تدخل سافر بحجة مريبة!
تهدف هذه الرسالة إلى تقديم الأسباب الدقيقة لشكوكي فيما يتعلق باحتمال تدخّل، وذلك بالردّ على أسئلةٍ بسيطة.
لقد كنت الرئيس الأسبق لمكتب «الوضع والاستخبارات والحرب الإلكترونية» في أركان الجيوش للتخطيط العملياتي في منطقة باريس، وخدمت حوالي سنتين في الشرق الأدنى، منها 14 شهراً بوصفي رئيساً لمكتب الاستخبارات في القوات المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان، وأقمت حوالي 12 مرةً في الشرق الأوسط «قطر والإمارات والكويت»، كما خدمتُ ثلاث سنوات في الولايات المتحدة بوصفي ضابط اتصالٍ لدى الاستخبارات العسكرية الأمريكية العليا. لذلك، فأنا أعتقد بأنني أعرف أكثر مما يعرفه المواطن العادي، لا بل بعضٌ ممن يزعمون أنهم خبراء في مشكلات الشرق الأدنى والشرق الأوسط. وقد حرصت دائماً على حسن الاطلاع على ما يجري هناك، وبالتالي على الموضوع الذي يشغلنا اليوم: التدخل العسكري المحتمل في سورية.
هل هنالك سوابق أخرى لمثل هذا التلاعب؟
الجواب هو نعم. ففي كانون الأول/ ديسمبر من العام 1989، حدث ما يدعى «تيميسوارا»، حيث نقلت وسائل الإعلام في العالم أجمع ولمدة ستة أسابيع معلومةً كاذبةً عن حدوث «مجزرة» في حق 4600 شخصاً للمساعدة على الإطاحة بتشاوشيسكو. في الحقيقة، كان المعارضون قد نبشوا بعض الجثث من مقابر المدينة وأحاطوها بالأسلاك الشائكة والتقطوا صوراً رهيبةً تدفع مشاهدي التلفزيون الغربيين إلى البكاء. ثمّ قدّموا رقماً هائلاً غير صحيح، 4632 ضحيةً، استناداً إلى تلك الصور المتلاعَب بها. نجحت حيلتهم، فقد أدت إلى الإطاحة بتشاوشيسكو. فيما بعد، قامت وسائل الإعلام، وكذلك السياسيون، بالاعتذار عن خطئهم واعترفوا بأنهم كانوا ضحية تلاعب، لكنّ الهدف كان قد تحقّق.
حدثت حالتان أخريان من التلاعب المشابه في البوسنة وكوسوفو، أثناء خدمتي هناك. وقد تمّتا بنجاحٍ ولم يعرف الرأي العام ووسائل الإعلام أبداً مقدماتهما ومآلهما.
هل الأدلة الدامغة التي قدمها رئيس الوزراء الفرنسي للنواب، ذات مصداقية؟
من الممكن أن لا يكون هناك لبس في الأدلة، إذ لا أحد يملك معطيات ملموسة تجعلها محل شك، في حين أنه يمكن أن تكون كاذبة. ذاكرتي ليست قصيرة، وأتذكر الجنرال الأمريكي كولن باول عندما قدم إلى الأمم المتحدة -وهو واثق من نفسه بشكل لا يصدق- «أدلته الأكيدة/الكاذبة» التي لفقتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، عن وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، لتبرير التدخل العسكري التي أعقب ذلك.
تزعم الاستخبارات الفرنسية بأنّ المتمردين لا يتمتعون بما يكفي من المعارف لاستخدام الغازات. غير أنّ ذلك يعني نسياناً سريعاً لدعم الأجهزة الخاصة الأجنبية للمتمردين، وهي أجهزةٌ تتمتّع بكل المعارف اللازمة.
لماذا يشك الألمان والكنديون وحتى النواب البريطانيون بصحة أساس التدخل العسكري؟
تشك هذه البلدان الثلاثة بوجود احتمالٍ كبيرٍ للتلاعب. فلديها هي أيضاً أجهزة استخبارات وحدٌ أدنى من «الحس السليم». وهي لا تريد المخاطرة بحياة جنودها على أساس براهين يمكن أن يتجلى «كذبها لاحقا»، كما أنها تحلل عواقب مثل هذا التدخل. وهي تفضّل الاهتمام بتعافي اقتصادها المتأزم وأمنها الداخلي قبل أن تلعب دور القاضي والحكم في بقية أرجاء العالم باقتراض الأموال اللازمة لأداء هذا الدور، مثلما تفعل فرنسا.
*عن شبكة فولتير