التوازن الدولي.. تلغيم الحلول.. والآفاق؟
عامر حسن عامر حسن

التوازن الدولي.. تلغيم الحلول.. والآفاق؟

 

يبدو حسب المنطق الشكلي والآني في قراءة الظواهر السياسية في العالم المعاصر، إن الأمور تتعقد أكثر في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن التراجع الامريكي، الذي من المفروض أن يؤدي إلى تهدئة الأوضاع؟ ليبدو وكأن في الأمر تناقضاً، ليصل التحليل لدى البعض بالتشكيك في حقيقة التراجع الامريكي، وكامل المنظومة التي يمثلها، وتحديداً قوى رأس المال المالي المالي العالمي...

من الطبيعي ألا تكون عملية تشكل التوازن الدولي الجديد هادئة وسلسلة، حيث القوى المتراجعة تمتلك تاريخياً قدرات اقتصادية وعسكرية واستخباراتيه من جهة، ومن جهة أخرى و - ربما أكثر أهمية - ما تمتلكه من أوراق في الفضاء الجغرافي والسياسي التي تشتغل عليه لتفريغ الأزمة، حيث أن هذا الفضاء من حيث البنية هي رأسمالية طرفية هشة سهلة الاختراق على خلفية التطور المشوه، وما نتج عن هذا النموذج من تناقضات مركبة - بينية في كل دولة، وبين دولة وأخرى على مستوى الإقليم – تناقضات ذات طابع تاريخي، وأبعاد اقتصادية اجتماعية وسياسية وثقافية، تم استحضارها دفعة واحدة بواسطة ماكنة اعلامية – دعائية متكاملة، وتم تهويلها بمنطق سياسي براغماتي- ميكيافيلي لايتورع عن استخدام أية واسطة للوصول الى الغاية، كل ذلك في محاولة يائسة لايقاف التراجع، أو على الأقل التحكم به.

ما نريد قوله أن عملية التراجع الامريكي، عملية راسخة وهي التي تحدد الاتجاه العام في تطور الوضع الدولي، فهي لم تعد القوة الآمرة والناهية كما كانت، في أي ملف من الملفات الدولية، وهي مضطرة إلى التعاطي مع قوى دولية مختلفة في جميع الملفات، ومضطرة للذهاب إلى حلول سياسية للازمات المشتعلة، الأمر الذي بات مقراً به من الجميع وفي كل الملفات، ولكن يبقى من خصائص و طبيعة المراحل الانتقالية بين موت القديم وولادة الجديد، أن توظّف القوى المتراجعة كل ما في جعبتها من أدوات، لتؤمن لنفسها مكاناً، في الظرف الجديد، أو لتضع حلولاً ملغومة، أي أن القوى المتراجعة لن تدخر جهداً في ترك ألغام قابلة للانفجار في المراحل اللاحقة، وفي ذلك تحديداً، سر التشويش في اللوحة، وسر التعقيد الذي يغطي على جوهر الظاهرة ( التراجع) والذي لايستطيع وقفها ومنعها بحال من الأحوال.

بعد أن عجزت قوى العالم القديم، (الأحادية القطبية) من ممانعة التطور الموضوعي، تحاول التكيف معه، والالتفاف عليه، وتفريغه من محتواه، بأدوات واساليب متعددة، التي ربما يكون من جملة تعقيدات المرحلة الانتقالية الراهنة عدم وجود تلك القوة الدولية التي تعاجل القوى الرأسمالية المتراجعة بضربات متتالية، للإجهاز عليها ودفنها، ولكن التجربة التاريخية نفسها تقول أن مثل هذه القوى تظهر من رحم عملية التحول نفسها، ليخرج الصراع من كونه صراعا ضمن المنظومة الرأسمالية، إلى صراع بين المنظومة الرأسمالية بما تمثله من مصالح النخبة المالية الدولية، ومنظومة بديلة من حيث التمثيل والوظيفة، في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، بينة تجيب على اسئلة الجنس البشري، في كيفية تأمين حاجاته الأساسية.