"القاعدة".. النشأة العسكرية والتطور العقائدي وتمدد الأذرع من "الجهاد الأفغاني".. إلى "الجهاد العالمي"
علي شقير علي شقير

"القاعدة".. النشأة العسكرية والتطور العقائدي وتمدد الأذرع من "الجهاد الأفغاني".. إلى "الجهاد العالمي"

منذ بدء الاحتجاجات قبل ثلاثة أعوام، واندلاع ما اصطلح على تسميته بـ"الربيع العربي" أو "الصحوة الإسلامية"، توسعت "الحركة الجهادية العالمية" وبرزت في مجموعة من الأماكن الجديدة في جميع أنحاء العالم العربي، كان آخرها في سوريا وليبيا وسيناء وتونس واليمن، وفي دول غير عربية أيضاً، كنيجيريا ومالي وغيرها.

 

وبينما فاجأت هذه الاضطرابات الكثيرين في المنطقة، إلا ان تنظيم "القاعدة" كان توقع حدوث مثل هذه النتائج حين صاغ خطته الإستراتيجيا في العام 2000. وقد تطور ذلك المخطط حتى الآن وفقاً لاستراتيجيا محددة، وإن كان ذلك بسبب وجود قوى وعوامل خارجية وهيكلية اثرت أكثر من جهود "الجهاديين" أنفسهم. ونتيجة لذلك، كانت هذه الحركة في وضع جيد يؤهلها للاستفادة من التطورات الجديدة.
تنظيم "القاعدة" اليوم، يشبه قليلاً فقط تنظيم "القاعدة" أمس. ناشطو التنظيم، أو التنظيمات التي تشبهه إلى حد ما، يمتدون في جميع أنحاء شمال أفريقيا، ومنطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
هذه السلسلة المتباينة من التنظيمات تتضمن بعضاً من التنظيم الأصلي في أفغانستان وباكستان، أو ما يسمى "قدامى المحاربين"، إلا ان معظمها يعتمد على القادمين الجدد من الذين أثّر فيهم "وحي الرسالة القاعدية"، من الشباب "المحروم" الذي يسعى لخوض مغامرة القتال في أعقاب "الربيع العربي".
تنظيم "القاعدة"، أو بالأحرى "الجهاد" تحت راية هذا التنظيم، تحول في عدة مراحل من تطوره على مدى أكثر من عقدين من الزمن.
فلأكثر من 20 عاماً، سخر "القاعدة" الطاقة الجماعية من مختلف الصراعات في الشرق الأوسط وفي جنوب آسيا وأفريقيا، لإدامة النزاع المستمر ضد الغرب. جذب كل صراع في أي بلد مسلم مجموعته الخاصة من المقاتلين الأجانب، من حاملي "الفكر القاعدي"، والذين يعملون تحت مظلته. إلا ان لكل صراع شكلاً وحجماً وقدرة.

النشأة وخريطة الطريق - 1988
لمدة عشر سنوات، تمتد بين العامين 1979 و1989، أصبحت باكستان وأفغانستان وجهة لهجرة عالمية غير مسبوقة للشباب المسلم استجابة لفتاوى "الجهاد" ضد الاتحاد السوفياتي، رداً على غزو أفغانستان حينها
.
فمن الولايات المتحدة وحتى جنوب شرقي آسيا، حيث الغالبية من منطقة الشرق الأوسط، بدأت الهجرة إلى باكستان للانضمام والقتال إلى جانب المقاومة الأفغانية.
حينها، لعب الإسلامي الفلسطيني عبد الله عزام، دوراً أساسياً في إثارة هذه الهجرة العالمية وتنظيمها. فالعظات والدعوات التي أطلقها عزام، للجهاد دفاعاً عن المسلمين الأفغان المضطهدين، وصلت إلى الجماهير في جميع أنحاء العالم عن طريق الإذاعات والمساجد والمجلات والنشرات.
أصبح عزام جامعاً أساسياً للتبرعات من المجتمع الإسلامي الدولي، حيث أسس مكتباً للخدمات في بيشاور، وكان هذا المكتب مركزاً للاستضافة ونقطة انطلاق نحو معسكرات التدريب في أفغانستان.
أحد الشبان الذين وصلوا إلى باكستان وقتها، كان أسامة بن لادن، الشاب السعودي الجامعي الذي أصبح واحداً من الأتباع المخلصين. وتحت وصاية عزام نفسه، أمضى بن لادن فترة وجيزة في القتال جنباً إلى جنب مع المتطوعين العرب في أفغانستان، ولكن الأهم من ذلك، أنه استنسخ نموذج عزام، وأنشأ مكتبه الخاص في بيشاور، لجلب المساعدات، ودعم نظام عبد الله عزام.
في العام 1988، بدأ الاتحاد السوفياتي انسحابه من أفغانستان مانحاً "المجاهدين" الأفغان نصراً مظفراً، إلا انه ترك وراءه جيشاً من المقاتلين الإسلاميين الأجانب.
وبعد انتهاء "الواجب الجهادي"، كان الجزء الأكبر من المقاتلين العرب، غير مرحب به في بلاده، وبالتالي افتقد بوصلة التوجيه والقيادة. غير أن الاحترام الذي ناله بن لادن من "المجاهدين"، بالإضافة إلى ثروته الشخصية، جعلاه في وضع فريد لتسخير طاقات المقاتلين تزامناً مع الانسحاب السوفياتي.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه عزام وغيره أنه يجب إعادة توجيه هؤلاء المقاتلين الأجانب، إلى القتال في فلسطين، ارتأى بن لادن بدلاً من ذلك، إنشاء منظمة مستقلة تعرف باسم "القاعدة". وسعى هذا التنظيم ليكون مركزاً وقاعدة تدريب متكاملة للمساعدة على دعم المقاتلين العرب، للقيام بحملات جهاد أخرى في جميع أنحاء العالم.
وبعد فترة ليست طويلة، قام مجهولون في بيشاور باغتيال عزام، المعلم الذي تحول إلى منافس محتمل لبن لادن، ما مهد الطريق لصعود تنظيم "القاعدة".
وعاد بن لادن إلى السعودية، تزامناً مع غزو العراق للكويت، الذي شكل تهديداً للمملكة. نشوة "الانتصار" في أفغانستان، جعلت بن لادن يعرض جهود قواته المقاتلة الأجنبية من "القاعدة" على الحكومة السعودية، كوسيلة للدفاع عن السعودية ضد أي عدوان عراقي.
وبدلاً من ذلك، سعت السعودية لحماية الولايات المتحدة، وإهانة بن لادن، من خلال إدخال من يعتبرهم بن لادن "الملحدين" إلى الأراضي المقدسة. دان بن لادن جهاراً هذا العمل، وبذلك فُتحت عليه أبواب الغضب السعودي، ونُفي من المملكة.

المرحلة الانتقالية - 1992
في العام 1992، وبعد نفيه إلى السودان، حدد بن لادن مسار تطور "القاعدة" وعملياته ضد الولايات المتحدة. وانتقلت غالبية قيادات هذا التنظيم إلى الخرطوم حيث أنشأ بن لادن أعمالاً مشروعة للتغطية على تحول سري لـ"العنف القاعدي" نحو الغرب
.
الاعتداء الأول لتنظيم "القاعدة" كان في كانون الأول من العام 1992، بتفجير فندق "الجيدور" في اليمن. إلا ان بدائية التنظيم أفشلت الهجوم، حيث قتل التفجير سائحين نمساويين، بينما كانت العملية تستهدف جنوداً أميركيين كانوا في طريقهم لأداء مهمة عسكرية في الصومال.
خلال الأيام الأولى في السودان، أوفد "القاعدة" فرقاً للتكامل والاندماج مع الإسلاميين في جنوب الصومال. ومن العام 1992 وحتى العام 1994، حاول التنظيم، من دون جدوى، تدريب الميليشيات الصومالية، لدفعها الى مهاجمة القوات الغربية وقوات الأمم المتحدة.
فبعد أكثر من خمس سنوات على إنشائه في أفغانستان، فشل تنظيم "القاعدة" في شن أي هجوم له نتيجة مؤثرة، أو على الأقل كسب القدرة على الاجتذاب في مقاومة الغرب.
لذا، واصل بن لادن الضغط على الحكومة السعودية لطرد الأميركيين من أراضيها. فتعرضت السودان بدورها لضغوط دولية، أدت إلى طرد بن لادن المحبط، الذي وجد في أفغانستان مجدداً ملاذاً آمناً، وهذه المرة تحت حماية "طالبان" والملا عمر.

الفتويان الشهيرتان 1996-1998
عودة بن لادن إلى أفغانستان أدت بسرعة إلى شراكة قوية مع "طالبان". فأنشأ تنظيم "القاعدة" معسكرات تدريب في شرق البلاد، لتدريب المسلحين للقتال ضد الهنود في كشمير، بالإضافة إلى تدريب عناصر لدعم جهود "طالبان" لزيادة الأمن في أفغانستان
.
إلا ان الأهم حصل في العام 1996، وفي شهر آب تحديداً، حيث كان الإعلان الرسمي الأول لبن لادن ولـ"القاعدة"، بإصدار فتوى "إعلان الحرب ضد الأميركيين الذين يحتلون أرض الحرمين الشريفين".
والمفارقة هنا، أنه قبل هذه الفتوى، جرى الهجوم على مجمع سكني في مدينة الخبر السعودية، في 25 تموز العام 1996، ووقع بالقرب من شركة النفط الوطنية "أرامكو". ومن المعلوم أن أبراج الخبر كانت تُستخدم لإيواء الجنود الأميركيين.
الفتوى الثانية لبن لادن، صدرت في شباط العام 1998، حيث اقترح مزيداً من التوسع في أهداف "القاعدة" وتنامي قوة شبكتها. وأعلن وقتها إنشاء ما أسماه "الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين". هذه الفتوى كانت بعنوان "الجهاد ضد اليهود والصليبيين"، وشارك في التوقيع عليها العديد من القادة الآخرين من الجماعات الإسلامية، وأبرزهم أيمن الظواهري، زعيم تنظيم "الجهاد" في مصر.
كانت هذه الفتوى، على غرار وعظ معلم بن لادن عبد الله عزام، الذي أكد سابقاً أن "الجهاد" واجب على كل مسلم، وأن الجهاد يجب أن يستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل.
هاتان الفتويان، بالإضافة إلى كتابات الظواهري الاستراتيجية، أسستا لبداية ظهور خلافة عالمية تحكمها الشريعة. وبحسب الفتاوى وما يرويه الظواهري، فإن الدفاع عن المسلمين بسبب الجرائم التي تُرتكب ضدهم، تشمل الوجود الأميركي في شبه الجزيرة العربية، والضرر الذي لحق بالشعب العراقي الناجم عن العقوبات الغربية، واحتلال أراضي المسلمين في فلسطين وكشمير وأماكن أخرى؛ وحتى الذين يدعمون الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (أي، "العدو القريب").
إذاً، فالفكرة لتأمين الخلافة العالمية، كانت بالهجوم على "العدو البعيد"، أي الولايات المتحدة وحلفائها، ما يؤدي إلى إطاحة "العدو القريب" تلقائياً.

تراكم الخبرة 1998-2000

بعد إعلان الحرب رسمياً على الولايات المتحدة، والحماية المؤمنة من قبل "طالبان" في ملاذ بعيد، بدأ تنظيم "القاعدة" برسم خطط عدة، لاستهداف الولايات المتحدة مباشرة.
وباستخدام شبكاته وخبراته من "غزوة" الصومال في أوائل العام 1990، خطط "القاعدة" ونفذ أول هجوم كبير بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي، ودار السلام في تنزانيا في وقت واحد في آب العام 1998. هذا الهجوم المزدوج، الذي أوقع مئات الضحايا، أشار إلى تحول كبير في قدرات "القاعدة" واهدافه.
والجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة ردت على هاتين العمليتين بهجوم بصواريخ "كروز" على مواقع في السودان وأفغانستان، ولكن هذه الهجمات المضادة لم تفعل شيئاً من ناحية تهدئة فورة "القاعدة".
ففي تشرين الأول العام 2000، هاجم تنظيم "القاعدة" المدمرة الاميركية "يو أس أس كول" قرب ميناء عدن في اليمن. هذا الهجوم أسفر عن مقتل 17 بحاراً أميركياً، ولم يثر أي ردة فعل جدية من قبل واشنطن، ما أدى إلى استمرار التنظيم في التخطيط بشكل أكبر لهجمات أكثر تفصيلاً على الولايات المتحدة، من خلال معسكرات التدريب الخاصة به، وشبكته المنتشرة في أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.
وبالعودة إلى العامين 1998 و1999، كان أسامة بن لادن قد أعطى موافقته لخالد شيخ محمد، لإعداد وتنفيذ الهجمات على الولايات المتحدة في 11 أيلول العام 2000، وهو ما يُعرف بـ"هجمات الحادي عشر من أيلول" على برجي التجارة العالميين.