دارنا المنكوبة
(في دراما المشهد المأساوي، ضاعت كتبي، ضاعت مئات السيديات وآلاف الصور والوثائق، وطارت معها مئات التسجيلات والمقابلات مع رعيل كامل من المناضلين الفلسطينيين منهم على سبيل المثال وليس الحصر مقابلات مسجلة مع الراحل أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، أجريت عام 1979 قبيل وفاته بوقت قصير عندما كنت طالباً جامعياً في سنواتي الأولى.
ودمرت مجلدات فلسطين الثورة التي كنت أحتفظ بها منذ صدورها وغيرها من المطبوعات الفلسطينية، وضاعت معها مجلدات مجلة فتح وأعدادها الأولى منذ العام 1965، ومئات الملصقات القديمة ومنها المصلقات بقلم الفحم، والصادرة سنوات الكفاح الفلسطيني المعاصر خصوصاً سنوات البدايات الأولى سنوات الجمر الفلسطيني ومنها صور قوافل الشهداء الأولى وملصقاتهم، وضاع معها تاريخ شخصي ووطني، ملىء ومُتخم بوثائق فلسطينية تكاد توازي موجودات كل ماهو مكتنز لدى الجهات الفلسطينية العاملة في المضمار الثقافي والتوثيقي والمعرفي. فقد كانت مكتبتي مرجع لكل فصيل من فصائل العمل الوطني من اقصاها لأقصاها كان يريد الحصول على مطبوعة ما كانت قد صدرت عنه في سنوات غابرة. فكم هم سفلة ومجرمين وأوغاد هؤلاء المعتدين، وكم هم جهلة ووحوش ضارية فعلوا بنا وبمخيمنا أكثر مافعله المغول وهولاكو عند غزو بغداد). لقد سرقوا منّا حتى الذكريات والصور ورائحة حارة الفدائية ومخيم اليرموك ... وﻷسف مازال البعض عاجز عن رؤية الحقيقة.
نحنُ من أقدم العائلات اللاجئة الفلسطينية التي أسست وأقامت مخيم اليرموك، بل من العائلات الأُولى المحدودة العدد التي وضعت اللبنات الأُولى لمخيم اليرموك صيف العام 1954 ولحارة الفدائية وإمتدادها، عندما بدأت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا بتوزيع الأراضي على العائلات اللاجئة الفلسطينية بواقع (48) متر مربع للعائلة الواحدة وهو ما أطلق عليه مسمى (نُمرة للعائلة الواحدة)، لَكنَ نصيبنا كان نمرتين واحدة لعائلتنا وواحدة لعمتي العزباء (فاطمة)، التي مالبثت أن تزوجت وسافرت للأردن ومنحتنا نمرتها.
نحن من العائلات الأُولى في مخيم اليرموك حين لم يكن يتجاوز عدد سكانه عشرين عائلة لاجئة فلسطينية صغيرة العدد، رمتنا الأقدار من مدينة حيفا من وادي النسناس حيث جذورنا مازالت حيه بأهلنا وعائلتنا هناك في وطن النكبة السليب الذي داسته أقدام الفاشية الصهيونية إلى الشام بلد اللجوء الشقيق وإلى مخيم اليرموك الذي دمرته أو كادت تدمره الوحوش الهمجية.
تَشَظّت عائلتنا، فبقي (90%) منها زيتوناً وزعتراً مغروساً على أرض فلسطين السليبة، في قلب مدينة حيفا وفي حي وادي النسناس لجهة والدتي (عائلة عابدي) وتوزعت عائلة والدي على إمتداد الضفة الغربية في منطقتي نابلس وطولكرم.
رحلة المآسي في التراجيديا الفلسطينية، جعلتنا الآن العائلة المنكوبة بعد النكبة الأولى في مخيم اليرموك كغيرها من مئات العائلات من مربع المخيم الأول، عندما جرى نهبُ بنايتنا التي كان يقطنها إخوتي وعوائلهم. فقد نُهب كل شيء فيها ولم يتبقى حتى دفتر أو كتاب أو برغي أو سلك أو شريط، أول أي شيء أخر، وهو ماوقع في المنطقة بأسرها. ونحن نقول : حسبنا الله ونعم الوكيل.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، وكما يقولون مع الموت غصة وعشرين غصة، ففي مشهد المُستنقع البشع وفي سياق التطاحن الدموي، نُسفت البناية (وأقصد بنايتنا) بأكملها قبل عدة أيام ومعها عدد من الأبنية المجاورة، منها بناء عائلة دمشقية (عائلة الأكتع) وبناء عزت قادرية من أبنا بلدة شفاعمرو الفلسطينية وغيرها ... كما دُمر ونُسف قبلها الكثير من الأبنية على تخوم المُربع ذاته، وفي مناطق شارع الثلاثين (شارع الشهيد عدنان غانم) الموازي والقريب من حارة الفدائية في بداياته....
