حقبة جديدة في وادي السيليكون الأمريكي
أجبر الاستخدام السري لبيانات تتعلق بموقع «فيسبوك» أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية، حكومات وعملاء على التفكير في كيف تتولى مثل هذه الشركات جمع المعلومات الشخصية والاستفادة منها - إحدى القضايا الكبرى محل الاهتمام التي كان ينبغي الالتفات إليها منذ أمد بعيد. اليوم، ربما يكون هذا الاهتمام بداية نهاية النمو الحر غير المنظم لوادي السيليكون.
ربما تثير الفكرة في حد ذاتها رعدة خوف في أوصال شركات التكنولوجيا والمستثمرين بها، لكن هذه المخاوف ربما لا مبرر لها. في الواقع، يتمثل جزء من عملية النضج في أي صناعة في إقرار تنظيمات تلائم نشاطاتها، علاوة على أن المكاسب من وراء قطاع تكنولوجي أكثر أمناً وثقة من المحتمل بدرجة كبيرة أن تفوق أي خسائر قد تقع.
كانت هذه واحدة من الأفكار التي طرحت خلال مناقشات عقدت خلال حدث نظمته «بلومبيرغ آيدياز» الأسبوع الماضي في سان فرانسيسكو، حيث ناقش كتّاب الأعمدة لدى «بلومبيرغ» بعض القضايا التي تجابه قطاع التكنولوجيا. وخلال جلسة تناولت التحديات التنظيمية، تحدث الكاتب جوي نوسيرا عن نمو صناعة بطاقات الائتمان منذ عقود. من جهتها، قاومت الصناعة التنظيمات التي فرضت قيوداً على حجم الأموال التي يمكن تكبيدها لحاملي البطاقات في حالات الاحتيال أو السرقة. إلا أنه في أعقاب خسارة الصناعة هذه المعركة وحصول العملاء على بعض صور الحماية، تحولت بطاقات الائتمان البلاستيكية إلى عملة العصر. وما كان ذلك ليتحقق لو أن صناعة بطاقات الائتمان ظلت أشبه بالبرية لا تخضع لأي من صور التنظيم.
ويعتبر هذا نموذجاً يتعين على «سيليكون فالي» التفكير فيه في وقت يطمح فيه نحو التوغل في صناعات تمس قلب حياتنا اليومية. لقد كان الوضع مختلفاً تماماً عندما كان اهتمام وادي السيليكون منصباً على نحو أكبر على أشباه الموصلات وبرامج قواعد البيانات، عندما كان فشل المنتجات ربما يخلق مشكلة كبيرة للمهندسين المعتمدين عليها، لكنه ما كان ليترك أثراً يذكر على الصعيد العام. اليوم، اختلف الوضع كلية مع امتداد تأثير وادي السيليكون إلى صناعات مثل النقل والإعلام والرعاية الصحية والخدمات المالية. من بين جوانب الصناعة التي يمكن أن يشكل التنظيم فيها حافزاً قوياً للنمو العملات الافتراضية، مثلما اتضح خلال المناقشة التي شاركت بها في إطار «بلومبيرغ آيدياز» حول أسواق رأس المال والابتكار. ورغم أنني لا أزال متشككاً في مستقبل العملات الافتراضية، أعرب أحد الحضور عن رؤية حديثة من الحجة التي طرحها نوسيرا: إن المؤسسات الاستثمارية المهتمة بالعملات الافتراضية ربما تنتظر إقرار إطار عمل تنظيمي قبل أن تشرع في المشاركة بها.
ويعكس قراري بوقف تفعيل حسابي عبر «فيسبوك» الأسبوع الماضي استجابة لممارسات الشركة على صعيد التعامل مع البيانات، هذه الفكرة. ورغم أنني ما زلت من المعجبين بمنتج «فيسبوك» كمستخدم - في الحقيقة، ما من سبيل أمثل أمامي للبقاء على تواصل مع أقاربي الذين يعيشون بعيداً ومتابعة الأخبار المحلية - فإن ثمة قلقاً يساورني إزاء أسلوب استخدام الشركة وآخرين بياناتي الشخصية بأساليب لا أدري عنها شيئاً، وكيف تبدي الشركة لا مبالاة إزاء الاستخدام التجاري اللائق لمثل هذه البيانات. وآمل أن يؤدي استمرار تركز الاهتمام العام على الشركة إلى إجراء إصلاحات أو إقرار تنظيمات مناسبة. وبعدها، سأعاود بكل سعادة تفعيل حسابي. المؤكد أن وجود قطاع تقني يخضع للتنظيم سيبدو مختلفاً، لكن ليس ثمة ما يدعو لافتراض أنه سيكون أسوأ. من خلال كبح جماح بعض الأفعال، يمكن للتنظيمات الجديدة تشجيع العامة على المضي قدماً مع أي شيء آخر تفعله الشركات، الأمر الذي سيدعم نهاية الأمر هذا القطاع الديناميكي ويدفعه نحو مزيد من النمو.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني