الصناعات الدوائيّة 5| حلول سريعة لمقارعة العلّة
تعريب وإعداد: عروة درويش
تواجه الصناعات الدوائية، وهي التي لا تزال تحقق أرباحاً هائلة، ذات أزمة بقيّة القطاعات الرأسمالية: أي تمدد رأس المال المالي وسيطرته عليها. وبالتزامن مع تراجع خطوط إنتاج الأدوية، فإنّ على شركات الأدوية أن تلتفّ على مشاكلها من أجل ضمان الاستمرار في تحقيق الأرباح الهائلة التي تجنيها، وذلك على حساب الأمان والصحّة العامّة لجميع متلقي العلاج من جهة، وعلى حساب المرضى غير القادرين على تحمّل كلفة العلاج في البلدان النامية خصوصاً من جهة ثانية.
كتب الاقتصادي البريطاني آلان ماينارد في بحث غير منشور: «تتنبأ النظريّة الاقتصاديّة بأنّ الشركات سوف تستثمر في إفساد قاعدة البيانات متى كان ما يرتجى من ربح يفوق التكاليف. فإن كانت عمليّة الكشف باهظة على المشرعين، يمكن توقّع أن يكون إفساد قاعدة البيانات مكثفاً. إنّ الاستثمار في توجيه قاعدة البيانات، سواء السريريّة أو الاقتصادية، لصالح شركات الأدوية هو على الأرجح أمر شامل وتفصيلي، يغطي كافة مناحي عمليّة الفحص والتقييم. يمكن لمثل هذه الاستثمارات أن تتحقق تبعاً لكون كل ما يتعلق بالعلوم وبالسياسات هو تقنيّ ونخبوي، ممّا يجعل من عمليّة المراقبة أمراً صعباً وباهظ التكاليف».
قد تبدو الصناعات الدوائية مثل خصم لا يهزم، لكنّ الأزمة التي تواجهها الشركات تقدّم لنا فرصة لإيجاد سبل جديدة لجلب الأدوية إلى الأسواق، بحيث تكون منخفضة التكاليف وتلبي الحاجات العلاجية بدلاً من التركيز على تعظيم الربح. مثال: عرضت مؤسسة ماريو نيغري في إيطاليا طرقاً بديلة لإجراء الأبحاث الصيدلانيّة، وأعلنت عن استعدادها لقبول المال من الشركات الصيدلانية الراغبة بإجراء الأبحاث، لكنّها تصرّ على الحفاظ على استقلاليتها عبر تصميمها للاختبارات وإجراءها وجمع البيانات والتحليلات منها وكتابة التقارير عنها دون تدخل من مصدر التمويل. علاوة على ذلك، ترفض المؤسسة تسجيل أيّ براءة اختراع على أبحاثها أو أيّ نوع آخر من الملكيّة الفكريّة، وتشترط أن تكون البيانات متاحة للجميع. أخيراً.
ويمكن الذهاب أبعد من ذلك إلى ما اقترحه آرثر شيفر، مدير مركز الأخلاق المهنيّة في جامعة مانيتوبا، بأن يتمّ تمويل السلطات المختصّة التي تدير وتجري الاختبارات السريرية وتجمع البيانات من الضرائب على عائدات وأرباح الشركات الدوائيّة. وبهذا ستضمن عدم وجود علاقة مباشرة بين الوكالات وموظفيها من جهة والشركات الممولة من جهة ثانية. واقترح دين بيكر مؤسس مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية في واشنطن أن يتمّ تمويل الاختبارات وتحليل البيانات عبر برامج الرعاية الصحيّة، والتي ستوفّر بدورها المال اللازم لذلك من إجبار الشركات الدوائية على بيعها العقاقير والعلاجات بأسعار منخفضة.
حتّى أنّ هناك بعض الإجراءات الحكومية الناجحة جزئياً في مجال السيطرة على الصناعات الدوائيّة. فلدى كندا حدّ أعلى للثمن الابتدائي للأدوية الجديدة المحميّة ببراءات اختراع، وكنتيجة لهذا فإنّ أسعار العقاقير ذات الاسم التجاري فيها أقلّ بحوالي 50% من أسعارها في الولايات المتحدة. وتذهب أستراليا أبعد من ذلك بالتفاوض على الصعيد الوطني مع شركات الأدوية والوصفات، فتحقق بذلك أسعار أدوية أقلّ بنسبة 9 إلى 10% عن الأسعار في كندا. ولدى نيوزلندا إجراءات أكثر صرامة تسمح بدخول مصنعي العقاقير المتحررة من الاسم التجاري في عرض أسعار مع أصحاب الاسم التجاري، وهي مجبرة أثناء التفاوض على القبول بالسعر الأدنى، ولهذا فهي أقلّ من تدفع ثمناً للدواء من بين الدول التي ذكرناها. وباعتماد نيوزلندا على هذا الإجراء وعلى بعض الشروط الأخرى مثل إلزام الوكالة المختصّة أن تشير إلى جميع البدائل الموجودة للدواء الذي يحمل اسماً تجارياً، قللت الإنفاق عام 2012 من 2.34 مليار دولار نيوزلندي بناء على معطيات العام الذي سبقه، إلى 777 مليون دولار نيوزلندي فقط.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني