تراجع الاقتصاد العالمي
اعتمدت التوقعات التي أصدرناها العام الماضي عن حدوث تراجع بالاقتصاد العالمي على «كنتري لونغ ليدينغ إنديكس - 20» الخاص بنا، والذي توقع عام 2016 حدوث ارتفاع متناغم في نمو الاقتصاد العالمي لم يتفق الجميع لاحقاً على أنه حدث بالفعل سوى بداية من ربيع عام 2017.
وفي ظل حدوث ارتفاع متناغم في الاقتصاد العالمي، أصبح التراجع الآن ليس مجرد توقع، وإنما حقيقة مؤكدة.
وتكشف الأرقام المتوافرة حدوث انحسار في معدلات نمو إجمالي الناتج الداخلي السنوية داخل الاقتصادات المتقدمة الكبرى الثلاثة على مستوى العالم؛ الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان. وفي جميع الاقتصادات الثلاثة، بلغ نمو إجمالي الناتج الداخلي ذروته خلال الربع الثاني أو الثالث من عام 2017، ثم تراجع في الربع الرابع؛ وهذه تحديداً الصورة التي يبدو عليها الانحسار المتناغم للنمو العالمي.
ومع هذا، لم يلحظ كثيرون انكماش إجمالي الناتج الداخلي لكوريا الجنوبية خلال الربع الرابع من 2017، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى تعرض البلاد لأكبر تراجع في حجم صادراتها منذ 33 عاماً. وجاءت تلك الأنباء حين كانت البلاد في دائرة الضوء بصفتها الدولة المضيفة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية.
ويحدث ذلك بسبب أن المخاطرة المرتفعة للتعثر المتعلقة بالسندات كبيرة العائد مرتفعة المخاطر (الخردة) خلال فترات التراجع الاقتصادي، تجعل عائداتها ترتفع بمعدل أسرع عن السندات الاستثمارية الأخرى، والتي تواجه احتمالية تعثر أقل. اللافت أن التفاوت في العائدات اليوم يقترب من أكبر مستوى له منذ أواخر عام 2016 عندما ساد الشعور بالتوتر إزاء الأوضاع الاقتصادية.
ويوحي ما سبق بأن إجماع الآراء الاقتصادية يحاول اللحاق بركب التطورات على الأرض، في الوقت الذي تبقى فيه البنوك المركزية العالمية في موقع أكثر تقهقراً وتأخراً على هذا الصعيد، مع تركز جل اهتمام هذه البنوك على التضخم، الأمر الذي جعلها تغفل حقيقة الارتفاع المتناغم في النمو الذي شهده العام الماضي وتفسره عن طريق الخطأ بوصفه تحولاً هيكلياً نحو الاقتصاد «الطبيعي». وبالتأكيد، فإن التحولات الحادة في مواجهة فترات تراجع اقتصادي لا يتوقع صانعو السياسة حدوثها مبكراً، نادراً ما تتمخض عن تداعيات إيجابية بالنسبة للاقتصاد.
ويبدو الموقف الحالي شبيهاً بأفلام الكارتون الخاصة بشخصيتي وايل إي. كايوتي ورود رنر. ودائماً ما يبدو كايوتي عاقداً العزم على مطاردة خصمه ليثأر لنفسه منه، ليفاجئ بدوران حاد في الطريق يؤدي مباشرة إلى طرف جرف عال. ويدرك كايوتي متأخراً في المنتصف أنه يسقط في حفرة عميقة. وتوجز هذه الصورة لب مشكلة الاقتصادات والأسواق الدولية التي تواجه خطر التعرض لصدمة بسبب التراجع الدوري في النمو العالمي.
ونظراً للاعتماد الشديد على الصادرات، غالباً ما تبدو كوريا الجنوبية بمثابة مؤشر تحذير مبكر على الأخطار المحتملة الكامنة وراء النمو العالمي. وعليه، فإنه عندما تعاين هذه الدولة الآسيوية تباطؤاً في معدل النمو - ناهيك عن النمو السلبي - فإن هذا يعد إنذاراً للاقتصاد العالمي.
اليوم، يبدو التباطؤ العالمي واضحاً على نحو متزايد لدى النظر إلى المؤشرات الاقتصادية البارزة. أما التقييمات الأميركية الشهيرة، فيبدو أنها تطرح صورة مختلطة. ومع هذا، تظل الحقيقة أن سوق السندات بدأت بالفعل في كشف النقاب عن حدوث تباطؤ في الاقتصاد الأميركي منذ شهور. واللافت أن الفارق بين عائدات السندات كبيرة العائد مرتفعة المخاطرة، والأخرى الاستثمارية، في حالة اتساع مستمر منذ عدة أشهر.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني