«الفيدرالي» الأميركي والحرب التجارية المرتقبة
قالت محافظة «بنك الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي، لائيل برينارد، في كلمة ألقتها مؤخراً تحت عنوان «الإبحار في السياسة النقدية في ظل تحول الرياح المعاكسة إلى رياح مواتية»، إن الاقتصاد الأميركي بدأ يستفيد مما أطلقت عليه الرياح المواتية. فقد جرى تقليص الموازنات الحكومية لتحل التخفيضات الضريبية محلها، واستمر النمو في أوروبا وآسيا في الارتفاع، مما ينبئ بزيادة الطلب على الصادرات الأميركية. وفي تلك الليلة نفسها التي ألقت فيها لائيل كلمتها، تقدم غاري كوهين، مدير «مجلس الاقتصاد الوطني» باستقالته بعدما فشل في إقناع الرئيس دونالد ترمب بالعدول عن فرض رسوم جديدة على الحديد والألمونيوم، وهو ما توقع الكثيرون بأن يعزز من موقف أنصار «الحمائية» في البيت الأبيض، ومنهم مستشار الرئيس بيتر نافارو، ووزير التجارة ويلبور روس.
وقد افتتحت الأسواق العالمية على انخفاض، حسبما أشارت الأخبار. فبورصة «داو جونز» تراجعت 300 نقطة منتصف نهار الأربعاء الماضي، وكذلك تراجعت أسعار السلع وأسعار الفائدة البنكية. وجاءت جميع الإشارات لتشير إلى تزايد المخاوف من نشوب حرب تجارية عالمية ومن هبوب رياح معاكسة جديدة قد تبطئ النمو.
ولحسن الحظ، كانت بصيرة لائيل برينارد نافذة ونظرتها شاملة بصرف النظر عما يحدث حولها. فبورصة «وول ستريت» اعتادت المنظور الاقتصادي الإيجابي من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي كإشارة على أن سعر الفائدة سيرتفع في القريب العاجل. وأعتقد أن العديد من الناس قد أخطأوا عندما نظروا إلى ذلك على أنه رسالة أراد جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، إيصالها من خلال شهادته أمام الكونغرس الأسبوع الماضي.
في الحقيقة، يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي إيصال ما هو أكثر براعة من ذلك، وكلمة برينرد خير دليل على ذلك. فبنك الاحتياطي الفيدرالي فضّل السير في إجراءات التضخم التي تعد المؤشر الأهم لأسعار الاستهلاك الشخصي، وقد سارت تلك الإجراءات سيراً حسناً وبأقل من المستهدف منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وعلى الرغم من ذلك، فقد شرع البنك الفيدرالي في حملة لرفع سعر الفائدة ببطء. ودافع مسؤولو البنك عن تلك الإجراءات بأن أشاروا إلى السبب في أرقام التضخم المتدنية يرجع بدرجة كبيرة إلى عوامل انتقالية يتوقعون تلاشيها مع مرور الوقت. ونتيجة لذلك، ينبغي على المشاركين في السوق ألا يتوقعوا أن يقلع بنك الاحتياطي الفيدرالي عن تنفيذ خططه طويلة المدى، لأن نسبة التضخم جاءت منخفضة ومؤقتة عكس المتوقع.
جاءت كلمة برينارد بمثابة التبرؤ من تلك النظرة حتى الآن، وهذا ما تبين من كلماتها التي قالت فيها إنه «على الرغم من أن تجارب الدول الأخرى توحي بأنه من الصعب زيادة الاتجاه للتضخم الذي يسير بوتيرة أقل مما يستهدف صانعو السياسة لسنوات عديدة، ربما تساعد الرياح المواتية القوية في إعادة تثبيت توقعات التضخم عند نسبة 2 في المائة المتناسقة والمستهدفة. يبين هذا الجدل أن النظرة التقليدية إلى أن التضخم بنسبة 2 في المائة كحد أقصى ليست نظرة خاطئة فحسب بل خطرة أيضاً.
وهنا أود أن ألفت النظر إلى أنه لا يتعين على الأسواق ترجمة الحديث بشأن الاقتصاد القوي باعتباره إشارة إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيقوم بالضرورة بزيادة أسعار الفائدة. وطالما أن البنك الفيدرالي ينظر إلى مؤثرات التضخم على أنها وقتية، مثلما هو متوقع بالنسبة للحافز المتأتي من التخفيضات الضريبية الأخيرة، فإن «نهج السير حسب الجدول» يمثل مرجعية بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ماذا عسانا أن نفعل حيال الحرب التجارية المرتقبة إذا؟ الإجابة هي أن نطبق المنطق نفسه، فإن كانت الرسوم الأعلى تمثل سياسة وقتية سرعان ما تتغير مع دخول الرئيس في مفاوضات جديدة بشأن الاتفاقات التجارية، ينبغي علينا أن نتوقع أن يتمسك بنك الاحتياطي بموقفه حتى وإن كان ذلك يعني امتصاص ضربة قصيرة المدى تجاه النمو. على الجانب الآخر، إن كان ما نراه هو في الحقيقة تغييراً في السياسة التجارية الأميركية، فمن المرجح أن يأخذ بنك الاحتياطي ذلك في اعتباره، ويسعى إلى تحقيق التوازن في خسارة النمو، وهو ما يعني تباطؤ الزيادة في سعر الفائدة.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني