ولادة حلف عسكري روسي-صيني جديد؟
بعث وزير الدفاع الصيني الجديد برسالة قوية، حاله وصوله إلى موسكو، حيث قال إنه جاء كي يعلم الأمريكيين عن الروابط القوية بين بلده وروسيا، في تحد واضح للنهج الأمريكي أحادي القطب.
لا شك أن وزير الدفاع الصيني وضع النقاط على الحروف حول عمق العلاقات الاستراتيجي بين بكين وموسكو خاصة وأن روسيا كانت محطته الأولى في زيارته خارج الصين .
يبدو أن القوى العالمية قد دخلت في مرحلة جديدة من مراحل الحرب الباردة، آخرها تصريح وزير الدفاع الصيني وي فنغ خه من موسكو، حيث قال إن الوفد الصيني وصل إلى موسكو لكي يعرف الأمريكيون عن الروابط القوية بين القوات المسلحة الصينية والروسية، وخاصة في الوضع الحالي".
وعلق الدكتور وائل عواد، الخبير بالشؤون الآسيوية، على هذا الشأن في تصريح لـ RT: "على العالم أن يدرك أن الصين وروسيا دولتين عظيمين ولا بد أن يلعبا دورا أساسيا في إعادة هيكلة النظام العالمي. الضغوط الأمريكية والغربية على كلا الدولتين دفعت بهما إلى التعاون المشترك لمواجهة التحديات وإيجاد توازن في المعادلة الاستراتيجية العالمية".
وأشار الخبير السياسي إلى أن الصين تحاول الارتباط مع العالم من البوابة الاقتصادية وتبحث عن الاستقرار لتحقيق الازدهار في الوقت الذي تصعد فيه واشنطن والعجوز الأوروبية من سياسة العداء للصين.
وأضاف الدكتور عواد أن "الرئيس ألأمريكي دونالد ترامب يلعب على وتيرة تايوان بشكل يستفز به الصين، كما تدفع الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين لمعاداة روسيا وزيادة عزلتها... ولذا وجدت موسكو ضالتها في التقارب مع بكين وتوسيع رقعة نفوذها على الساحة الدولية".
كما أكد الخبير بالشؤون الآسيوية بأنه إذا مضت الولايات المتحدة في سياسة تحجيم الدور الصيني والتودد لتايوان من خلال الابتعاد عن الموقف الأمريكي بصين واحدة، فإن الصين بالتأكيد "ستتوجه نحو مواجهة عسكرية أصبحت أكثر قربا، رسم معالمها البنتاغون من خلال استراتيجية الدفاع القومية التي نصت على زيادة في الإنفاق العسكري الأمريكي".
وتكمن مصالح البلدين في تعزيز التعاون العسكري والأمني والاقتصادي والتجاري على الرغم من حالة الشك وفقد الأمان بينهما، لضمان استقرار الأمن والسلام العالميين.
ولا ننسى بأن روسيا توفر حاجيات الصين من الطاقة والهيدروكربونات، كما أن روسيا سوق ضخمة بالنسبة للصين وتعزيز التعاون يخدم البلدين.
ومن جهة أخرى قال محمود ريا، وهو مدير موقع الصين بعيون عربية لـ RT إن "العلاقات بين الصين وروسيا تشهد نمواً كبيراً في مختلف المجالات، سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، ما يشير إلى نية ثابتة لدى قادة البلدين لتعميق ما بات يُطلق عليه من قبل المحللين والمراقبين صفة "تحالف"، في حين يكتفي القياديون في البلدين على التأكيد بأنه تعاون واسع النطاق، لم يرقَ بعد إلى مستوى الحلف الرسمي".
أما في ما يخص المجال العسكري فأشار محمود ريا إلى تقدم العلاقات بين البلدين، مذكرا بأمجاد العلاقة التي كانت قائمة على مدى سنوات بين الصين الشيوعية والاتحاد السوفيتي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
ويقول ريا إن "التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام الروسية عن وزير الدفاع الصيني الجديد وي فنغ خه خلال زيارته الحالية إلى موسكو تؤكد على أن هذه العلاقات باتت تحظى باهتمام كبير من قيادتي البلدين، وإن النشاطات العسكرية المشتركة التي شهدتها السنوات الماضية ليست مجرد نشاطات وديّة تدخل في إطار العلاقات العادية بين بلدين جارين، وإنما تشكل حجر الأساس في السياسة العسكرية العليا لكل من الصين وروسيا".
وإذا كانت العلاقات السياسية بين موسكو وبكين "مثل الجبل لا تتزعزع" كما وصفها وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مؤتمره الصحفي العالمي الذي عقده في أوائل الشهر الماضي، فإن وزير الدفاع الصيني أعطى العلاقات العسكرية بين العاصمتين دفعة أكبر عندما قال خلال لقائه مع نظيره الروسي سيرغي شويغو: "بصفتي وزيراً جديداً للدفاع في الصين أزور روسيا بالذات لكي نظهر للعالم كله المستوى العالي لتطوير علاقاتنا الثنائية وعزم قواتنا المسلحة على تعزيز التعاون الاستراتيجي"، حسبما نقلته وسائل الإعلام الروسية.
ويعود الخبير محمود ريا للتذكير بأن القوات العسكرية للبلدين تقوم بمناورات عسكرية مشتركة بشكل روتيني في أكثر من منطقة من العالم، وليس فقط في المياه المتجاورة أو في أراضي الدولتين، فقد سجّل حصول مناورات بحرية روسية ـ صينية عام 2015 في مياه البحر الأبيض المتوسط، وهذا أمر يؤشر إلى الأهمية الاستراتيجية التي توليها القيادتان الصينية والروسية لعلاقاتهما العسكرية المشتركة.
كما تؤكد تصريحات الوزير الصيني الأخيرة أن هذه العلاقات لا تبقى فقط في الإطار الثنائي، وإنما تدخل في إطار توجيه الرسائل إلى الخارج، ولا سيما إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تستفز البلدين بشكل دائم، وتقوم بتحركات عسكرية مقلقة لكل من الصين وروسيا، سواء في شرق أوروبا أو في بحر الصين الجنوبي، أو في شبه الجزيرة الكورية، أو في غيرها من مناطق العالم.
وكان لافتاً الموقف الموحد لروسيا والصين من نشر الولايات المتحدة لمنظومة الدرع الصاروخية (ثاد) في كوريا الجنوبية، وهو الموقف الذي عبّر عن رفض قاطع لهذه الخطوة الأمريكية، باعتبار أنها تشكل تهديداً للتوازن العسكري في شرق آسيا.
من خلال كل ذلك، يبدو للمراقب الخارجي أن تحقّق حلف عسكري روسي صيني على الأرض أمر طبيعي ومتوقع، لأن هناك الكثير مما يجمع البلدين من ناحية، ومما يواجههما من ناحية أخرى، وإن كان الإعلان عن هذا الحلف رسمياً بحاجة إلى المزيد من الوقت، كي يستطيع العالم أن يهضم خطوة جيواستراتيجية ضخمة بهذا الحجم.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني