ندوة براتسلافا.. كيف يستعيد اليسار دوره
تحت شعار «الذكرى المئوية لثورة أكتوبر، والمطلوب كي يستعيد اليسار دوره» عقدت مجموعة من القوى اليسارية والشيوعية لقاء في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا يومي 27-28 ايار/مايو 2017.
اللقاء الذي يعد الثاني من نوعه بعد أن تم اللقاء الماضي في الدانمارك في عام 2016، افتُتح بكلمة لرئيس الحزب الشيوعي السلوفاكي يوزيف هردليتشكا استعرض فيها دور الحزب الشيوعي السلوفاكي بمواجهة الهجمات الامبريالية وصعود القوى الفاشية في أوربا. هذا وقد حضر اللقاء رفاق من الحزب الشيوعي العراقي وممثلون عن الحزب الشيوعي السوري الموحد وتيار طريق التغيير السلمي في سورية وحزب الارادة الشعبية في سورية، بالإضافة إلى عدد من اليساريين المستقلين.
هذا وقد ألقى الرفيق معن خالد عضو المجلس المركزي لحزب الإرادة الشعبية محاضرة بعنوان (انفتاح الأفق: اتجاه موضوعي لا راد له في ظل أزمة الامبريالية العالمية) ينشر موقع قاسيون فيما يلي نصها الكامل.
انفتاح الأفق: اتجاه موضوعي لا راد له في ظل أزمة الامبريالية العالمية
إن الهدف الرئيسي لهذه المحاضرة، هو توضيح مصدر التفاؤل السياسي الذي يؤكد عليه حزب الإرادة الشعبية منذ أكثر من عقد من الزمن. هذا التفاؤل الذي يقابله البعض بالاستهجان، بناء على وقائع الدمار والأزمات التي تجتاح منطقتنا بدءاً من سورية وفلسطين المحتلة ومروراً بالعراق واليمن وليبيا وصولاً إلى المخاطر التي تحدق بمصر والجزائر وتونس الخ الخ.. إن هذا التفاؤل يتمثل روح ثورة أكتوبر العظيمة، ويبتعد كل البعد عن روح الهزيمة التي سادت قوى اليسار بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن الماضي.
في الحقيقة إن مصدر هذا التفاؤل تمت الإجابة عليه نظرياً منذ بدء حالة حزب الارادة الشعبية بالصيغة السابقة على شكل المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري عام 2003 ولاحقاً اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، حيث ورد في نص تقرير المؤتمر الاستثنائي للحزب حينها مايلي (1):
(إن كل التطور العالمي يثبت أن قانون التطور المتفاوت الذي اكتشفه لينين في أوائل القرن الماضي يفعل فعله اليوم، فيما بين ما يسمى بلدان الشمال وبلدان الجنوب، وتتحول هاتان الحلقتان إلى حلقتين ضعيفتين كل بطريقتها، وهذا يسمح بالافتراض بأن التطور العالمي اللاحق في أوائل القرن الواحد والعشرين، سيشهد انهياراً شاملاً للمنظومة الرأسمالية العالمية التي ستنفجر بفعل تناقضاتها الداخلية، والتي يلعب فيها قطب الشعوب يوماً بعد يوم دوراً متعاظماً ومتسارعاً، مما يؤكد حتمية انهيار الرأسمالية التي لم تنج من مصيرها بسبب الانهيارات في الدول الاشتراكية التي جرت في نهاية القرن الماضي، بل إن هذه العملية بعد الوقت المستقطع بين (1991 ـ 2001) قد تطورت وتحفزت واقتربت من نهايتها المنطقية، وهذا يسمح لنا بالقول بكل جرأة: أن زمن انفتاح الأفق المؤقت أمامها في النصف الثاني من القرن العشرين الذي استطاعت أن تغير فيه ميزان القوى العالمي لصالحها، قد ولى إلى غير رجعة، وأن عملية عكسية قد بدأت، سيميزها تغير تدريجي سريع لميزان القوى لصالح القوى الثورية العالمية أي أن الأزمة التي كانت تعاني منها هذه القوى هي في طور الانتهاء، وهي في حالة انتقال إلى مرحلة صعود، عليها أن تستعد لمواجهتها وتحقيق أكبر النتائج الممكنة على أساسها).
اذا، فإن ما ينبغي الإجابة عليه، هو ما حقيقة انفتاح الأفق أمام الشعوب والحركة الثورية مقابل انسداد الأفق أمام النظام الرأسمالي العالمي؟
للإجابة على ذلك سيتم عرض ثلاثة جوانب أساسية حول الوضع الراهن للنظام العالمي.
أولاً- البعد المتعلق بالتطور العام للرأسمالية
ثانياً- البعد المتعلق تطور الحركة الاجتماعية
ثالثاً- البعد المتعلق بالصراع الجيوسياسي الدولي كتعبير عن تغير في بنية النظام السياسي الدولي وتغير ميزان القوى الدولي كانعكاس للأزمة الرأسمالية.
أولاً- البعد المتعلق بالتطور العام للرأسمالية
هناك العديد من النظريات التي تشرح تطور الرأسمالية في أدبياتنا الماركسية والتي تركز على الأزمات الثلاث في الرأسمالية (الأزمة الدورية والأزمة البنيوية والأزمة العامة) والتي سيتم استعراضها لاحقاً بأهم مستجداتها.
أ- ولكن سنلقي الضوء في هذه المحاضرة بداية على نظرية تشرح التطور الرأسمالي على شكل موجي، وهي نظرية الموجات الطويلة، والتي تستحق النقاش. هذه النظرية صاغها العالم الروسي نيكولاي كوندارتييف وتم شرحها في ورقة بحثية في عام (1935). وفق نظرية كوندارتييف فإن التطور الرأسمالي يمر عبر موجات هبوط وصعود تمثل في مجموعها 50 عاماً تقريباً لكل موجة، منها حوالي 25 للصعود ومثلها للهبوط. وللدلالة على كل من الصعود والهبوط استخدم كوندارتييف مجموعة من المؤشرات الاقتصادية مثل: المستوى العام للأسعار- معدل الفائدة- الأجور والتجارة الخارجية- إنتاج واستهلاك الفحم والحديد. وهي العوامل الأساسية المرتبطة بعملية الإنتاج الرأسمالي واعادة الانتاج في تلك المرحلة. وعلى هذا الاساس تم تقسيم التطور الرأسمالي بين عامي 1780 إلى 1920 إلى ثلاث موجات رئيسية:
1- 1780 حتى عام 1855 والتي شهدت صعوداً منذ نهاية 1780 وحتى بداية 1815 ثم بدأ الهبوط.
2- 1855 حتى عام 1896 والتي شهدت صعوداً من 1851 حتى 1875 وثم بدأ الهبوط.
3- 1896 حتى عام 1945 والتي شهدت صعوداً منذ عام 1896 حتى 1920 ثم بدأ الهبوط.
في إطار تفسير هذه الموجات أوضح كوندراتييف أن تفسير هذه الموجات متعلق بالدرجة الأولى بتقلبات في عدة عوامل أبرزها: التغير التكنولوجي- الحروب والثورات- دخول بلدان جديدة بالاقتصاد العالمي- التقلب في إنتاج الذهب.
ليس من مهمة هذه المحاضرة التعليق على دقة وصحة هذه النظرية، والتي قد تثير جدلاً من حيث مدى دقتها (حيث لايزال الجدل قائما حول العلاق السببية بين مرحلة الصعود والهبوط، ومن الممكن أن تستخدم هذه النظرية في تبرير أزمات الرأسمالية بانها طبيعية، وهي مسالة وقت ومن ثم ستنتعش الرأسمالية)، ولكن المراد هو الاستعانة بأهم الطروحات النظرية العلمية التي تثبت وتوضح واقع النظام الرأسمالي المأزوم اليوم. وباستعراض سريع لاهم التحديثات لهذه النظرية، واستعراض المؤشرات الاقتصادية بناء على هذه المؤشرات، سنجد أن التطور الرأسمالي خلال الفترة الماضية يأخذ الشكل التالي (2) وذلك وفقاً لمؤشر ستاندر آند بورز والذي يعتبر واحداً من مؤشرات أسعار الأسهم لـ 500 من أكبر شركات الولايات المتحدة الامريكية:
أو بصورة أكثر تجريداً وفق الشكل التالي (3):
حيث نلاحظ وفق هذين الشكلين، أن ذروة مرحلة الصعود، والتي بدأت في سبعينيات القرن الماضي كموجة خامسة، انتهت بأزمة عام 2008 حيث بدأت مرحلة الهبوط التي يفترض وفق هذه النظرية أن تمتد لـ 25 أو 30 عاماً أخرى. ومرة أخرى وبمعزل عن دقة التوقيتات ولكن الثابت أن الرأسمالية التي قيل عنها أنها «نهاية التاريخ» في تسعينات القرن الماضي عادت لتدخل طور أزمة عميق بدءاً من العام الثامن من القرن الواحد والعشرين.
ب- بناء على ما سبق يمكن الآن استعراض تطورات الأزمة الرأسمالية العالمية التي انفجرت على شكل أزمة مالية في عام 2008. وقبل ذلك الاستعراض ينبغي توضيح فكرة هامة وجوهرية، وهي كيفية رؤية التطور الرأسمالي بشكل عام خلال المئة عام الاخيرة ولربما يكون مؤشر ثورة أكتوبر عام 1917 نقطة علام أساسية في هذا السياق حيث كانت الثورة وما أنجزته لاحقا نقطة تحول نوعية في تاريخ التشكيلة لاقتصادية الرأسمالية بدخولها أزمتها العامة اي أزمة استبدال هذه المنظومة. أو بمعنى آخر كما صاغها الباحث سمير أمين أن مايتم الحديث عنه اليوم "ليس الأزمة في الرأسمالية بل عن أزمة الرأسمالية". بمعنى آخر يمكن القول اليوم أنه: "لم يعد هناك رأسمالية تتطور وتتأزم بل بالعكس اليوم نحن أمام أزمة مستمرة تتعفن من خلالها الرأسمالية أكثر فأكثر".
ولتوضيح ذلك سنتحدث عن المؤشرات التالية:
1- ميل معدل الربح الى الانخفاض. حيث بينت دراسة استبيانو مايتو(4)، المنشورة في عام ٢٠١٤ من قبل جامعة ميونخ، ميل معدل الربح للانخفاض على الصعيد العالمي من حوالي ٤٠٪ عام ١٨٧٠ إلى نحو ٢٠٪ عشية الأزمة عام ٢٠٠٧-٢٠٠٨، أما في دول المركز الرأسمالي، فقد انخفض من ٤٢٪ إلى ١١٪ عام ٢٠١٠ الجدول التالي مأخوذ من الدراسة السابقة (التي اعدها الرفيق سلام الشريف في اللقاء السابق ف الدانمارك 2016) ويوضح تطور معدل الربح في بعض دول المركز الأساسية:
2- الركود طويل الأجل، وهو سمة باتت أصيلة في المراكز الامبريالية (الولايات المتحدة- اليابان- الاتحادالاوربي) ولتوضيح ذلك انظر الشكل التالي(5) الذي يعرض انخفاض معدل النمو حتى في مراحل الازدهار، ضمن الدورة الاقتصادية في الاقتصاد الامريكي:
3- التوسع العمودي (6)، ففي ظل الأزمات لا يبقى أمام رأس المال سوى التغول والتوسع العمودي، أي تخفيض حصة الأجور من الدخل وهو الاتجاه العام في دول المركز الرأسمالي منذ الثمانينات، والذي تسارع بعد الأزمة، ورفع مستويات نهب القيمة الزائدة. الجدول التالي يبين تراجع حصة الأجور من الدخل الوطني في دول المركز والمأخوذ من تقرير منظمة العمل الدولية.
حصة الأجور المعدلة من الدخل الوطني 1991-2013:
أحد مكونات الرد على الأزمة في دول المركز جاءت على شكل برامج تقشفية، بتأثيرها السلبي على الأجور بأوجه متعددة، فمن تخفيض حصة الأجور من الدخل عبر برامج تسريح العمال، حيث سيتم في فرنسا شطب ٣٥٠ ألف وظيفة في السنوات الخمس القادمة على سبيل المثال، إلى الاقتطاعات من مختلف عناصر الأجور غير المباشرة (الخدمات الاجتماعية) والأجور المؤجلة (الرواتب التقاعدية)، وصولاً إلى رفع الاقتطاعات من الأجور عبر ضرائب، ورسوم وإلخ..
4- محاولات تعزيز النمو الاقتصادي بإنعاش المنظومة بالقطاع المالي، والتي أدت الى انفجار الأزمة في عام 2008، لا تزال تسير بنفس الاتجاه، وإن بآليات أكثر تعقيداً مثل (سياسات التيسير الكمي). وهذه السياسات هي ذاتها من حيث المبدأ التي عمقت التناقض الاجتماعي في دول المركز (تقرير أوكسفام في 2017 يقول: إن أغنى 8 أشخاص يملكون ثروة تعادل ثروة أفقر 3,6 مليار انسان)، وفتحت الباب لمزيد من خطر الأزمات المالية على مستوى المركز (في نيسان الماضي حذر صندوق النقد الدولي، بأن 4 ترليون دولار من أصول الشركات الأمريكية عرضة للانهيار في حال تم رفع سعر الفائدة)، كما فتحت النار على كل المنظومة الاقتصادية في الدول الصاعدة ودول الاطراف عبر ما يسمى حرب العملات (على سبيل المثال يؤدي مع رفع سعر الفائدة الامريكية إلى بيع المستثمرين الاجانب السندات التي اشتروها من الدول الصاعدة وسيتجهون الى السوق الامريكية ما يؤدي الى انهيارات في سوق السندات في الدول الصاعدة، وهو ما دفع وزير مالية البرازيل للاحتجاج في عام 2011 على هذه السياسة). وإن واحداً من أهم تناقضات هذه النزعة، هو فتح الباب بقوة للحديث عن إيجاد منظومة تبادل مستقلة عن الدولار ما يعني هز شريان الامبريالية الابهر الذي لعب دوراً محورياً في الهيمنة الامبريالية لدول المركز، وتحديداً المركز الأمريكي.
