المصارف اللبنانية «تراكم الربح بجشع لا نظير له»
الأمجد سلامة الأمجد سلامة

المصارف اللبنانية «تراكم الربح بجشع لا نظير له»

القطاع المصرفي اللبناني من أكبر القطاعات المصرفية في المنطقة، والأضخم بالقياس إلى الناتج المحلي.. ولكن بعيداً عن حجم القطاع فإنه يقدم نموذجاً عن تحول القطاع المصرفي الخدمي إلى واحدة من أهم معيقات النمو الاقتصادي..

 

حول «حرب المصارف اللبنانية» كتب الباحث اللبناني الأمجد سلامة في جريدة الأخبار اللبنانية بتاريخ 2-6-2016، معلومات هامة تقتبس منها قاسيون ما يفيد في قراءة دور القطاع المصرفي في إفقار اللبنانيين مرتين..

يُعدّ القطاع المصرفي اللبناني من بين أكبر القطاعات المصرفيّة في المنطقة، فقد بلغ مجموع موجوداته في نهاية عام 2015، بحسب بيان «جمعية المصارف اللبنانيّة السنوي»، 186 مليار دولار، بينما بلغت الودائع 155 ملياراً. ويساهم المقيمون في لبنان بنسبة 79% من مجموع الودائع، بينما يساهم لبنانيون وأجانب، من غير المقيمين، بالباقي.
ويُضاف إلى ذلك أنّ القطاع هو من بين الأضخم على الصعيد العالمي، إذا ما أُخذ بالحسبان حجمه نسبة للناتج المحلّي. فبحسب دراسة أصدرها «اتحاد المصارف العربيّة» بلغ حجم مجموع الودائع في القطاع المصرفيّ اللبناني 307%، نسبة لإجمالي الناتج المحلّي؛ وللمقارنة، مثلاً، النسبة في ألمانيا هي 110%، بينما تبلغ 80% في الولايات المتحدة الأميركية، و45% في السعودية، بحسب بيانات «صندوق النقد الدولي)
تُوظّف المصارف اللبنانيّة، اليوم، ما مجموعه 44 ملياراً فقط كقروض. وما يُقارب 27% من هذه القروض هي ديْن للقطاع الخاص. بينما يتوزّع باقي الإقراض على شراء سندات الخزينة، وشهادات الإيداع في مصرف لبنان. فحصّة المصارف اللبنانيّة من سندات الخزينة 48%، وتتّجه إلى التوسّع أكثر في الاستثمار، بشهادات الإيداع لدى مصرف لبنان.
وبحسب دراسة لـ«البنك الدولي»، بدأ الديْن اللبناني بالتراكم منذ عام 1992 بعدما قدّمت الحكومة الأولى للرئيس رفيق الحريري، خطّة عشريّة طموحة لإعادة الإعمار الشامل. واستندت الخطّة على سياستين رئيسيّتين، الأولى انفاق حكوميّ واسع، والثانية المحافظة على سعر صرف اللّيرة. وحين لم تفِ الدول الرّاعية لـ«الطائف» بوعودها، بدفع المساعدات الموعودة لإعادة الاعمار، قامت الحكومات الحريريّة بالاستدانة عبر سندات خزينة. ولمنع انهيار سعر صرف اللّيرة، بسبب هذه السياسات الماليّة، رُفعت الفوائد على سندات الخزينة إلى مستويات قياسيّة، وصلت عام 1996 إلى معدّل 36%.
على إثر هذه السّياسات، ارتفع الدين العام من 48% من إجماليّ الناتج المحلي عام 1992 إلى 178% عام 2002، من دون إعادة إعمار حقيقي. وفي عام 2004، فسّر أحد تقارير «صندوق النقد الدولي» «الاستقرار النقدي» بـ«التطابق في المصالح بين ثلاث مجموعات من اللاعبين، وهي الدولة والمصرف المركزي والقطاع المصرفي التجاري»، حيث أنّ هذه المجموعات كانت ترسم السياسات الماليّة للبلاد معاً. وأضاف التقرير أنّ العلاقة بينها «علاقة تكافل».

الفقر يضرب مرّتين

ترسم هذه البيانات، إذا حاولنا جمعها في إطار واحد، صورة قاتمة عن مجموعة بشريّة تتعرّض للإفقار مرّتين بشكل متزامن. فالشعب اللبنانيّ يملك رأس مال وطنيّ من الأضخم في العالم، نسبةً إلى عدد السّكان وحجم الاقتصاد. ولكنّه يُحرم من استثماره في تطوير اقتصاده، وتحويله إلى منتج لأنّ المصارف تعزف عن الإقراض المكثّف للقطاع الخاص، فيمنع ذلك من توسيع الدورة الاقتصاديّة واستحداث المزيد من فرص العمل للّبنانيين، وتحصل عملية الإفقار الأولى.
وسبب عزوف المصارف عن الإقراض للقطاع الخاص، هو إقراضها الدولة اللبنانيّة بفوائد تساهم بتحديدها، بشكل غير مباشر، عبر شراكتها للدولة، ومصرف لبنان في صياغة السياسات النقدية، فتحصل عملية الإفقار الثانيّة حين يتوجّب على اللبنانيين دفع هذا الدين وفوائده.
وبمقارنة بسيطة بين دور المصارف الألمانية في القرن التاسع عشر وبين دور المصارف اللبنانيّة، نجد أنّ ما تقوم به الأخيرة هو بمثابة حرب على كل أطياف الشعب اللّبناني، بالتواطؤ مع صنّاع السياستين النّقدية والماليّة في البلاد. فقد رسمت المصارف اللبنانيّة لنفسها هدفاً أساسياً هو مراكمة الأرباح بجشع لا نظير له، دون أن تتحمّل أي أعباء ومخاطر اقتصاديّة وطنيّة. وما لهفة هذه المصارف لتطبيق القانون الأميركيّ الجائر ضد شريحة كبيرة من الشعب اللبناني إلا دليل واضح للعيان على هذه الحرب.

 

الأخبار اللبنانية

آخر تعديل على الخميس, 14 تموز/يوليو 2016 19:05