التعويم الروسي والرضوخ الأمريكي والدليل القرار 2254
وضعت روسيا حدا ً للتلاعب الأمريكي في الملف السوري , وانصاعت للرؤية الروسية وتصوراتها بضرورة إنهاء الأزمة السورية , وإلزامها بالسير في العملية التي تبلورت بالقرار 2254 , وموافقة الجميع عليه دون استثناء أو تعقيب .
القرار بحد ذاته جاء صادما ً لواشنطن وحلفائها الغرب وبعض الدول العربية التي مافتئت تنهال بالتصريحات النارية التي لا تعبر وإمكاناتها السياسية والعسكرية بالرغم من التصويت عليه , وبالتالي ترتب حول القرار الكثير من ( التخريس ) لبعض الناعقين والآخذين بسياسة ( الكابوي ) الأمريكي , وغيابهم عن الفضائيات خجلا ً نتيجة التقزيم الذي يلازمهم في نشوة الاستقواء بالولايات المتحدة الأمريكية .
أثبتت موسكو وقدراتها العسكرية على تحييد بريطانيا وفرنسا والمزاحمة حول الدولة الثانية التي تنافش واشنطن , حيث راهنت الدولتان على ضعف موسكو , وأنها لن تكون ندا ً حقيقيا ً لواشنطن , لذا فإن موسكو بنظر العالم بالسمعة الصالحة , وبانتقالها من السمعة التي تتمتع بها إلى الإصلاح مباشرة جعل الآخرين يشكون بهذه السياسة التي تتبعها موسكو في سوريا , وخاصة بعد تمدد الإرهاب في أغلب الدول في العالم , فتلكؤ واشنطن بمحاربة ( داعش ) وهذا ما ذكرناه في كثير من كتاباتنا , جعل موسكو تتحرك عمليا ً لمحاربة التهديد العالمي , وضرورة القضاء عليه .
وبالعودة للقرار الإممي 2254 , فيه الكثير من التراجعات الأمريكية لصالح موسكو , فواشنطن وحلفائها راهنوا على تغيير الحكم في سورية مع بداية المفاوضات مع المعارضة السورية , إلا أن هذا الطرح تم ترحيله أو تجاوزه بسبب النجاح الذي يحققه الجيش العربي السوري في الميدان بالتعاون مع سلاح الجو الروسي وبعض القوى الوطنية المشاركة في محاربة الإرهاب , وعملية ترحيل بعض مسلحي التنظيم الإرهابي للشمال والشرق السوري , كل ذلك يعبر عن سلامة العقلية المؤسساتية الناجحة للدولة السورية وقيادتها . ومن منجزات القرار الناجحة التأكيد على وحدة التراب السوري والشعب , فواشن?
?ن كانت تراهن على تقسيم سوريا إلى أكثر من دولة , وهي التي تروج للنسبة المسيطر عليها في الأرض تهييئا ً لمشروع خبيث تم التخطيط له , وبتدخل موسكو المباشر ذهبت المخططات الأمريكية أدراج الرياح .
واشنطن تدرك تماما ً قوة ومناعة الجبهة الداخلية السورية , وهي العارفة أيضا ً بالإنسان السوري الذي يرفض الإملاءات والأوامر الامبريالية , وهي التي تدرك أن سوريا منطلق كل التحركات التحريرية وعليها تعول كل القوى الوطنية بمحاربة العدو الصهيوني , فلن تكون دمشق لقمة سائغة حتى لو قامت كل شرور العالم , والمنطق الأكثر رواجا ً هو العودة لدمشق وتقديم الاعتذار لها ولقيادتها ولشعبها , وطلب المشاورة منها في كيفية محاربة الظلم والإرهاب .
الظلم الحقيقي الذي يمارس في فلسطين التي يتنكر لها السيد الأمريكي ولا يعطي لها أهمية , والجرائم التي ترتكب يوميا ً بحق الشعب العربي الفلسطيني المظلوم وعملية الإبادة البطيئة التي تنتهجها ( إسرائيل ) بحق الشعب الفلسطيني , والسؤال الذي يتكرر في الفضائيات , لماذا لا تضرب ( داعش ) الدولة الصهيونية ؟ فكل ما تمارسه واشنطن من اختلاق المشاكل والحروب في الشرق الأوسط أصبح مكشوفا ً للجميع فهي بذلك تقدم خدمة للدولة المغتصبة وخصوصا ً بعد المخاوف من التقدم والتطور الذي تم في العشر سنوات الأخيرة في بعض الدول التي تتجاور مع فلسطين , الأمر الذي أقلق الدولة ال?
?اصبة وحكومتها التي نظرت بضرورة اختلاق المشاكل وإغراء بعض الأشخاص ممن لديهم نزعات في القيادة والرياسة ...
إن الحالة الاستباقية التي تقوم بها موسكو في محاربة الإرهاب , أزعجت ( إسرائيل ) لأنها تدرك أن الإرهاب لا يقوى على مقارعة الدولة الروسية القوية , وبالتالي تريد منها أن تعمل على إطالة أمد الأزمة السورية حتى تتلذذ بعدد القتلى ( العرب ) من الطرفين والمحصلة هذا ما يغري واشنطن وحلفائها ويشجعها على عدم إيجاد حل للأزمة المعقدة , وأمريكا تدرك أن ( داعش ) يسير وفق منهجية مرسومة لها بدقة , وموسكو لا يمكنها أن تنظر لهذه اللعبة الخبيثة , فهي التي تعلم عندما كان الأمريكيون يدعمون الحركات المسلحة في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي سابقا ً , وعندما انسحب الاتحاد ?
?لسوفيتي من أفغانستان , عانت واشنطن من مسألة تضخم السلاح الذي قدمته للمسلحين , وإلى هذه اللحظة تعيش مع أفغانستان بسياسة ( الكر ) و ( الفر ) ناهيك عن عدد القتلى الأمريكيين . واشنطن تسيير وفق التسلسل البياني بانحدار وموسكو تسير بتصاعد .