التصعيد.. تمهيداً للتسوية أو للحرب؟
كثر الحديث عن حرب مقبلة ستشنّها الولايات المتحدة الأميركية على سورية، كردّ على “مسرحية” الكيماوي المجترّة والمكررة، والتي تشبه إلى حد بعيد التلفيق والأكاذيب حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، مهدت لاحتلاله وإغراقه في أتون من الدم والدمار والتفجير.
إن التهويل والحرب النفسية الحاصلة والحديث عن تأكيد بشنّ خيار حرب، يرافقه نوع من الإرباك الأميركي المتمثل بعبارات “درس الخيارات”، وتأكيدات بأن الهدف ليس الذهاب إلى حرب شاملة، إنما عمليات محدودة هدفها إضعاف النظام السوري، وليس شنّ حرب تؤدي إلى انفجار المنطقة بشكل كامل، ويعكس الإرباك الأميركي – الغربي هذا تقدير وإدراك للنتائج الخطرة المترتبة على هذا السيناريو، فسورية وحلفاؤها يملكون من القوة والأوراق ما يجعل الخيار بالذهاب إلى الحرب الكبرى خياراً مكلفاً جداً، إن لم نقل خياراً انتحارياً.
وفي تقييم للخيارات المتاحة ودوافعها نجد ما يلي:
أولاً: استحالة القيام بتدخل عسكري واسع النطاق والزج بالجيوش إلى الداخل السوري، لأن هذا قد يؤدي إلى فتح باب جهنم، حيث سيشتعل الحريق في منطقة متداخلة ومتشابكة بشكل قد يُعرف كيف يبدأ، لكن لن يُعرف كيف تنتهي، والأكيد أن الحرب الشاملة التي سيشنّها الغرب ستستوجب رداً من قبل المحور المتحالف مع سورية، وستدخل إيران الحرب، ولن تتأخر روسيا عن الرد – ولو أعلن لافروف صراحة أن روسيا لن تدخل حرباً عسكرية – لكن بإمكانها الرد بوسائل أخرى غير تقليدية، وقد لا تستوجب بالضرورة إدخال الجيوش النظامية في حرب على الأراضي السورية، وبالتأكيد لن تسمح روسيا للغرب بأن ينتزع منها المكاسب التي كسبتها على الصعيد الدولي خلال العامين الماضيين من عمر الأزمة السورية.
من هنا، فإن خيار الحرب الشاملة يستبعده العقل والمنطق، وهو ما يعلنه الغرب مع كل عبارة تهديد باعتماد الخيار العسكري، لأن الحرب الشاملة قد تؤدي إلى خروج كامل لأميركا من المنطقة، ولن تنجو “إسرائيل” من تداعيات هذا الأمر، وهذا ما لا يرغبه الغرب بالتأكيد.
ثانياً: القيام بضربات محدودة لأهداف سورية عسكرية، وهو ما انفك الغرب يعلن عنه ويؤكد عليه في حال اللجوء إلى الخيار العسكري، علماً أن اللجوء إلى مثل هذا الخيار فيه مؤشرات عدة أهمها:
أ – أن الأميركيين تيقنوا من فشل “الوكيل الوهابي” في استراتيجية إعادة التوازن التي أعلنوها كعنوان لمرحلة ما بعد القصير، التي أسقطت الحصان “الإخواني” في سورية بالضربة القاضية، كما أن خيار الاعتماد على “إسرائيل” للقيام بمثل هذه الضربات قد بات متعذراً لأسباب عدّة، منها أن قيام الذراع “الإسرائيلية” بتنفيذ المخططات الأميركية لا يمكن أن يمر بسهولة هذه المرة، خصوصاً بعد التهديد الواضح على أثر الضربة الأخيرة، والتأكيد أن أي عدوان “إسرائيلي” هذه المرة سيستوجب رداً كبيراً ومؤلماً لـ”إسرائيل”، قد لا تستطيع أن تتحمله.
وهكذا، تكون أميركا بقيامها بالعمل العسكري بنفسها قد تيقنت من فشل جميع وكلائها في المنطقة؛ “إسرائيل” و”الإخوان” و”الوهابيين”، وبات عليها أن تتخلى عن سياسة “تصدر القيادة من الخلف” وتقوم بالعمل بنفسها، وهو يعتبر – في جميع الحالات – فشل للسياسة الأميركية في المنطقة، يضاف إلى فشلها السابق في العراق وأفغانستان وغيرها.
ب- حاجة الغرب إلى “انتصار ما” في سورية يمكن استثماره للذهاب إلى المفاوضات، وللتحصّل على أوراق ميدانية للاستخدام سياسياً في “جنيف 2″، ومن يتابع المسار الزمني والمحطات التاريخية التي مرت بها الحرب السورية، يلاحظ أن اقتراح الذهاب إلى “جنيف 2″، تمّ خلال زيارة كيري إلى موسكو على أثر الإعلان الأميركي عن الغارة “الإسرائيلية” على مواقع عسكرية سورية، والتراجع عنه تمّ بعد الهزيمة في القصير، وتم إعلانه خلال قمة أوباما بوتين على هامش مؤتمر قمة الثمانية، حين أعلن أوباما أنه لن يذهب إلى المفاوضات إلا بعد “إعادة التوازن” في الميدان السوري. من هنا تكون الضربات العسكرية المحدودة التي يتم الإعلان عنها كخيار هي مؤشر على يأس غربي من أي إمكانية لإحراز تقدم ميداني على الأرض السورية يستثمرونه في المفاوضات.
والسؤال: هل سيذهب الغرب إلى هذا الخيار، أم أن الأمر مجرد تهويل وحرب نفسية؟
الجواب رهن بالاتصالات السرية الجارية لمحاولة جسّ نبض الطرف المقابل، فإن وصلت الرسالة واضحة إلى الغرب بأن هذه الضربات سيتم الرد عليها بقوة ولن تمر مرور الكرام ولن يقوم الحلف المقاوم بضبط النفس، فعندها ستكون زوبعة في فنجان، وإذا كان الجواب أن ضبط النفس سيُمارَس وسيسمح للغرب بتحقيق انتصار “إعلامي” يسمح له بالنزول عن الشجرة، والذهاب إلى حل سياسي يتوّجه مؤتمر “جنيف 2″، فعندها سنتوقع قيام الغرب بالتصعيد وضرب بعض “الأهداف” السورية التي سيقال إنها “ستقضي على قدرته الكيماوية”.
المصدر: الثبات