5- دور رأس المال الإجرامي المتصاعد في المنظومة العالمية لجهة تامين مخارج اقتصادية، ما أسس لقاعدة اجتماعية-اقتصادية ضخمة للفاشية التي تاخذ أشكااً سياسية وعسكرية لتأمين مخارج، وإن كانت مؤقتة للامبريالية العالمية (بالنسبة للمخارج العسكرية للأزمة يجب ملاحظة أن فكرة الحرب الكبرى باتت مستبعدة، إلى حد كبير نتيجة التكافؤ العسكري النووي بين القوى الدولية، وهو ما يفتح احتمال الحروب الصغيرة والمتوسطة، التي تلعب فيها قوى الفاشية دوراً مثالياً). إن دور رأس المال الإجرامي في إسناد النظام العالمي تعزز بشكل كبير بعد أزمة عام 2008 فوفقا لانتونيا ماريا كوستا رئيسة مكتب الأمم المتحدة للمخدارت والجريمة في عام 2009 فإنه:«تم ضخ حوالي 352 مليار دولار أمريكي في المصارف ابان الانهيار المالي في عام 2008 من أموال تجارة المخدرات غير الشرعية كونه المصدر الوحيد للسيولة في ذلك الوقت»(7). وإن ذلك غير مستغرب نظراً لحجم التجارة الدولية في المخدرات المبين في الشكل أدناه (8). المهم في هذا الموضوع أنه يفتح الباب مجدداً لنقاش النزعة المتأصلية في الامبريالية العالمية نحو الفاشية نتيجة لتطور قاعدة اجتماعية ضخمة لهذه الفاشية وذلك اعتماداً على تعريف جورجي ديمتروف الرفيق الشيوعي البلغاري: (الفاشية هي الدكتاتورية الإرهابية للعناصر الأكثر رجعية وشوفينية وإمبريالية لرأس المال المالي.. وهي حكم رأس المالي المالي بذاته)، والذي يطرحه رفاقنا بحزب الارادة الشعبية اليوم بالصيغة ذاتها مع اضافة رأس المال الإجرامي.
الجدول التالي يبين أن حجم التجارة غير الشرعية في المخدرات تفوق تجارة الالبسة والأقمشة، كما تفوق تجارة المركبات والمحركات، وهي تقارب تجارة النفط والغاز مع ملاحظة ان هذه البيانات قديمة تعود لعام 1995.
ثانياً- بعد تطور الحركة الاجتماعية
أنه من المنطقي، توقع حدوث تحولات اجتماعية على أرضية أزمة النظام الرأسمالي وعلى ذلك لا ينبغي رؤية الجانب لاقتصادي من الأزمة بل يتعداه إلى رصد أهم التطورات الاجتماعية والسياسية المرافقة. وفي هذا السياق فقد قدم دونكان فراسر (Duncan Fraser,2014) (9)من جامعة London School of Economics رسالة دكتوراه مؤخراً للربط بين نظرية الموجات الطويلة وعلاقتها بتغيرات فرص التغيير السياسي، وعلى صعيد الحركة الاجتماعية بين اليمين واليسار. وفقاً لفراسر الذي قام بتحليل التاريخ السياسي للولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا فإن «هنالك علاقة متميزة بين الموجات الطويلة في المجال الاقتصادي وبين التغيرات السياسية تجاه قوى اليمين وقوى اليسار». ومن أهم ملاحظاته: أنه في مرحلة الهبوط في كل موجة فإن حالة عدم الاستقرار والتقلب تسود في العقد الاول من الهبوط، ولاحقاً يتعزز دور «اليسار» (اليسار من منظور فراسر وهو يتحدث هنا بشكل ميكانيكي حيث يفترض فراسر ان لاتغيير على قوى اليسار واليمين مع كل مرحلة هبوط وصعود، إنما التغيير يكون في ميول الحركة الاجتماعية) في نهاية تلك الحقبة إلى أن يسود توافق جديد. ولكن بمعزل عن النتائج المقدمة في ذلك البحث ما يهم من هذه الفكرة هو الربط بين التطورات الاقتصادية التي ثبتتها الأزمة وبين تغيرات الحركة الاجتماعية التي تعود للنشاط في مراحل الأزمات.
