ما الذي سينتج عن لقاء بوتين- أردوغان؟

ما الذي سينتج عن لقاء بوتين- أردوغان؟

يلتقي اليوم الرئيسان، الروسي والتركي، بعد شد وجذب وتوتر يكاد يكون غير مسبوق بين الدولتين طوال عقود طويلة مضت، فما الذي يمكن توقعه من هذا اللقاء؟

تتراوح التوقعات والتحليلات التي تملأ الصحف والمنابر الإعلامية المختلفة بين حدين: الأول يتوقع أن تكون زيارة اليوم إعلاناً لاستدارة تركية نهائية بعيداً عن الولايات المتحدة وباتجاه روسيا ودول "بريكس" عموماً، مع ما يمكن له أن ينتج عن هكذا استدارة على مختلف ملفات المنطقة والملف السوري خصوصاً.. الحد الثاني هو القول بأن الزيارة ليست أكثر من مناورة يحاول أردوغان من خلالها تقوية أوراقه في الداخل التركي أولاً، لتحصيل نقاط قوة في "تفاوضه" مع واشنطن، والتي ستبقى تركيا في نهاية المطاف جزءاً من محورها، ومن "الناتو" الذي تسيطر عليه..

إنّ الحدين المشار إليهما، ورغم تطرفهما، إلا أنهما يصلحان للنقاش، لأن في كل منهما، وعلى ما نعتقد، شيئاً من الحقيقة. بالمقابل، فإنّ "تحليلات" كثيرة أخرى لا تستحق النقاش، لأنها تنتمي بطريقة بنائها إلى منطق العالم القديم الأحادي القطبية؛ من ذلك القول بأنّ أمريكا (الحاكمة بأمره) قد فوضت روسيا للعب دور أوسع في المنطقة، لأنها منشغلة حالياً بصراعها مع الصين، ولم تعد ترى ضرورة لتضييع جهود لا طائل منها في منطقة "الشرق الأوسط"..!

بالعودة إلى الطروحات التي تستحق النقاش حقاً، يمكن تسجيل بعض النقاط الرئيسية حول "اللقاء الموعود" وما يمكن أن يتوقع منه:

أولاً، إنّ تموضع تركيا السياسي طوال قرن مضى لم يكن تموضعاً صحياً، إن جاز القول. فمنطق الأمور أن مصالح تركيا الوطنية تتقاطع إلى حد بعيد مع مصالح شعوب المنطقة، وذلك على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.. وإنّ وجود تركيا ضمن معسكر الناتو الأمريكي جعل منها مركزاً أساسياً من مراكز الرجعية في المنطقة، بما حمله ذلك من آثار سلبية على تركيا نفسها وعلى شعوب المنطقة عموماً.. وبالمختصر فإنّ طبيعة التوازنات والصراعات الدولية السابقة بالإضافة إلى طبيعة الطبقات التي هيمنت سياسياً على تركيا، كل ذلك وضع تركيا في موضع ليس موضعها الصحي القادر على تخديم تطورها، وهو ما أوصلها إلى جملة من الأزمات المتفاوتة الحدة، بما في ذلك أزمتها الراهنة، وهي الأكثر حدة وقسوة عبر تاريخها.

ثانياً، يضاف إلى ما سبق، أنّ واشنطن وأوروبا، وفي أزمتهما الراهنة الشاملة، غير قادرتين على تقديم أي شيء لتركيا، حتى وإن أرادتا ذلك، وهما لا تريدان.. ما تريدانه هو تصدير الأزمة باتجاه تركيا، حتى وإن تطلب ذلك إحراق تركيا بأسرها عبر جملة من الصراعات الممزقة القومية والطائفية وغيرها، على نمط الصراعات المنتشرة في المنطقة بأسرها. بالمقابل، فإنّ لدى روسيا خصوصاً، وبريكس عموماً، الكثير مما يمكن تقديمه لتركيا، ابتداء من خط الحرير إلى خط الغاز، ومروراً بالمفاعلات النووية السلمية، والتبادل التجاري الذي أعلن سابقاً أن هدفه هو الوصول إلى حدود 100 مليار دولار(ولا نعلم كم سيصبح هذا الرقم بعد الزيارة)، ووصولاً إلى العلاقات السياسية التي من شأنها نزع وإطفاء فتائل التفجير الكثيرة ضمن الوضع التركي الداخلي (الظلم التاريخي للأكراد والأرمن وغيرهم والصراعات الناتجة عن ذلك)، وضمن وضع تركيا الإقليمي سواء في سورية أو في العراق، ما يعني كمحصلة، أن الاتجاه الموضوعي الوحيد أمام أي قوة في تركيا هو بتقارب مع روسيا وعبرها مع دول وشعوب المنطقة..

ثالثاً، بالملموس، فإنّ خطوات جدية باتجاه روسيا، باتجاه الشرق، تخضع لمسألتين إضافيتين، الأولى هي عمق الخرق الأمريكي ضمن جهاز الدولة التركي وضمن المجتمع التركي وقواه السياسية، والتي تجعل أي خطوة بهذا الاتجاه محفوفة بالمخاطر، وإن كانت هذه المخاطر تتناقص مع الوقت بنتيجة ضعف الأمريكان المتسارع، ولكن هذا الوقت ليس أقل من عدة سنوات، ربما خمس إلى عشر سنوات هي غالباً عمر الأزمة التي دخلتها تركيا منذ أشهر. المسألة الثانية هي مدى جدية وجذرية القوة السياسية المعنية بقيادة تحول كبير كهذا، ولا نعتقد أن أردوغان يتمتع بهكذا خصال! فقوة تقود تحولاً استراتيجياً ينقل تركيا من الغرب نحو الشرق، ينبغي أن تكون قوة غير متعصبة قومياً أو دينياً، وينبغي أن تكون قوة قادرة على جمع الأتراك جميعهم حولها، بقومياتهم المختلفة.. وينبغي لذلك أن تكون قوة ذات برنامج اقتصادي- اجتماعي وسياسي يصب في مصلحة الأغلبية.. والتزام برنامج من هذا الطراز هو مسألة لا نظن أن أردوغان ينويها أو يقدر عليها..

 بالمحصلة: فإنّ أردوغان سيراوح بين الحدين الأقصويين، وهو ما سيمهد الطريق لاستدارة نهائية لاحقة. فلكي يحافظ على بقائه فهو مضطر لجملة من التنازلات على رأسها أمران:

أولاً، صياغة دور جديد لتركيا بما يتعلق بالأزمة السورية، أساس ذلك الدور هو إيقاف مختلف أنواع العرقلة التركية لانطلاق حل سياسي حقيقي في سورية، ولمحاربة جدية للإرهاب، وهذه ربما تكون إحدى الاتفاقات التي نتوقع الوصول إليها في لقاء اليوم.

ثانياً، إنّ واحداً من مشاغل أردوغان ومخاوفه الأساسية هو وضع الأكراد السوريين، لما لوضعهم من تأثير على الوضع التركي الداخلي بإحداثياته القومية، ومن المرجح أن يطرح هذه المسألة مع الروس بحكم علاقاتهم التاريخية الجيدة مع كل أكراد المنطقة.

يضاف إلى ذلك، تسريع تطبيق اتفاقيات التعاون الاقتصادي الواسع النطاق بين البلدين..

 

لننتظر ولنر..   

آخر تعديل على الثلاثاء, 09 آب/أغسطس 2016 21:57