(روسيا = أمريكا) و(روسيا = النظام).. وطرائف أخرى!
 عماد سالم عماد سالم

(روسيا = أمريكا) و(روسيا = النظام).. وطرائف أخرى!

يغمض "محلل سياسي" عينه اليسرى نصف إغماضة، ويفتح اليمنى على اتساعها. "يشوبر" بيده ببطء في حالة من التركيز والسيطرة، فهو على وشك إلقاء درة من درره الكثيرة بين يدي المشاهدين "الذين لا يفقهون في بواطن الأمور وأسرارها الخفية".. وها هي الدرّة تتدحرج من فمه.. فلنلتقطها كي لا ينطبق علينا قول الانجيل: "لا تلقوا بدرركم إلى الخنازير فتدوسها"

"(روسيا = أمريكا)، فكل منهما دولة عظمى تبحث عن مصالحها"، يا للهول.. ولكن ما يلفت النظر في هذه "الدرّة" أنّ جارنا الأميّ، وجار القارئ الكريم وجارته، يعرفانها قبل حتى أن يقولها المحلل إياه، بل وربما يمكنهما صياغتها بطرق أفضل.. وإذا كان من واجبنا ألا ندوس درة صاحبنا، فعلينا أيضاً أن نبحث فيها ونمحّصها أكثر..

لا شك أن لهاتين الدولتين مصالحهما، وأنّ كلا منهما تبحث عن تحقيق تلك المصالح، ولكن هل مصالح كل منهما تساوي مصالح الأخرى؟ وهل تتقاطع مصلحة أي منهما مع شعوب منطقتنا، أم أنها مصالح معادية جملة وتفصيلاً؟

إنّ الواضح، كعين الشمس، أنّ هاتين القوتين في حالة صراع وتناقض، وربما غير الواضح تماماً هو طبيعة الفروقات بين مصالح كل منهما، وهو ما يمكن تكثيفه بالتالي:

أولاً، روسيا وأمريكا، دولتان رأسماليتان، وهما لذلك واقعتان، كما العالم بأسره، تحت نير الأزمة الرأسمالية العالمية.

ثانياً، أمريكا اليوم هي مركز الرأسمالية العالمية المأزومة، وهي في الطور الأعلى من تطور الرأسمالية، ما يسمى بالطور الإمبريالي، ولذلك فإنّ آثار الأزمة الشاملة الراهنة عليها أكثر عنفاً وعمقاً، ما يترك للقطب المضاد (البريكس) هوامش أوسع للحركة، وهو ما يدفع البعض للقول بأن هنالك قطباً صاعداً وآخر هابط، وهو قول صحيح في حدود الوزن السياسي النسبي، ولكنّه يصبح خاطئاً حين الحديث في سياق الوزن السياسي المطلق.. (أي أنّ البريكس يزاد وزنه على حساب واشنطن ومعسكرها، ولكن الدول الرأسمالية بجملتها ينخفض وزنها بالمعنى التاريخي مقابل ارتفاع وزن الناس، وزن الشعوب)

ثالثاً: أمريكا، ونتيجة أزمتها، تسعى بشكل مستمر إلى إشعال الحروب وتوسيع رقعة الحروب، وتحديداً على تخوم منافسيها، الروس والصينيين، وذلك استناداً إلى القانون الذي لا يزال صحيحاً بشكل باهر، وهو أن الحرب هي الرئة الحديدية التي تتنفس منها الرأسمالية.. وبما أنّ حرباً كبرى مباشرة على غرار الحربين العالميتين الأولى والثانية، لم تعد ممكنة في ظل امتلاك السلاح النووي من أطراف عديدة، فإنّ أمريكا باتت مجبرة على توزيع تلك الحرب الكبرى إلى مجموعة من الحروب الصغيرة الموزعة على مجمل الخارطة العالمية، وخاصة على تخوم المنافسين. ولما كان لدى هؤلاء المنافسين هوامش حركة أوسع، لا تضطرهم لخوض الحروب، على اعتبار أزمتهم أقل حدة من أزمة الأمريكيين من جهة، ولمخاطر تلك الحرب الهائلة عليهم، وعلى هوامش تقدمهم بالذات من جهة أخرى، فإنهم سيجنحون للسلم وسيحاولون فرضه.

رابعاً: مع تطور وتقدم عمل (بريكس) في إطار منع الحروب ومحاولة إطفاء الأزمات المشتعلة على التخوم، يرتفع نشاط الجزء الأكثر تضرراً ضمن المعسكر الغربي، الجزء الفاشي الجديد، بأدواته المختلفة بما فيها داعش والنصرة والقطاع الأيمن في أوكرانيا وغيرها.. وهو ما يحول بريكس، من حيث مصالحها العميقة، إلى مدافع أساسي ضد الوحش الفاشي الجديد.

إنّ مجمل العوامل السابقة يعني وضوحاً أن شعوب منطقتنا بما فيها الشعب السوري، يتقاطعون بمصالحهم العميقة مع مصلحة بريكس وروسيا أساساً..

الطرفة الثانية التي يلقيها المحللون هذه الأيام، هي أنّ روسيا = النظام السوري، والإعلام يسعى إلى تحويلها إلى بديهية، رغم أنها مقولة شديدة البؤس، يكفي أن نقارن أحجام وأوزان طرفي المعادلة..

لطالما ذكّر بوتين ولافروف، ولا يزال يذكّر بين الفترة والأخرى، الأوروبيين أن صداقتهم مع النظام السوري أقدم من صداقته معه، وهذا واقع تكشفه طبيعة العلاقات الاقتصادية للدولة السورية التي يميل ميزان تجارتها الخارجية بشكل ساحق نحو العلاقة مع الغرب، ليس التجارة الخارجية فقط، بل ومجمل البنية والعقلية الاقتصادية الطفيلية والتابعة للغرب السائدة في سورية.

إنّ ما يبدو في مظهره تحالفاً مع النظام السوري، هو في عمقه تحالف لروسيا مع مصالحها العميقة، ومصالحها العميقة هذه تتقاطع مع الشعب السوري الساعي للخروج من أزمته، ذلك الخروج الذي لا سبيل له دون تغيير هذا النظام بالذات، تغييره لا شكلياً بتبديل هذه الشخصية بتلك، بل بتغييره تغييراً جذرياً شاملاً، وهو ما يتعدى كهدف وكشعار، مسألة إسقاط النظام، التي من شأنها تغيير الواجهات وإبقاء شكل توزيع الثروة مع تغييرات طفيفة هنا وهناك، كما جرى في مصر وتونس.