دفاعاً عن قطر
لا يصدقنّ أحد حكاية الدفاع عن قطر، ولكن، لا أخفيكم سراً، خطر ذلك في بالي للحظات، وأظنه رد فعل يرتقي إلى مستوى اللاشعور، تجاه مواقف الولايات المتحدة، بعد أن دخل دونالد ترامب على خط الأزمة محرضاً على قطر، بشكل مباشر خلال تغريدة له على صفحته الشخصية في تويتر، فنحن من الذين يتبنون ذلك الرأي القائل: حيثما يكون الموقف الأمريكي أكون ضده.
كتب السيد «الرسمي» للبيت الأبيض: «من الجيد أن نرى أن الزيارة إلى السعودية (للقاء) الملك و(زعماء) 50 دولة، تأتي بثمارها بهذه السرعة. قالوا إنهم سيأخذون موقفاً حازماً من تمويل التطرف، وكانت الإشارات كافة تدل على قطر. ربما سيكون ذلك بداية نهاية رعب الإرهاب»، وجاء كلام ترامب تأكيداً على رأي أشرنا إليه سابقاً، وهو: إن هذا التصعيد السعودي، ما كان له أن يكون، إلا بعد ضوء أخضر أمريكي، وطالما أن الأمر كذلك، فإن الشرط الأول لقراءة صحيحة للمشهد الخليجي الراهن قراءة صحيحة، تتطلب التعاطي معه، خارج ثنائية «قطر – السعودية»، التي تحاول الترسانة الإعلامية فرضها، كثنائية وهمية جديدة، فكلاهما من ذات المستنقع، بل يجب النظر إلى حدث بهذا المستوى، ضمن أربعة احداثيات:
- التراجع الأمريكي، والتوازن الدولي الجديد.
- الانقسام ضمن الإدارة الأمريكية.
- انقسام البنية التابعة، للمركز الإمبريالي الأمريكي
- التنازع القبلي الموروث على النفوذ، لدى حكام الخليج، مع الإشارة إلى أن هذا النفوذ مستمد أصلاً من «ولي الأمر» الدولي.
أول ما ينبغي التذكير به، هو أن دينامية التراجع والانكفاء الرأسمالي، تشمل بالضرورة بعض عناصر البنية ذاتها في المراحل المتقدمة من الأزمة، قبل أن تودي بالبنية كلها، هنا يفعل قانون الغابة الرأسمالي فعله « الشركات الكبرى تبتلع الشركات الصغرى، الدول الكبرى تبتلع الدول الصغرى»، الذي تزداد فعاليته في فترة الأزمات الرأسمالية، كل يقول اللهم أسألك نفسي! فدولة قطر، أو الدويلة كما يسميها الشامتون بالأمير تميم وصحبه، كانت جزءاً فاعلاً، وأداة مباشرة في منظومة السياسات الإقليمية المرسومة أمريكياً، ولأن هذه المنظومة باتت عاجزة عن أداء دورها، في ظل التوازن الدولي الجديد، فإن انفراط عقدها يصبح أمراً مسلماً به، بحكم أن المركز الإمبريالي مضطرٌ أن يتخلص من الأحمال الزائدة، بعد استهلاكها. ألم نجد شيئاً من هذا القبيل، بالملموس في طريقة التعاطي مع تركيا، و ملامح شيء يشبه ذلك حتى تجاه أوربا وخصوصاً بعد زيارة ترامب الأخيرة، وتصاعد الخلاف الأوربي – الأمريكي. إن السمة الأساسية للمرحلة القريبة اللاحقة في العلاقات الدولية، ستكون المزيد من الانقسام في المنظومة، التي كان يجري التحكم بها أمريكياً على مدى عقود.
بعيداً عن الكذبة المتداولة في الإعلام السعودي، بأن أحد أسباب الخلاف مع قطر هو: علاقتها بإيران، ولكن، ربما يكون تفجير البيت الخليجي الداخلي، محاولة من قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، لاستدراج إيران إلى مواجهة عسكرية، تجد نفسها مضطرة إلى الانخراط فيها، بحكم الجغرافيا السياسية والتهديد المباشر لأمنها القومي، الأمر الذي يعني إشعال المنطقة برمتها، بغض النظر عن الكارثة الكونية التي من الممكن أن تحدث جراء مغامرة كهذه في منطقة الخليج، فالرأسمالية المأزومة عادة: تصبح حمقاء، وعمياء، ومجنونة، ومستعدة للقيام بأية مغامرة كانت.
ومن جملة أهداف قوى الحرب في توتير الخليج، الالتفاف على تصاعد النفوذ الروسي والصيني المتنامي في هذه المنطقة الذي يأخذ جانبين: اقتصادي وسياسي، مما يفتح المجال أمام هذه القوى الصاعدة لإمكانية احتواء هذه المنطقة لاحقاً، وإخراجها من حالة التبعية المزمنة.
إن تباين المواقف بين النخبة الامريكية، بما فيها النخبة الرسمية يعكس مرة أخرى واقع الانقسام الأمريكي، فالقوى الرأسمالية التقليدية في الغرب عموماً، وفي الولايات المتحدة خصوصاً التي ترتبط بشبكة مصالح مباشرة مع إمارات الخليج وممالكها، التي تسعى إلى استمرار بقاء هذه المنطقة بمثابة الكنز الدفين الذي كان احتياطاً استراتيجياً تهبش منه «ع الساكت» من الطبيعي أن تصطدم بتلك القوى التي تبدو في عجلة من أمرها تحت وطأة الأزمة، وتريد استنزافاً إضافياً لثروات الخليج «مواده الخام، وفائضه النقدي الخيالي» لعل وعسى تسد شيئاً من الثقب الاسود للأزمة، وعليه فإن قطر قد تكون لعنة لهذه القوى في الإدارة الامريكية، ليس بسبب دعاء الاخوان المسلمون لها بالتأكيد، ولا لصحوة ضمير عند حكامها، بل لأن الوحوش الضواري سينهشون من جسد بعضهم...! ألم تخسر قوى الحرب في الكثير من المغامرات الأقل شأناً وأهمية خلال السنتين السابقتين، فكيف بمنطقة كالخليج؟