ومن هنا يغدو السؤال ملحاً عن حال الحركة الاجتماعية تحديداً في دول المركز؟ وهو الهدف الرئيسي لهذه الفقرة. ولذلك سنستعرض الاحتجاجات الرئيسية على المستوى العالمي، وهي مؤشر هام يعبر عن نهوض الحركة الاجتماعية، كردة فعل على الوضع الاقتصادي المأزوم. وفيما يلي جدول الاحتجاجات على مستوى العالم (10) بين عامي 2006-2013 يوضح تطوراً هاماً في حجم الاحتجاجات في الدول ذات الدخل المرتفع، حيث زادت الاحتجاجات من 17 احتجاج في 2006 اي قبل انفجار الأزمة الراسمالية الى 60 اجتجاج في عام 2012 بعد 4 سنوات من انفجار الأزمة:
ولتوضيح مطالب هذه الاحتجاجات، سنجد أنها مصنفة وفق أربع معايير (العدالة الاجتماعية وضد التقشف وهي أعلى المؤشرات- الفشل السياسي في التمثيل- العدالة الدولية- الحقوق) على الشكل التالي(11):
الملاحظة الثانية في هذا السياق، هي إعادة فتح النقاش بشكل هام على صعيد النخب السياسية والعلمية حول «الديمقراطية الليبرالية» ومدى تعبيرها المطلق لمصالح النخب الاقتصادية ما وسع حالة عدم الرضى الشعبي في دول المراكز حول أداء النظام السياسي (مؤشر الايكونميست البريطانية للديمقراطية(12) 2016 أشار إلى أن مستوى عدم الثقة الشعبي بالحكومة الامريكية وصل الى أدنى مستوى تاريخي له، بالإضافة الى بحث Gilens and Page (2014) (13) الذي خلص إلى أن غالبية الامريكيين لا يقررون مخرجات نظامهم السياسي، وأن الغالبية تخسر مصالحها مقابل مصالح النخب الاقتصادية، وأنه حتى لو شاركت الغالبية العظمى في الانتخابات فإن صناعة القرار ستظل تحت هيمنة المصالح الاقتصادية).
كما أن هذا الوضع سمح للعديد من النخب السياسية، بوصف هذه المرحلة بـ«ما بعد الديمقراطية » (14) (كولين كراوش 2004)، حيث يرى كراوش أنه (في مرحلة ما بعد الديمقراطية فإنه وعلى الرغم من وجود الانتخابات، حيث يمكن تغيير الحكومات إلا أن النقاش الانتخابي العام مُسيطر عليه ومُدار من قبل مجموعة متنافسة من التقنيين والمختصين في مهارات الإقناع، يوجهون النقاش إلى مجموعة صغيرة من القضايا منتقاة من قبلهم. أما جماهير المواطنين فيلعبون دوراً مُنفعلاً لا فعالاً وغير مكترث بهذه العملية ويستجيبون فقط لإشارات أولئك الخبراء. إن خلفيه هذا المشهد الانتخابي السياسي تُشكَّل حقيقة بشكل خاص، عبر تقاطع المصالح بين الحكومة المنتخبة، والنخب التي تمثل بشكل ساحق المصالح الاقتصادية).
يُضاف إلى ذلك تثبيت وسم أنظمة المركز الغربي بالاوليغارشية (بيثام 2011، الاوليغارشية غير المنتخبة Beetham D, 2011، حيث يتحدث بيثام عن النظام البريطاني، كنموذج للاولغارشية ويوضح مظاهر هذه الأوليغارشية بالعديد من العوامل: كتمويل الأحزاب السياسية والمراكز البحثية ومجموعات الضغط، ولكنه يركز ايضاً على عامل هام وهو ما سماه «الباب الدوار» للإشارة إلى دور أولئك السياسيين، الذين يدخلون العمل الحكومي بعد أن كانوا على رأس مؤسسات اقتصادية خاصة، أو الذين يتقاعدون من العمل الحكومي، ثم يتوجهون للعمل في المؤسسات الاقتصادية الخاصة، ووفق بيثام، فإنه في عام 2008 كان 28 وزيراً ممن أنهوا أعمالهم في الحكومة، عملوا لاحقاً في القطاع الخاص وفي عام 2011 كان الرقم 31 وزيراً ممن عملوا في القطاع الخاص بعد الاستقالة. يضاف إلى كل ذلك أن 20% من جميع الوظائف الحكومية تُشغل بموظفين يأتون من مجلس اللوردات) (15).
إن كل ذلك يشير الى أن مستوى عدم الرضى حتى في أهم مفاصل النظام السياسي للامبريالية «الديمقراطية الليبرالية» يشهد حالة من عدم الرضى على المستوى الشعبي، وهو ما يعني بدء نضج الشرط الاجتماعي لحركة واسعة لاتقف حدودها عند حدود المطالب الاقتصادية.