في دراما المشهد المأساوي، ضاعت كتبي، ضاعت مئات السيديات وآلاف الصور والوثائق، وطارت معها مئات التسجيلات والمقابلات مع رعيلٍ كامل من المناضلين الفلسطينيين منهم على سبيل المثال وليس الحصر مقابلات مُسجلة مع الراحل أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، أجريت عام 1979 قبيل وفاته بوقت قصير عندما كنت طالباً جامعياً في سنواتي الأولى. ودمُرت مجلدات فلسطين الثورة التي كنت أحتفظ بها منذ صدورها وغيرها من المطبوعات الفلسطينية، وضاعت معها مجلدات مجلة فتح وأعدادها الأولى منذ العام 1965، ومئات الملصقات القديمة ومنها المُصلقات بقلم الفحم، والصادرة سنوات الكفاح الفلسطيني المعاصر خصوصاً سنوات البدايات الأولى سنوات الجمر الفلسطيني، ومنها صور قوافل الشهداء الأولى وملصقاتهم، وضاع معها تاريخ شخصي ووطني، ملىء ومُتخم بوثائق فلسطينية تكاد توازي موجودات كل ماهو مُكتنز لدى الجهات الفلسطينية العاملة في المضمار الثقافي والتوثيقي والمعرفي. فقد كانت مكتبتي مرجع لكل فصيل من فصائل العمل الوطني من أقصاها لأقصاها كان يريد الحصول على مطبوعة ما كانت قد صدرت عنه في سنوات غابرة. فكم همُ سفلة ومجرمين وأوغاد هؤلاء المُعتدين، وكم همُ جهلة ووحوش ضارية فعلوا بنا وبمخيمنا أكثر مافعله هولاكو والمغول عند غزو بغداد.
بنايتنا، بيتنا، في حارة الفدائية وإمتدادها، حارة المخيم الأولى، حارة أنبل الناس القادمين من فلسطين من الجليل وحيفا وصفد عام النكبة الذين خالطهم الدمشقيون بين بيوت الحارة، دمشقيو حي الميدان، ودمشقيو حي الشاغور.
حارة الفدائية، في مخيم اليرموك، أقدم حاراته وأروعها، نُكِبت وتُنتَكب في لعبة دموية مؤسف ومؤلمة، بعد أن كانت ومازالت منارة في مسار الثورة والكفاح الفلسطيني، فهي إسمٌ على مُسمى.
حارة الفدائية، مدخل مخيم اليرموك، حارة فدائيي القوافل الأولى من حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حارة الكتيبة (68) أو كتيبة الفدائيين أو كتيبة الإستطلاع الخارجي، التي سقط العديد من أعضائها شهداءاً على أرض الجليل شمال فلسطين منذ بدايات النكبة، حارة الشهيد سبع السباعي من بلدة ترشيحا قضاء عكا، حارة الشهيد علي الخربوش إبن عرابة البطوف في الجليل الفلسطيني، كما هي حارة الشهيد مفلح السالم ومفلح ياسين من صفورية قضاء الناصرة، كما هي حارة الشهيد حسين شحرور من علما قضاء صفد، وابو فالح من الشجرة قضاء طبرية، ولطفي قادرية من شفاعمرو، ومحمد فارس من الشجرة، وناصر الكبرا من صفد، وحارة الشهيد الرائد عمر جربوني بطل التصدي لقوات الغزو الصهيوني في مثلث خلدة في ضواحي بيروت الجنوبية صيف العام 1982 ....إلخ.
حارة الفدائية، منها خَرَجَ أصغر فدائيين فلسطينيين عمراً عام 1965 محمد يعقوب من طيرة حيفا وسمير حبيشي من عكا، اللذين خاضا معارك الثورة الفلسطينية بمحطاتها المختلفة منذ إنطلاقتها المعاصرة، واللذين طالما صرخ ياسر عرفات باسمهما في مؤتمر حركة فتح العام الخامس في تونس عام 1989.
حارة الفدائية هي الحارة الأُولى التي وضعت على أرضها اللبنات الأولى لمخيم اليرموك ومداميكه بيوته البسيطة منتصف العام 1954 عندما قَطَنَها عدة مئات من اللاجئين الفلسطينيين من قاطني المساجد والجوامع في حي الميدان الدمشقي ومعه حي الشاغور.
