الإرهاب جوهر « دولة إسرائيل»
بعد حوالي أسبوع من الجريمة التي اقترفها المستوطنون اليهود ضد عائلة الدوابشة في قرية دوما، شمالي نابلس، وبعد ساعات من الإعلان عن استشهاد سعد دوابشة متأثراً بجراحه ولاحقاً بابنه الرضيع الشهيد علي، قام المستوطنون أنفسهم يوم السبت الماضي، بمحاولة جديدة لحرق عائلة فلسطينية أخرى في القرية نفسها، وبالطريقة نفسها، بإلقاء زجاجتين حارقتين على منزل محمود فزاع الكعابنة لكنهما اصطدمتا بجدار المنزل وأدتا إلى إصابة صاحبه بحجارته.
ما أنتجته جريمة استهداف عائلة الدوابشة من تنديدات واستنكارات وكتابات، على الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، كان بعضها لامتصاص الغضب والانفعالات ومنع التصعيد في الشارع الفلسطيني، كما كان بعضها للتغطية على دلالات الجريمة، والتضليل الإعلامي للتنصل من الجريمة وإظهارها وكأنها حادثة عابرة تحدث للمرة الأولى وغريبة عن مجتمع المستوطنين ولن تتكرر! لكن المسألة لا تحتاج إلى بحث أو تدقيق حتى يتبين لكل من يتوقف أمام الجريمة أنها سلوك يومي لليهود في فلسطين المحتلة، قبل قيام «دولة إسرائيل» وبعد قيامها.
ومن أجل الاختصار المفيد، يمكن للمراقب أن يتوقف عند كلمات ثلاث: الاحتلال، الاستيطان، والإرهاب. ويستطيع أيضاً أن يرتبها بالعكس: الإرهاب، الاستيطان، والاحتلال، ولن يختلف الوضع في شيء. إنها حلقات ثلاث مفتوحة على بعضها بعضا، كل منها تنطلق مما قبلها وتؤدي لما بعدها. هي ليست كلمات، بل سياسات وبرامج وآليات أقامت «دولة إسرائيل» وسمحت لها بالبقاء والاستمرار، ولا تزال معتمدة ومتبعة وستبقى ما دامت هذه الدولة في الوجود. لذلك لا ينفع ولا يجوز التظاهر بأن جريمة دوما كانت خارجة على النص، أو يمكن يوما أن تخرج، ولا حاجة للرياء أو اجتراح المفاجآت.
لقد بدأ قيام الدولة بالإرهاب، باسم الدفاع عن «المستوطنات» التي وجدت وتوسعت في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين، عبر المنظمات الصهيونية العسكرية: شتيرن وليحي والهاجناه، التي أصبحت بعد قيام الدولة جيش الدولة وسلطتها السياسية وأداتها في التوسع والاحتلال. كل ذلك تاريخ معروف، وليس الإرهاب اليهودي جديداً على الشعب الفلسطيني أو «دولة إسرائيل». اليوم يتحدثون عن «فتيان التلال» و«تدفيع الثمن» و«تمرد»، وينسون الجيش «الإسرائيلي»، و«الشاباك»، والوحدات الخاصة، بل والحكومات «الإسرائيلية» التي لولاها لما وجد أولئك الذين يوصفون اليوم ب«التطرف» و«الأصولية» والذين ينسبون دائماً ل«مجلس المستوطنات» وغلاة المستوطنين. لقد أطلق كتاب «إسرائيليون» على حكومة نتنياهو الثالثة اسم «حكومة المستوطنين» وكانت «أقل تطرفاً» في تكوينها وتركيبتها وأطرافها الائتلافية من حكومته الرابعة. برنامج كل رئيس وزراء «إسرائيلي» منذ ابن غوريون كان بنده الأول الاستيطان ومصادرة الأرض والتهويد والتطهير العرقي ما أمكن ذلك. ما يسمى «اليسار ويسار الوسط» في الكيان الذين ينتقدون سياسة الاستيطان وتوسيع المستوطنات ينتقدونها وفي الوقت نفسه يطالبون بإيجاد حل لنصف مليون مستوطن يسكنون مستوطنات الضفة الغربية، وهم بذلك في الحقيقة يريدون حلاً مع بقاء المستوطنات!! إنهم يميزون بين «الاحتلال» و«الاستيطان»، ثم يستغربون انفلات الإرهاب اليهودي ويزعمون أنه ظاهرة لا تتفق ومبادىء «التوراة والديمقراطية»، فهل هناك رياء ونفاق وكذب أكثر من ذلك؟!! إنهم لا يختلفون عن نتنياهو الذي يريد كل فلسطين ويزعم أنه يمد يده للسلام كما مدت «إسرائيل» دائماً يدها للسلام، كما جميعهم يزعمون.
الاستيطان أولاً جاء بالإرهاب، والإرهاب جاء بالاغتصاب، والاغتصاب جاء بالاحتلال، والاحتلال جاء بالاستيطان الذي جاء بالإرهاب. إنها ليست لعبة ذهنية أو لغزاً، بل سلسلة متصلة من الوقائع والأحداث والجرائم أدت إلى ما نراه اليوم من واقع يقوم أساساً على الإرهاب والجريمة، ويجعل من جريمة حرق عائلة الدوابشة مجرد نقطة في السلسلة الممتدة من قبل 1948 إلى اليوم. فكيف يمكن لأحد أن يزعم أن حكومة " إسرائيل" لا علاقة لها بما جرى في قرية دوما، وأنها تستنكره، وهي التي حتى هذه اللحظة لم تجد «مشتبهاً فيه» تلقي عليه القبض على ذمة هذه الجريمة؟!
رئيس «دولة إسرائيل» السابق، شمعون بيريز، ورئيسها الحالي، رؤوبين ريفلين، يستنكران ويطالبان بكل ما يجب فعله حتى «لا ينتصر الإرهاب في بلادنا»!! من يستغفل هؤلاء؟! هل كان شمعون بيريز يوماً ضد الاحتلال «الإسرائيلي» لأراضي 1967 مثلا؟ هل كان ضد الاستيطان عندما كان رئيساً للوزراء؟ هل ريفلين ضد الاحتلال أو الاستيطان؟ هل هما ضد تهويد القدس، ومصادرة أراضي الفلسطينيين؟ هل في الكيان الاستيطاني التوسعي العنصري شخص له قيمة ضد الاحتلال والاستيطان بعيداً عن الألفاظ المرائية الكاذبة؟! كلهم ينتقدون بالكلمات الاحتلال، وبعضهم يحذر من أن استمرار الاحتلال يهدد «بقاء الدولة»، لكن عندما يقول أحد من أصدقائهم إن «السلام يقوم على حل الدولتين» وإن «حل الدولتين يقوم على أساس العودة إلى حدود الخامس من يونيو/حزيران 1967» يردون كما يرد نتنياهو «الظروف تغيرت» والعودة إلى تلك الحدود غير ممكنة. كلهم ينتقدون الاستيطان وبناء وتوسيع المستوطنات، لكن عندما يقول أحد إن ذلك يقتضي إخلاء المستوطنات، يقولون إن ذلك غير ممكن، ابحثوا عن حل يبقي المستوطنات مكانها.
الإرهاب باختصار شديد هو جوهر «دولة إسرائيل»، من دونه لم تكن لتوجد، ومن دونه لا تستطيع أن تستمر موجودة. الإرهاب هو الاسم «الكودي» ل«دولة إسرائيل». والإرهاب اليهودي هو الاحتلال، هو الاستيطان، ولن ينتهي ما دام الاحتلال مستمراً، والاستيطان مستمراً، و«دولة إسرائيل» مستمرة في الوجود.
المصدر: الخليج