صدى خطاب نتنياهو في مقرّ المقاطعة
يومان متتاليان، عبّرا بشكل واضح عن مواقف المتحدثين فيهما. يوم الأحد السادس من الشهر الحالي، ألقى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو خطاباً في مؤتمر «رؤيا لإسرائيل عام 2020»، الذي عقد في جامعة بار ايلان.
بعض المراهنين على «شريك السلام» صدموا مما سمعوه وقرأوه. كانوا يتوقعون أن يكون مضمون الخطاب، قريباً ومتماهياً مع خطابه الذي ألقاه قبل أربع سنوات تقريباً في ذات المكان (16/ 6/ 2009)، أي بعد عشرة أيام على خطبة أوباما «الشهيرة» في جامعة القاهرة. في خطاب نتنياهو الأول في الجامعة ــ الذي جاء بعد تلك الحالة السرابية، المُضَلِلة، التي تضمنها كلام أوباما المُطّعَم بلغة عربية «مفخخة» عن آفاق السلام في المنطقة والعالم ــ راهن البعض على «التحول الكبير» الذي أبداه عند حديثه عن «حل الدولتين»، متجاهلين الوقائع الدموية والتدميرية التي تمارسها قوات العدو العسكرية، وعصابات المستعمرين الصهاينة.
بعد حديثه عن إيران وما حملته تطورات الأسابيع الأخيرة على صعيد الانفراج النسبي في المواقف الأميركية ــ الإيرانية، وانعكاس كل ذلك على مواقف حكومة العدو. انتقل نتنياهو ليعلن حقيقة موقف كيانه العدواني من الفلسطينيين «شعباً وسلطة و... مفاوضات». حاولت بعض الأقلام أن تصفه «متشدداً وصقرياً» في عبارات ملتبسة وملغمة، توحي بوجود مواقف أخرى «حمائمية وواقعية وعملية»، لأنها تمارس الغزو والاحتلال والمذابح والتهجير، بـ«قفازات من حرير، وبلغة هادئة ولزجة تفوح منها رائحة الدم». أنكر زعيم عصابات الموت المتدحرجة داخل وطننا، وجود قضية للشعب الفلسطيني، واصفاً إياها بـ«البقرة المقدسة» مدعياً بـ«أنها لم تعد موجودة وأنه قد تم سحبها من الصراع في الشرق الأوسط». هنا، يعود نتنياهو للتأكيد على الرواية اليهودية/ الصهيونية/ الاستعمارية التي تُنكر وجود شعب عربي فلسطيني. ليست حالة الانكار، هي المهيمنة عليه وعلى أمثاله، بل هي الوجه الآخر لتزوير التاريخ والديمغرافيا والجغرافيا. وإذا كان لرئيس حكومة القتلة أن يلاحظ وجود شعب فلسطين، فهو كما قال «يحتل أرضنا... أرض الشعب اليهودي». مطالباً الفلسطينيين بـ«أن يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية ويتخلوا عن حق العودة، وبدون تحقيق ذلك، لن يكون هناك سلام».
رغم كل عبارات التزوير والتضليل التي تضمنها الخطاب، كان لنتنياهو اعتراف واقعي بأسباب الصراع، لا بد من الإشارة إليه «عندما يسألون ما هو جذر النزاع، يوجد جواب جاهز: الاحتلال، المناطق، المستوطنات»، مضيفاً: «يقولون إن سيطرة إسرائيل على المناطق، مناطق الضفة الغربية بعد حرب الأيام الستة، خلقت النزاع بقدر كبير، وأنا اسأل هل حقاً؟ النزاع، من ناحيتي، إذا كان يتعين عليّ أن أختار موعداً بدأ فيه بشكل عملي، بدأ في العام 1921، في اليوم الذي اعتدى فيه العرب الفلسطينيون على بيت المهاجرين في يافا. هذا الاعتداء بالطبع لم يكن على المناطق ولا على المستوطنات. كان ضد هجرة اليهود إلى بلاد إسرائيل». إن مقاومة الشعب الفلسطيني للغزاة القادمين من خلف البحار كانت التعبير الواقعي والحقيقي عن ارتباط المواطن العربي بأرض وطنه. أحد الصحافيين الذين غطوا الخطاب لواحدة من صحف العدو، أشار إلى أنّ نتنياهو عندما نطق كلمة احتلال «قالها باحتقار مشوب بالمقت». أما عن موقف حكومة العدو التي تشارك في المفاوضات فأكد على «الالتزام بالتفاوض حول قضايا الحل النهائي وبالحرص على الاستمرار بالعملية التفاوضية»، وذلك، من خلال الإسراع في تحقيق إنجاز واضح في قضايا الأمن والحدود، كخطوة ضرورية وحاسمة للوصول للحل النهائي! لقد أعاد رئيس حكومة المستعمرين الائتلافية في خطابه الأخير تكرار خطوطه الحمراء: إقامة دولة فلسطينية بدون سيادة كاملة ومجردة من السلاح، إلى جانب ترتيبات أمنية واضحة، والاعتراف بالكيان كدولة يهودية، في ظل التنازل عن عودة اللاجئين الفلسطينيين. بعد كل تلك الشروط، هل لكلمة دولة علاقة بـ«الموصوف»؟!
في اليوم التالي للخطاب، شهد مبنى المقاطعة «مقر قيادة سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود» كرنفالاً جديداً، ليس هو الأول، ولن يكون الأخير. هذا الكرنفالات، أشبه ما تكون بـ«حفلة سمر من أجل 5 حزيران» مع الاعتذار لمبدعنا الكبير، الراحل، سعد الله ونوس. يتوزع القادمون على قوى يهودية وصهيونية من أعضاء الكنيست «أصحاب القفازات الحريرية» المؤيد لحل الدولتين. وهنا يبرز السؤال المشروع: هل بقيت أراض لتقام عليها «دولة» للفلسطينيين؟ كلام رئيس السلطة كان مكرراً، لكن النطق به بعد خطاب نتنياهو بيوم واحد، طرح أكثر من علامة استفهام. في اللقاء قال عباس «المفاوضات تجري في اتجاه ايجابي وجدي... على الطرفين أن يواصلا المساعي للوصول الى اتفاق يحقق السلام وينهي سفك الدماء في صالح الشعبين»، معرباً عن اعتقاده بـ«أن الفترة المخصصة لها وهي تسعة أشهر، كافية للتوصل إلى اتفاق». عن أي اتفاق يتحدث رئيس السلطة بعد أن كرر رئيس حكومة العدو شروطه ورؤيته للحل النهائي؟
خطاب عباس كان أقل من المتوقع كما قال بعض «أصحاب النوايا الحسنة»، خاصة بعد المواقف الحاسمة التي نطق بها نتنياهو في مؤتمر جامعة بار إيلان. كان حديث رئيس السلطة، أقرب لكلام «معلق أو محلل سياسي»، مغلفاً بعواطف «إنسانية» حملتها عبارات التعزية لعائلة الحاخام عوفاديا يوسيف. هذا الحاخام الفاشي والعنصري، القادم مثل الملايين من اليهود من خارج حدود الوطن الفلسطيني، هو الذي وصف العرب بـ«الحشرات والصراصير وأباح دمهم».
أمام موقف ورؤى حكومة الغزو والاحتلال، كما عبّر عنها نتنياهو، كان لا بد من اجراء فوري: وقف ملهاة التفاوض. لكن صاحب مثل هذا القرار الوطني، ما زال، غائباً، أو... مغيباً.
* كاتب فلسطيني