مدرسو الجامعة الفقراء
المدرسون الجامعيون المساعدون هم: البروفسورية أو الدكاترة أو حملة الماجستير الذين تعينهم الجامعات بوظائف مؤقتة ولا توقّع معهم عقود عمل طويلة بهدف عدم منحهم أجوراً أو تعويضات أو منافع كاملة.
تعريب وإعداد: عروة درويش
تقول المحاضرة في الجامعة بأنّها لا تحب شيئاً أكثر من كونها مدرّسة. ولكنها اضطرت تبعاً للظروف المادية أن تمضي أبعد من مهنة التدريس حتّى تستطيع النجاة مالياً. لقد حدث ذلك منذ عدّة أعوام عندما توقفت الجامعات عن دفع عبء التعليم للمدرسين المساعدين، وتمّ تخفيض دخلها إلى النصف، ما جعلها على حافّة إخلائها من الشقّة التي تعيش فيها. تقول: "لقد كنت يائسة وقلت لنفسي: سأجرّب الأمر هذه الليلة، كيف يمكن للوضع أن يسوء أكثر".
إنّها مدرّسة مساعدة في منتصف العمر وتعيش في واحدة من المدن الكبرى. وقد طلبت عدم الكشف عن هويتها من أجل حماية سمعتها. قالت: "لطالما شعرت بأنني شخص يرغب بدفع الجيل الجديد ليتعلمو كيفيّة التفكير النقدي، وقد كنت جيّدة في ذلك بحق. المؤسف أنّ الأجر كان أدنى بكثير ممّا يجب أن يكونه".
العمل في مجال الجنس هو أحد الطرق غير الاعتياديّة التي يتجنب المدرسون المساعدون عبرها العيش في فقر مدقع أو حتّى التشرّد. إنّ 40% من المدرسين المساعدين هم ممّن يسجلون في برامج الدعم الحكوميّة. وليس مستغرباً لجوؤهم إلى الجمعيات الخيرية التي توزع الطعام والثياب. حتّى أنّه يوجد كتاب لإرشاد المساعدين إلى الطبخ، حيث يدلّهم على كيفية استثمار عظام البقر والدجاج وقشور البرتقال لإعداد الطعام.
لقد كانت المدرسة المساعدة التي لجأت إلى العمل في الدعارة مسؤولة عن تدريس ستّة مناهج دراسية سنويّة، لكنّها كانت تصارع رغم ذلك لتغطية نفقاتها بعد اقتطاع 1500 دولار كإيجار منزل، ودفع قروض الطلاب وفوائدها المرتفعة التي سحبتها من أجل الحصول على شهادتها الجامعيّة، ليصل المبلغ إلى عدّة آلاف. لقد قدّرت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2014 بأنّ المدرٍّ المساعد (سواء بروفسور أو دكتور أو حامل ماجستير) يحصل بشكل وسطي على 22,041 دولار سنوياً، بينما يحصل المدرّس المرتبط بعقد طويل الأمد على 47.500 دولار سنوياً.
قبل عدّة أعوام، نشرت الصحف صورة للمدرسة الخمسينيّة ماري فايث كيراسولي وهي تعلن بأنّها مشردة الآن وهي تتظاهر أمام مديرية التعليم في ولاية نيويورك. عرض عليها بعد فترة زوجان لطيفان أن تسكنا معهما لفترة وجيزة، ثمّ عادت للشارع. وانتهى بها المطاف في مركب إبحار متحطم على شاطئ نهر هدسون.
تقول البروفسورة ديبرا سكوت، التي تعمل على إنتاج فلم وثائقي عن المدرسين المساعدين: "علينا أن نكون فقراء إن أردنا الاستمرار في ممارسة مهنتنا. نحن نقوم بذلك لأننا مدمنون على التعليم وعلى طلابنا وعلى قيمنا".
لقد ازدادت أعداد المدرسين المساعدين مقابل المتعاقدين بعد الاقتطاعات المتتالية في تمويل الجامعات الحكومية بين 1990 و2009. تقرّ الجامعات الخاصة بأنّها تميل لتوظيف مدرّسين مساعدين أكثر: فهم عمالة أزهد ثمناً، وليس على الجامعة دفع أموال الأبحاث المخصصة لهم، ويمكن التحكم بساعات عملهم بشكل دقيق بحيث لا يكونون مؤهلين لتأمينهم صحياً.
هذا هو سبب إطلاق اسم "عمّال الأغذية السريعة في المجال الأكاديمي" على المدرّسين المساعدين. لقد صنّفت "الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع" عمل المدرّس المساعد بأنّه "عمالة خطرة"، وصرحت بأنّه: "لم يعد من نوع العمالة المستقر المنتمي لعمالة الطبقة الوسطى".
إنّ النضال من أجل البقاء يتخذ أشكالاً عديدة بالنسبة للمدرّسين المساعدين. لقد أخبرتنا البروفسورة التي عملت بالدعارة بأنّ خياراتها لم تكن واسعة حقاً، ولهذا فقد اختارت الأمر عمداً كأفضل وسيلة متاحة: "لقد كان أمامي خيار أن أعمل كعاملة بار لمدّة ستّة ساعات ليلاً بشكل يومي، أو أن أتحول إلى العمل بالجنس".
كان على كابريس لوليس البالغة من العمر 65 عاماً أن تقبل معها في منزلها الذي ورثته عن زوجها ثلاثة سيدات أخريات كمستأجرات من أجل أن تستطيع العيش، فمبلغ 18 ألف دولار سنوياً ليس كافياً للحياة الكريمة على الإطلاق.
إنّها على وشك خسارة هذا المنزل لعدم قدرتها على ترميمه، كما ينبغي عليها دفع الضرائب المفروضة عليه. تقول بأنّ رفاقها يشعرون بالخزي عندما يتكلمون عن حالتهم المادية العسيرة: "رفاقي يشعرون بالخزي بشكل غير مبرر. إنّهم يتعاملون مع الأمر وكأنّه فشلهم الشخصي، وأنا أقول لهم دائماً: أنتم لستم فاشلين، بل النظام هو الفاشل".
تعيش ميندي بيرسيفل البالغة من العمر 61 عاماً، وهي حاملة شهادة الدكتوراة من جامعة كولومبيا، في كوخ رثّ في غابة بعيدة عن كلّ شيء. لقد حصلت على هذا الكوخ الذي تسكنه عبر الوراثة. إنّه يبدو عادياً ورثّاً قليلاً من الخارج، ولكنّه مليء بالثقوب في الجدران والسقف. إنّها لا تملك غسّالة أو فرناً أو سخان ماء للاستحمام. تقول: "أنا على حافّة أن أكون متشردة، تماماً على الحافة". دمر إعصار إيرما سيارتها القديمة، ولهذا هي مضطرة للركوب مع بعض التلاميذ مقابل دفع ثمن حصّة من البنزين.
تعيش إيلين تارا، مدرسة اللغة الإنكليزية في جامعة سان خوسي، وزوجها المتقاعد في خيمة بجانب سيارتهما أو داخل السيارة التي يركناها في باحة الكنيسة المحلية. تقول إيلين: "لقد تعلمنا عبر السنوات أن لا نترك شيئاً على الأرض يدلّ على حياتنا، وألّا نبدو مثل مشردين. ليس مسموح لك أن تبدو كواحد منهم، وليس مسموح لك أن تركن سيارتك لفترة طويلة في مكان عمومي حتّى لا توقفك الشرطة". يضطر الزوجان لاستخدام الكؤوس والحفاضات لعدم وجود تواليت.
يسعى العديد من المدرسين المساعدين لتغيير حياتهم عبر التكتل في نقابات، وقد نجحوا في بعض الحالات في بعض الجامعات. لقد ازدادت أجور الذين نجحوا بنسبة 5 إلى 20% وفقاً لجولي شميدت، مديرة رابطة مدرسي الجامعات الأمريكية.
تحارب الجامعات مثل هذه التكتلات النقابية، ويقولون بأنّ مثل هذه الإجراءات سترفع تكاليف الدراسة على التلاميذ، ولن تجني ثمارها إلّا بعد وقت طويل.
لكن لا يملك الجميع جلد الكفاح من أجل التدريس: ريبيكا سنو، البالغة من العمر 51 عاماً، استقالت من التدريس بعد مواجهتها لمصاعب جمّة في الجمع بين متطلبات التدريس والعيشة الكريمة. تقول بأنّها شعرت بالتحرر رغم أنّ أوضاعها المالية ليست جيدة جداً.
لقد توصلت إلى قرارها هذا عام 2005، بعد أن كانت تدرس اللغة الإنكليزية في جامعة مجتمعية في دنفر. حيث كانت حالتها المالية المتردية تضطرها للانتقال بشكل مستمر من منزل لآخر، كلّ عام أو اثنين. وفي النهاية عيل صبرها عندما كانت تعيش في أحد المنازل المهترئة وانفجرت أنابيب الصرف الصحي ورفض المالك أن يصلحها. تعيش الآن في غرفة فوق كراج أحد أصدقائها في منطقة تقع على بعد 25 كلم شمال ولاية واشنطن. وقد نشرت رواية، وتعمل حالياً على الثانية.
قالت: "لقد كان التدريس حلماً، لكنّ التشرد كان واقعاً".
عن "The Guardian" البريطانية بتصرف...