أوكرانيا: ضربة موجعة للاتحاد الأوروبي
عقيل الشيخ حسين عقيل الشيخ حسين

أوكرانيا: ضربة موجعة للاتحاد الأوروبي

بانضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي في تموز/ يوليو 2013، وقبول ترشيح كل من مقدونيا ومونتينيغرو وصربيا وألبانيا والبوسنة، يمكن القول بأن الاتحاد قد اجتذب معظم بلدان أوروبا الشرقية ولم يبق عليه إلا أن يستكمل مسيرته لاجتذاب البلدان المتبقية المشمولة بما يعرف بالشراكة الشرقية وهي، باستثناء روسيا، كل من بيلوروسيا وأوكرانيا ومولدافيا وأرمينيا، وأذربيجان وجورجيا.

لكن ما كان سهلاً خلال العقد الذي أعقب انهيار الاتحاد السوفياتي والذي تميز بالهروع الكبير من قبل جميع بلدان أوروبا الشرقية نحو جنة الديموقراطية والرأسمالية في الغرب، أصبح محفوفاً اليوم بمصاعب وهواجس جديّة. منها الأزمات التي تعصف بمنطقة اليورو والتي قادت العديد من البلدان الأصيلة في الاتحاد الأوروبي كاليونان وقبرص وإيرلندا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال إلى حافة الإفلاس الاقتصادي. ومنها التطورات الكبرى التي شهدتها روسيا في ظل الرئيس بوتين الذي يبدو مصمماً على إعادة بلاده إلى الموقع المتقدم الذي كانت تحتله خلال الحقبة السوفياتية، الأمر الذي يمر إجبارياً في منع تقدم الاتحاد الأوروبي في أوروبا الشرقية.

والأكيد أن ما بات يعرف بالانقلاب الأوكراني الذي نزل مؤخراً على الاتحاد الأوروبي نزول الصاعقة قد شكل لحظة حاسمة من الأرجح أنها ستكون ذات تداعيات خطيرة لمصلحة روسيا وحلفائها على المستوين الأوروبي والدولي.
فالشراكة الشرقية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي عام 2009 والتي يتغذى عليها حلمه بالتوغل إلى خاصرتي روسيا الغربية والجنوبية بدأت بالتصدع قبل أن تخطو خطواتها الأولى. فالعلاقات قد جمدت بين الاتحاد وبيلوروسيا، وأرمينيا أعلنت عزمها على الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الذي تقوده روسيا. أما آذربيجان فقد ظهرت عليها علامات التردد إزاء التقارب مع أوروبا. حتى جورجيا التي كانت تلتهب حماسة خلال فترة حكم ميكائيل ساكاشفيلي للالتحاق بالغرب بدأت تدرك، منذ الصدام العسكري مع روسيا عام 2008، ضرورة عدم الذهاب بعيداً في إغضاب موسكو.

لكن كل ذلك لا يوازي "الانقلاب الأوكراني". فقد كان من المفترض بالاجتماع الثالث في إطار الشراكة الشرقية الذي انعقد في فيلينوس يومي الأربعاء والخميس الماضيين، بحضور رؤساء بلدان الاتحاد الثمانية والعشرين والبلدان المرشحة الستة، أن يحقق قفزة تاريخية كبرى من خلال توقيع أوكرانيا على اتفاقية الشراكة. لأسباب في مقدمتها أهمية اوكرانيا السكانية والاقتصادية مقارنة بالبلدان المرشحة الأخرى. ولكن أيضاً لأهمية الرهان عليها كندّ وازن في وجه روسيا.

والأكيد أن صلف العديد من قادة الاتحاد الأوروبي قد لعب دوراً في ثني أوكرانيا عن توقيع الاتفاقية. فقد أخذوا، بحسب تصريحات لمسؤولين روس، بتوجيه الإنذارات إلى أوكرانيا في محاولة لفرض إملاءات عليها ومعاملتها كما ولو أنها أصبحت مستعمرة تابعة، وهددوا خصوصاً بعدم توقيع الاتفاقية إلا بعد موافقة أوكرانيا على إدخال إصلاحات في مجال الديموقراطية والعدالة والنظام الانتخابي، وأصروا على ضرورة إطلاق سراح المعارضة لولا تيموشينكو والسماح لها بالسفر لتلقي العلاج في الخارج.

وأياً يكن الأمر، برر الرئيس الأوكراني، فيكتور يانكوفيتش، قرار تعليق المفاوضات بأن بلاده ستنتظر ظروفاً أفضل تكون أكثر تلاؤماً مع المصالح الأوكرانية. ما يعني أنه يعتبر الشروط الأوروبية مجحفة بحق بلاده. والحقيقة أن هذا الرأي يتعدى الرئيس الأوكراني إلى العديد من المراقبين الغربيين الذين يستغربون موافقة الحكومة الأوكرانية يوم بدء المفاوضات على بنود اتفاق يفتح أوكرانيا أمام الاستثمارات والبضائع الأوروبية بهذا الشكل البعيد عن التكافؤ: بين العام 2000 و2007، ارتفعت صادرات أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي من 4،8 مليارات دولار إلى 12،4 مليار دولار، في حين ارتفعت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا من 5،5 مليارات دولار إلى 22،4 مليار دولار.

إن مقارنة بسيطة بين انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أو انضمامها إلى الاتحاد الجمركي الروسي تظهر أن مصلحتها هي في الخيار الثاني. يكفي أن هذا الخيار يسمح لها بتكامل أفضل مع بلدان تمتلك بنى اقتصادية مشتركة موروثة عن الاتحاد السوفياتي وإمكانيات صناعية وزراعية ضخمة وقابلة للتطوير، في حين أن الخيار الأول يعني مصادرة هذه الإمكانيات لمصلحة الشركات الأوروبية، في وقت بات من المعروف فيه أن هذه الشركات تهتم بتوافر شروط النهب أكثر مما تهتم بتوفير شروط التنمية. ناهيكم عن أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيدخل أوكرانيا في مواجهة صعبة مع روسيا، وسيضعها أمام خطر التفكك، في وقت لا يخفي فيه سكان المناطق الوسطى والشرقية رغبتهم ليس فقط برفع مستوى العلاقات، بل أيضاً بالانضمام إلى روسيا.



المصدر: موقع قناة العالم الاخبارية