حارة الفدائية كانت البداية لنهوض مخيم اليرموك الذي شَهِدَ بعد ذلك قفزة عمرانية بدأت منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. كما هي الحارة الأولى التي صنعت المثوى الأول والمقبرة الأولى لشهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة في مخيم اليرموك، عندما بدأت تتوالى عمليات الإستشهاد.
حارة الفدائية، وموضع بنايتنا التي دُمرت، زارها مفتي فلسطين المرحوم الحاج محمد أمين الحسيني عام 1955، وأطلق من بين بيوتها المتواضعة في حينها إسم اليرموك على هذا التجمع الفلسطيني ليصبح هذا التجمع هو مخيم اليرموك، منبت الأبطال والفدائيين، التربة الخصبة التي إندلعت من منها إرهاصات وشرارات الثورة الفلسطينية المعاصرة .
قدمت حارة الفدائية عشرات الشباب من أبنائها في معمعان العملية الكفاحية الوطنية الفلسطينية خلال العقود الماضية من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة في كل ساحات العمل الوطني وعلى أرض فسطين من الساحة الأردنية إلى الجولان السوري إلى الداخل الفلسطيني إلى حصار بيروت إلى معارك الدفاع عن الثورة والمنظمة والمقاومة في حرب المخيمات الظالمة التي شنت عام 1985 ضد شعبنا وأهلنا في لبنان والتي كان فيها فلسطينيو سوريا وشبابهم في مقدمة المدافعين عنها وقد سقط منهم غالبية شهداء مابات يعرف بحرب المخيمات في لبنان.
حارة الفدائية في مخيم اليرموك، كانت تشتعل دوماً ملتهبة في قلب الحدث، وفي صدارة المشهد والمسرح الدموي لما يجري بحق مخيم اليرموك وحق أبنائه بعد غربة قسرية ثانية طالت معظم سُكانه، فهي حارة مُشتعلة بالإشباكات والقصف غير المبرر بعد أن تم تحويلها لميدان التقاتل العدمي والعبثي الذي لن يفضي إلا لشيء واحد هو الدمار والدمار وحده لاغيره.
حارة الفدائية كانت ومازالت عنواناً بارزاً في مخيم اليرموك، يشمخُ بها المخيم، ويشمخُ بها الشعب الفلسطيني، ففي أزقتها القليلة العدد لعلع الرصاص ليل نهار، وأنطلقت بين جنباتها قذائف الـ (بي سفن) وسقطت عليها القذائف والصواريخ. وقد سقط من أبنائها عدة شهداء كان منهم في الفترة الأخيرة الشهيد (وسام نعيم القاضي) بقذائف الموت اللعينة، وابنها الشهيد (معاوية شنار) برصاص القنص الغادر، فالتصارع والتطاحن تم على جسد الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك المكلوم بالجراح أصلاً.
حارة الفدائية، وإمتدادها ساحة (الريجه) إلى شارع اليرموك، وإلى غربها شارع الناصرة، ناصرة الجليل والمسيح، أو مايسمى بشارع راما (نسبة لمحل تجاري يبيع السيراميك يدعى معرض راما) وفي سوق السيراميك هي أيضاً منطقة تتاطحن دموي على جسد الفلسطينيين.
حارة الفدائية مطوقة بين شارعي الناصرة (راما) واليرموك، وشارع الثلاثين وبساتين سبق أن أكلنا من ثمارها وغَرسِها من شجر التوت الشامي والمشمش والجوز والدراق والتفاح، بساتين عائلة (أبو علي القاروط) الدمشقية التي أَحبّت وعشقت الفلسطينيين أكثر من عِشقِها للدمشقيين. وهي تغلي الآن في آتون اللهب ومِرجل الأزمات.
حارة الفدائية ذاكرة فلسطين، وتنوع أهاليها من منابتهم الفلسطينية من حيفا، عكا، طبريا، الناصرة، يافا، صفد، الطنطورة، الطيرة، عرابة البطوف، علما، الرأس الأحمر، صفورية، ترشيحا، أبو سنان، لوبية، الشجرة، وشفاعمرو، كفركنّا ...
حارة الفدائية، ذكريات الطفولة والفتوة والشباب، في مخيم عظيم هو مخيم اليرموك، ذكريات الدراسة بين بساتين الشاغور، بساتين عائلة القاروط المجاروة لها، هو، هو، مخيم اليرموك عنوان حق العودة، عنوان الطريق إلى يافا وحيفا وصفد وعكا وطبريا واللد والرملة، إلى الوطن السليب هناك... وعنوان الصراع المستمر مع المشروع الصهيوني.
إن من إستهدف أو يستهدف مخيم اليرموك، يستهدف الوطنية الفلسطينية، ويستهدف في الوقت نفسه البعد العربي والإسلامي الحقيقي والفعلي لقضية فلسطين، فأتركوا مخيم اليرموك وأهله، فإن أجزل وأثمن خدمة وهدية تقدم للعدو الصهيوني تكمن في التطاحن والصراع على جسد الشعب الفلسطيني وفي تدمير عنوان العودة بتدمير مخيم اليرموك.
نقول وفي صرخة حق، ومحبة، وتأخي حقيقي ومتين، ودون أحقاد، ودون خلفيات، ولكل الأطراف : إرحموا شعبنا، إتركوه في مصائبه، إتركوا مخيم اليرموك، وعودوا للغة المنطق، لغة إعمال العقل والتمعن بمايجري ومآلات ذلك في المستقبل القريب، وأخرجوا جميعاً من مخيم اليرموك، وأعيدوا له الأمن والإطمئنان كما كان ملاذاً آمناً وباحة حرية وتنفس للجميع، ففي مخيم اليرموك يستوي الجميع بالأمن والإستقرار، والمعيار هو، هو، ذاته لنا كفلسطينيين، بوصلة وبندقية تتجه نحو فلسطين، هي بوصلتنا التي يجب أن لاتضل طريقها وأن لاتعيد تكرار مآسي سبق وأن دُفِعَ الفلسطينيون دفعاً نحوها في الحرب الأهلية اللبنانية وغيرها على سبيل المثال، وقد دفعوا في نهاية المطاف أكلافها الباهظة قد إنقلبت عليهم بنتاجها وخواتيمها، فإتفاق الطائف اللبناني (جَبَّ ماقبله) بالنسبة لكل اللبنانيين حتى بالنسبة لأولئك مجرمي الحرب الأهلية وأياديهم المسربلة بالدماء لكنه لم (يَجِبَّ ماقبله) بالنسبة للفلسطينيين فعوملوا بقسوة إضافية بعد إتفاق الطائف، وحرموا من التملك وحرموا من ممارسة أكثر من (73) مهنة، وغير ذلك من الإجراءات التي لاتليق ببلد حضاري أو حتى شبه حضاري.
إن يد الفلسطينيين وخيارهم الوطني والأخلاقي مع سورية والشعب السوري قولاً واحداً، لكن الخيار إياه لايترجم إلا بحياد (إيجابي) يفتح الطريق لوقف نزيف الدم والدمار الداخلي في بلد يستعد الفلسطينيون دوماً للموت من أجله كما نموت من أجل فلسطين في أي مواجهة خارجية مع عدو خارجي يستهدف سورية وشعبها.
إن حارة الفدائية ومربع مخيم اليرموك الأول والممتد من بداياته على شارع اليرموك وتحديداً من حارة الفدائية وجوارها المحيط، وخلف مشفى الرحمة وصولاً لساحة الريجه ومنطقة المحكمة، بحاجة لإعادة إعمار جديدة في المرحلة التالية، وبحاجة ليد الجميع من أجل مساعدة سكانه وقاطنيه بكل السبل والوسائل الممكنة، فهم شُهّاد النكبة والعلامة الفارقة التي تؤشر لفلسطين وحق العودة. وعليه على السلطة الوطنية الفلسطينية وكل فصائل العمل الوطني والأصدقاء وأنصار فلسطين وأبنائها في دياسبورا المنافي والشتات مد اليد من أجل إعادة الحياة لمخيم اليرموك في المرحلة التالية من أجل إعادة إعمار مادُمرَ منه وخصوصاً في مربعه الأول، ومساعدة المنكوبين من أبنائه الذين كانوا على الدوام في قلب الثورة والمقاومة على إمتداد المسيرة الكفاحية الخالدة للشعب الفلسطيني منذ بواكير العمل الوطني.
تركوك يايرموك وياشعبي من فلسطينيي سوريا، فأنا لا أبكي ولا أندب بيتاً ومنزلاً، ولاخسارة كبيرة قصمت ظهر أسرتي وعوائل إخوتي ودمرت مشوار طويل من العناء والكد والتعب، وذهبت بذكرياتي وبكل حبة عرق سالت على جبيني وجبين إخوتي في بناء منزلنا الذي حفرنا طريقنا من أجل إنجازه بأظافرنا على الصخر الصلد والقاسي، لكن أحترق وأذوب آلماً، على بكاء والدتي التي شهدت نكبات وعاشت وقائع فصول مآسي شعبنا منذ عام 1948 وقد تجاوزت عامها التسعين وهي ترى بيتها ودارها تُنسف في اليرموك بعد أن شاهدت وأبصرت إقتلاعها وزوجها وأولادها الثلاث في حينها من وادي النسناس في حيفا داخل عمق الوطن السليب في فلسطين. كما أحتَرِقُ آلماً على شعبٍ مازال سيفُ الُظلمِ والتنكيل والتبشيع والشيطنة يُلاحقُهُ، وظُلمُ ذوي القُربى أشدُ مضاضةً، فقد ظُلم شعبنا مراراً، وكان على الدوام الضِلعُ الضعيف في مُعادلة مُعقدة ومُنحطَة في الوقت نفسه، وشخصياً دفعت مرات ومرات أثمانٍ باهظة في موقف وطني، ومنها إصابة كادت أن تودي بحياتي في مسار عمل كفاحي ووطني من أجل شعبي الفلسطيني، ومن أجل راية وطنية وقومية، وراية إنسانية قبل كل شيء.
التحية لمربع مخيم اليرموك الأولى من حارة الفدائية إلى ساحة الريجه وإلى أخر متر من أرض مخيم اليرموك الذي إصطبغ بالدم الأحمر القاني بدماء زهرات الشباب والشابات وحتى دماء كهول وأطفال اليرموك، وأصطبغ بلون فلسطين، ولنَشُدَ سواعدنا من أجل إعادة الحياة لهذا التجمع ودرء مخاطر تفكيكه وتفكيك وإلغاء رمزيته.
التحية لمخيم اليرموك أول الرصاص، أول الثورة الفلسطينية المعاصرة، أول مثوى للشهداء وثاني مثوى للشهداء، مثوى شهداء الجولان والأردن والعرقوب وكل موقع روته دماء أبناء فلسطين، مثوى محمد حشمة، أبو علي المدني، محي الدين محمد، ممدوح صيدم، وائل زعيتر، عاطف سرحان، أبو خلدون التعامرة، محمد صافي شما، أبو جاسر الكفري، عبد الحميد أبو سرور، صالح أبو عفار، خالد كوسا، إسماعيل صيام، عبد الكريم الكرمي، هنريك جي، زهير محسن، سعد صايل، طلعت يعقوب، خليل الوزير، محمد عباس، فتحي الشقاقي، جهاد جبريل، فهد عواد، نمر صالح، أبو الوليد الرومي، محمود المبحوح، وقوافل الأُلوف المؤلفة... مخيم المُعسكر الأول، البندقية الأولى، القنبلة الأولى، القلب النابض الأول، مخيم الشهيد فتح الأول أحمد موسى الدلكي من قرية ناصر الدين قضاء طبرية، شهيد جيش التحرير الفلسطيني الأول، شهيد قوات التحرير الشعبية الأول، شهيد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأول خالد أبو عيشة، شهيد القيادة العامة الأول خالد الأمين من يافة الناصرة، شهيد جبهة التحرير العربية الأول نصر الغوري من غور الحولة، شهيد الصاعقة الأول، شهيد جبهة التحرير الفلسطينية الأول .... مخيم الإستشهادي الأول في المسيرة الفلسطينية المعاصرة إبن مدينة يافا الشهيد منير المغربي قائد عملية الخالصة (كريات شمونة).
أخيراً، وكما قال أخي أبو علي حسن عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين : مخيم اليرموك هجرناه ولن يهجرنا ولم نَهجُره طوعاً ، بل هجرنا منه قسراً ، هو مخيمنا اليرموك ، عام على غيابنا عنه ، لم نبع منه متر واحد .. ! ، لكن البارود كان يلاحقنا لنرحل او نموت ، يراد لنا أن نرحل كي ننسى ..ّ! او نموت كي نهزم ونقهر ويموت معنا حلمنا ..! لم يدركوا ان مخيمنا هو لحمنا ودمنا وثقافة حلمنا وذاكرة ثورتنا وجامع شتاتنا ونبع هويتنا ومحطة قطارنا الى حيث ذلك الوطن الجميل .. فلسطين تتجسد في كل زقاق وشارع ومتجر وحاره من يرموكنا ، مرسومة خريطتها بدماء وعذابات ودموع ابناءه ... مخيمنا لن يموت وقطارنا قادم ...
كاتب فلسطيني/مخيم اليرموك
عضو إتحاد الكتاب العرب