ثالثاً- الصراع الجيوسياسي الدولي، كتعبير عن تغير في بنية النظام السياسي الدولي وتغير ميزان القوى الدولي كانعكاس للأزمة الامبريالية
إن مهمة هذا البعد هي توضح مدى صعوبة اعتماد الامبريالية على الحل التقليدي لأزماتها، أي الحرب (الرئة الحديدية) التي تتنفس منها الامبريالية. إن هذا الأمر مرتبط بالتحولات التاريخية التي جرت على وضع التشكيلات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية الدولية، ما بعد الحرب العالمية الثانية. حيث جرت عملية إعادة توزع لعوامل القوة الاقتصادية والعسكرية، التي كانت متركزة في خمس دول هي بريطانيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا واليابان، لتشمل الصين، الهند، روسيا، البرازيل ودولاً أخرى. علماً بأن عدد سكان الصين لوحدها يبلغ ضعف عدد سكان المراكز الإمبريالية التاريخية والحالية، وعدد سكان دول «بريكس» مجتمعة يبلغ ٤٢٪ من سكان الكرة الأرضية، في حين يشكل سكان المركز التقليدي مايقارب ٧٪ فقط (16).
على الصعيد الاقتصادي، انخفضت حصة المراكز الإمبريالية من الإنتاج الدولي مما يقارب ٨٠٪ في التسعينات إلى ٥٥٪، وفي الوقت نفسه تضاعفت حصة دول المحيط الرأسمالي من الإنتاح العالمي من ما يقارب ٢٠٪ إلى ٤٥٪ اليوم. كما ارتفعت حصة دول (بريكس) من الإنتاج العالمي إلى حوالي ٢٧٪، وارتفعت حصة دول المحيط الرأسمالي في التجارة الدولية، إلى ما يقارب 50% ، بعد أن كانت حوالي ٢٠٪ في التسعينات (17). ومؤخراً استعرضت صحيفة قاسيون (18) الأوزان تغير الأوزان الاقتصادية بين دول الشمال ودول الجنوب، حيث أظهرت البيانات استمرار تراجع حصة الدول المتقدمة من التجارة الدولية، والناتج الاجمالي العالمي مقابل زيادة وزن الدول الصاعدة وهو مؤشر على زيادة وزنها الدولي الاقتصادي وبالتالي السياسي.
-
ومن نافل القول، أن نجد أكبر دولتين من بين الاقتصادات الصاعدة وهما الصين وروسيا، ناهيك عن تبوؤهما مواقع متقدمة على صعيد القوة العسكرية والنووية، تطرحان مشاريع جيواقتصادية عملاقة وهما المشروع الأوراسي بقيادة روسيا ومشروع الصين (One Belt, One Road)، اي حزام واحد طريق واحد، والذي يشمل حوالي 63 دولة بين أوربا وآسيا، كما أنه جرت أحاديث رسمية بامكانية تنسيق أو دمج كلا المشروعين وهو أمر فيما لو حصل فإنه قادر على تغيير خريطة موازين القوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية على المستوى العالمي بشكل نوعي لامثيل له في العصر الحديث (19) (دفن الولايات المتحدة خلف الاطلنطي كما عبر عنها زبيغنيو بريجنسكي مسؤول مجلس الأمن القومي الامريكي سابقاً):
رابعاً- التقييم العام بناء على تحليل الوضع العالمي
إن تحليل الوضع العام للنظام الرأسمالي العالمي الذي أوضح عمق أزمة الامبريالية وتعفنها افضى الى ثلاث تحولات جوهرية على مستوى منطقتنا بشكل كبير تمظهر بالعناصر التالية:
1- أزمة الأنظمة التي تعد أنظمة رأسمالية طرفية. حيث هيمنت عليها سياسات اقتصادية نيوليبرالية (سياسات اجماع واشنطن) كانعكاس لمصلحة الرأسمالية الطفيلية "الكومبرادورية والبيروقراطية" رسخ بنية منتجة للفساد الكبير بشكل هائل. يضاف اليه مستوى حريات لا يتناسب مع ضرورة تطور القوى المنتجة للدفاع عن حقوقها في ظل تدهور أوضاعها الحياتية.
2- انطلاق حركة شعبية موجية نتيجة للتناقضات الاجتماعية الموضوعية في بنية مجتمعاتنا المحلية الخاضعة لبنى رأسمالية الاطراف المأزومة مع أزمة المركز، حيث لم تعد الشعوب تقبل بطريقة الحكم السابقة التي تكرس توزيع الثروة لمصلحة طبقة طفيلية لا تتجاوز 1 % باحسن الحالات وبالمقابل فإن الغالبية الشعبية تعيش على 10% من الثروة. وهنا ينبغي التذكير بملاحظة هامة وهي: أن من طبيعة الحركة الشعبية في موجاتها الأولى أن تكون عفوية وغضة وبالتالي اسهم القمع والتدخل الخارجي في دفعها الى التسلح والدماء، ولكن ذلك ينبغي ان يدفعنا للعمل على تامين شروط نجاحها في موجاتها للاحقة. (فمن دون حركة شعبية لن يتشكل فضاء سياسي جديد.. والفضاء السياسي القديم جرت عليه تحولات بين اليسار واليمين وعليه فإن وجود حركة شعبية سيفرض على كل القوى اعادة صياغة مهماتها ورؤاها بناء على العلاقة مع هذه الحركة مما يعيد تعريف اليسار بشكل فعلي على اساس دور اليسار في الدفاع عن مصالح الفئات المنهوبة في هذه الحركة قولا وفعلا وليس وعلى اساس مواقفه التاريخية والنظرية العامة).
3- تحولات الدور الامريكي في المنطقة الناتجة عن أزمة الامبريالية من جهة وبالتالي تراجع دور الولايات المتحدة (وضمنا وضع الكيان الصهيوني لجهة علاقته مع المركز أو دوره في المنطقة) ومحاولات الولايات المتحدة التحكم بهذا التراجع (ضرب الحركة الشعبية - ثورات مضادة على اساس انقسامات ثانوية- فاشية جديدة)
خامساً-مالعمل؟
إن سؤال "مالعمل" الذي صاغه لينين، هو سؤال للحركة الشيوعية واليسارية في كل لحظة، فما بالنا فيما لو كانت هذه اللحظة هي لحظة أزمة امبريالية فيها كل سمات الأزمة النهائية. لقد كانت نقطة انطلاقنا في حزب الارادة الشعبية للاجابة على هذا السؤال هي:
1- استعادة الدور الوظيفي لحزبنا بناء على استشرافنا لعودة الجماهير الى الشارع، فكان لزاماً علينا اعادة بناء التنظيم وصياغة خطاب لملاقات الجماهير والحركة الشعبية بكل ماتعنيه كلمة الحركة الشعبية من معانٍ فهي لاتقتصر فقط على نشاط الجماهير في الشارع على شكل احتجاجات وغيرها بل تتعداها لكافة اشكال النشاط الاجتماعي الساعي للمطالبة بحقوقه الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية والوطنية.
2- صياغة برنامج جذري ينطلق من تلازم المهام كافة الديمقراطية والوطنية والاقتصادية-الاجتماعية دونما أي فصل، وذلك استناداً الى الرؤية التي سمحت استشراف أزمة الإمبريالية ومواجهتها وسمحت باستشراف انطلاق حركة الجماهير للانعتاق من قيودها على الصعد كافة. وعليه كانت صياغة حزب الارادة الشعبية المكثفة للتعبير عن هذه المهمة وهي (التغيير ورفض التدخل الخارجي ورفع شعار التحرير لاراضينا المحتلة في الجولان واستعادة كل الاراضي المغتصبة ودعم حركات المقاومة في المنطقة وتبني مفهوم المقاومة الشعبية الشامل).
وعليه وفيما لو وسعنا بيكار الاجابة اليوم ليشمل الحركة اليسارية في منطقتنا في الظرف الراهن فمن الممكن الاستنتاج عدة مهام للحركة اليسارية العربية:
-إن مهمة حماية وتجذير الحركة الشعبية العربية يفرض العمل على ايجاد الشروط الموضوعية الامثل لنشاطها واستمرارها بالاشكال كافة وهو مايحتم ضرورة العمل على حمايتها من القمع والتدخل الخارجي. كا يستدعي ذلك العمل الجماهيري الواسع لأجل تنظيمها، وهذا يستدعي اعادة صياغة دور اليسار بدءاً من رؤاه تجاه العلاقة مع الحركة الشعبية وطريقة تطوير اشكال تنظيم هذه الحركة وطرق تنظيم اليسار ذاته ضمنها والعمل على بلورة مطالب هذه الحركة لاجل تحقيق مصلحة الجماهير الشعبية ومنع تقسيمها أو تجزيئها على اسس التناقضات الثانوية، كما يستدعي ذلك بلورة برنامج عمل لتحقيق هذه المطالب.
-إن التدخل الخارجي اليوم في المنطقة ياخذ اشكال متعددة، فسابقاً كان يأخذ اشكال التدخل العسكري المباشر كما في حالة العراق وفلسطين المحتلة، أو التدخل الاقتصادي عبر فرض اجندات اقتصادية نيوليبرالية لترسيخ شريحة رأسمالية طفيلية لتهيمن على بنية الانظمة، أما اليوم فإن واحد من أخطر الاشكال التي ياخذها هذا التدخل هو "الفاشية الجديدة" والتي ينبغي مواجهتها بكافة الوسائل المولدة لهذه الظاهرة. لقد أوضحت المحاضرة سابقا جزءاً جوهرياً من بينة هذه الفاشية وهو قاعدته الاجتماعية ولكن ما ينبغي الحديث به ايضاً تلك الظروف الذاتية التي تهيأت لايجاد شريحة من المهمشين على المستوى العالمي والمحلي لتكون جزءاً من حطب ادوات الفاشية الجديدة على اراضينا. وعليه نجد أن السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي زادت التوتر الاجتماعي من فقر وبطالة مع غياب مستوى كاف من الحريات السياسية جهز ارضية للاحتقان والانفجار، وإن تبني الحلول العسكرية التي تم تغذيتها لتاريض الحركة الشعبية سواء من الخارج عبر الامبريالية أو عبر القمع دفعت الى تغذية الفاشية، وعليه ان مطالبتنا اليوم بحلول سياسية سواء على المستوى السوري أو على المستوى العالمي ينطلق من ضرورة اجهاض القوى الفاشية الجديدة التي تتغذى من الحرب وتؤمن بذلك مخارج للامبريالية. فمن هنا نعتقد أن نجاح نموذج للحل السياسي السوري سيكون له مفعول عالمي في تاريض الفاشية من جهة وتأمين نموذج حل جديد للأزمات الدولية التي تجتاح العالم ما يخفف معانات الشعوب في مرحلة نضالاتها ضد الامبريالية.
هوامش:
1- التقرير منشور بشكل أجزاء على موقع جريدة قاسيون وفيما يلي رابط المتعلق بعرض الوضع الدولي: http://kassiounpaper.com/politics1/item/27657-2016-11-21-12-33-16
2- الشكل مأخوذ من دراسة لمركز (Allianz Global Investors) بعنوان: The Sixth Kondratieff Long Waves of Prosperity , January 2010
3- الشكل مأخوذ من دراسة (Kurki , Sofi and Wilenius, Marku ,2012) بعنوان: Surfing the Sixth Wave, Exploring the Next 40 Years of Global Changes, December 2012 , Writers and Finland Future Center , University of Turku
4- مقالة سلام الشريف المنشورة بتاريخ 2 حزيران 2016 على موقع قاسيون بعنوان: ماهو الجديد في الأزمة الرأسمالية الحالية وأي دور لليسار في المنطقة على الرابط التالي: http://kassioun.org/reports-and-opinions/item/17180-2016-06-02-13-45-20
5- الشكل مأخوذ من (Stupak, Jeffery 2016) مقالة بعنوان: Economic Slower than Previous Economic Expansion, June 216
6- مقالة سلام الشريف 2016، مقالة: ماهو الجديد في الأزمة الرأسمالية الحالية وأي دور لليسار في المنطقة؟
7- مقالة في صحيفة الغارديان عام 2009 بعنوان: Drug Money Save Banks in Global Crisis على الرابط التالي: https://www.theguardian.com/global/2009/dec/13/drug-money-banks-saved-un-cfief-claims
8- الجدول مأخوذ من بحث بعنوان: Economic and Social Consequences of Drug Abuse and Illicit Trafficking من سلسلة منشورات الامم المتحدة عام 1998، انظر الرابط: https://www.unodc.org/pdf/technical_series_1998-01-01_1.pdf
9- بحث بعنوان: Long Wave Economics and the Changing Fortunes of the Political and Social Movements of the Left and Right, University of London 2014
10- راجع (Ortiz, Isabel; Burke, Sara; Berrada, Mohamed and Cortés, Hernán, 2013): World Protests 2006-2013, Initiative for Policy Dialogue and Friedrich-Ebert-Stiftung New York Working Paper 2013
11- المرجع السابق نفسه: Ortiz, Isabel; Burke, Sara; Berrada, Mohamed and Cortés, Hernán, 2013
12- Democracy Index (2016), Revenge of the “deplorables”, The Economist, A report by The Economist Intelligence Unit
13- Gilens, Martin; Page, Benjamin I. (2014): Testing Theories of American Politics: Elites, Interest Groups, and Average Citizens, Perspectives on Politics, American Political Science Association 2014
14- Crouch, Colin (2004): Post-democracy, text book published in 2004 by Polity Press Ltd
15- Beetham D. (2011): Unelected Oligarchy: Corporate and Financial Dominance in Britain’s Democracy. Available online at: http://filestore.democraticauditarchive.com/file/de232c951e8286baa79af208ac250112-1311676243/oligarchy.pdf Google Scholar
16- مقالة سلام الشريف 2016، مقالة: ماهو الجديد في الأزمة الرأسمالية الحالية وأي دور لليسار في المنطقة
17- المرجع السابق نفسه
18- عشتار محمود، مقالة: الاتجاهات الاقتصادية لتغير ميزان القوى الدولي، عدد صحيفة قاسيون رقم 810، منشور بتاريخ 14 ايار 2017
19- الخرائط مأخوذة من مركز CSIS الامريكي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: https://reconnectingasia.csis.org/analysis/competing-visions