الإسكندرية في مدينة الحمامات التونسية، إن حكومة تونس تريد الفصل بين علاقات تونس بالغرب والموقف من إسرائيل. ورداً على سؤال للصحافي محمد نور الدين اللبناني ،و القريب من حزب الله، عن موقفه من الاعتراف بإسرائيل، قال الغنوشي إنه لا يوجد خلاف بين الحركات الإسلامية على أن فلسطين هي القضية المركزية. وأضاف «لن نعترف أبداً لا بالاحتلال ولا بالكيان. ولا داعي للغرابة، ففلسطين موضع إجماع كل الإسلاميين والقوميين».وعما إذا كان الغرب يوافق على هذا الفصل، قال إنه في كل مرة كان يجتمع فيها إلى المسؤولين الغربيين كانوا يضعون موضوع إسرائيل على الطاولة. وكنا نقول لهم إننا لا نريد الربط بين الموضوعين، وإلا سنضع في المقابل مسألة كوبا على الطاولة. وعما إذا كان واثقاً من أن الغرب اقتنع بذلك أجاب أنهم في الاجتماعات الأخيرة لم يعودوا يثيرون معنا موضوع إسرائيل، مؤيداً أن الغرب ماكر ومناور. وقال «هذا موقفنا ولن نحيد عنه».
*كاتب وباحث تونسي
# صحيفة الشرق، تيارات، الجمعة 31جانفي 2014