الحمد الله رئيساً لحكومة فياض !
في رام الله … كُلِّف رامي الحمدلله برئاسة حكومة سلام فيَّاض المستقيلة ، بمعنى أن المُكلَّف قد أُعفي من عناء تشكيل حكومته المتجددة فسُلِّمت له كما هى ناقصةً وزيرين لا أكثر عليه إستبدالهما
كما ليس عليه أن يجهد لطرح برامج أو يجترح لها من مهمات أو ما شابه ، فهو يرث حكومة تصريف أعمال شارفت على آخر أيام صلاحياتها التي حددها لها قانون السلطة ليصل بها ، وفق المعلن ، إلى آخر أيامها المفترضة ، أي نهاية الثلاثة أشهر القادمة المفترض أنه الموعد المزمع لوضع حدٍ لما يعرف بالإنقسام الفلسطيني ، أي ذاك الموعد الذي جرى إعلان تحديده لإنجاز آخر طبعة في مسلسل تكاذب “المصالحات” الفلسطينية المنتظرة متوالي الحلقات ومديدها ، وإجراء الإنتخابات العتيدة لمجلس تشريعي سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الإحتلال ، ومن ثم مايعقبها من لزوم تشكيل حكومةٍ جديدةٍ لها .
هناك من يصف الحدث بأنه مجرَّد تخريجةٍ لابد منها لإشكاليةٍ قانونيةٍ ناجمةٍ عن إنتهاء المدة التي يسمح بها قانون السلطة لاستمرارية حكوماتها المستقيلة في تصريف الأعمال ويحددها للإعلان عن تشكيل من ستخلفها . هنا نحن أمام مفارقة من جاري تلك المفارقات العديدة التي تعودتها أيام الساحة الفلسطينية في حقبتها الأوسلوية الضاجة بغرائبياتها ، إذ أن وضع هذه السلطة برمته ، ووفق قانونها نفسه ، هو غير قانوني ، هذا إذا ما صرفنا النظر عن مسألة كون أوسلويتها المنشأ وما جرته من كوارث على القضية الفلسطينية هى مناقضة أصلاً للشرعية النضالية الفلسطينية ومنافية للثوابت والمسلمات الوطنية التاريخية ، فرئيسها ، وفق هذا القانون ، منتهية فترة رئاسته منذ العام 2009 ، ومجلسها التشريعي كانت نهاية مدته في العام 2010 ، ناهيك عن أننا لو أطنبنا لجاز لنا القول بأن المجلس الوطني الفلسطيني ، المفترض أنه لا زال موجوداً ، لا تتوفر له لا شرعية ولا صلاحية بعد أن مرت على آخر تعيين المعينين فيه لا المنتخبين عقود مات إبانها منهم من مات وبقي منهم من بقي ، أضف إلى هذا أنه بات الآن من الصعوبة بمكان واقعاَ توافق القوى الفاعلة في الساحة على تجديده تعييناً والأصعب منه ، بل شبه المستحيل ، إنتخاباً ، لاسيما في ظل تعثر التوافق الجدي أصلاً على الشروع في إعادة بناء منظمة التحرير ، أوإعادة الاعتبار لميثاقها الوطني الذي عبثت به التوجهات الأوسلوية التسووية فحرَّفت منه ما حرَّفت وألغت ماألغت من ما كان يعيقها من بنوده .
هنا ، لا جدوى من محاولة حل الغاز آخر هذه المفارقات بكلماتها الأوسلوية المتقاطعة ، أو ما نحن بصده منها، دون العودة لتتبع مؤشرات حركة جون كيري التصفوية الجارية ، إذ أنه واقعاً ، ليس هناك ما يدعو حقاً إلى قليلٍ من التفاؤل بأن “المصالحة” العتيدة سوف تتوج أشهر حكومة الحمدالله الثلاثة ، لكنها ، بالنسبة لرام الله ، تظل المدة المأمولة لأن تسفر عن غيثٍ كيرياويٍ يطفىء ظمأها التسووي ، ويغطي عودتها المنشودة للمفاوضات ، وحيث من اللزوميات حينها الإقدام على إجراء إنتخاباتٍ لتشريعى السلطة إلتماساً لما ستعده بعضاً من شرعنةٍ لما قد تقدم عليه من إستحقاقاتٍ تنازليةٍ ستكون مطلوبةً منها .
وبالعودة أيضاً إلى هذا المعلَّق من أوهامٍ تسوويةٍ على رياح كيري التصفوية المنتظرة ، فأنا أخالف الرأي من يقولون بأن ذهاب فياضٍ ، أو إصراره على الإستقالة ، عائد لما يشاع ، وفيه بعض الصحة ، لتصاعد معارضته داخل “فتح السلطة” ، أو لوصول مشروع دويلته ، التي بشَّر بقيامها خلال سنتين باتتا من التاريخ ، حائطها المسدود ، أوإيماناً منه بألإنسداد النهائي للأفق التسووي ، وإنما أرى ، وهناك الكثيرون في الساحة الفلسطينية ممن يشاركونني هذا ، أن فياضاً لم يقدم على إستقالتة ويصر عليها إلا إنتظاراًمنه لدورٍ ينتظره … إنتظاراً لما قد تتمخض عنه حلول كيري الإقتصادية ، فأن تكللت جهوده بتحقيق إستهدافاتها المرادة فقد حان الزمن الفيَّاضي ، أو آن أوانه لكي يرث التركة الأوسلوية برمتها ، متسلحاً بامتداداته التي أوصلته من خارج الساحة إلى داخلها ، من مؤسسات النقد الدولية إلى رئاسة حكومة السلطة ، وإن تكسَّرت نصال كيري على صخرة نتنياهو الصلده ، والأخير هو القادر على تكسيرها بعد الإفادة طبعاً من منجزاتها التنازلية والبناء عليها ، فيكون باستقالته قد اختار الوقت المناسب لمغادرة السفينة الأوسلوية الغارقة في عباب أوهامها التسووية .
في كل الأحوال فإن الحمدالله ، الذي من موقعه السابق كرئيس لجامعة النجاح ، أقدم على فصل البروفيسور عبدالستار قاسم ، أو هذه القامة والقيمة الوطنية الفلسطينية الكبيرة ، من عمله التدريسي فيها ، سوف يدرج بالقطع على ذات النهج الفياضي ولن يخرج عنه … وما الذي تغير ؟!!
… يبدو أن الحالة الفلسطينية ، التي في غياب إجماعٍ على حدٍ أدنى من برنامجٍ وطنيٍ مقاومٍ يلم شتاتها تعيش أسوأ مراحل ترديها ، ستظل إلى أمدٍ غير منظورٍ تنوء تحت سقفها الأوسلوي ، حبيسةً لملعبه العبثي ، مكابدةً لذات التوجهات الكارثية المدمرة .
بقلم عبداللطيف مهنا
نشرة كنعان