التدخل العسكري في اليمن: مبادرات وتصعيد
أسبوع مضى على إعلان بدء التدخل العسكري بقيادة السعودية، تحت مسمى «عاصفة الحزم» في اليمن. مبادراتٌ سياسية، وتصعيد عسكري تدريجي زاد من ضحايا المجازر بحق المدنيين، في وقت تمايز فيه الخطاب الرسمي المصري عن إعلانات الدول المشاركة في التحالف السعودي، ليعيد التأكيد على أولوية الحوار والحل السياسي بين جميع الأطراف اليمنية.
شهد الأسبوع الأول لتدخل التحالف السعودي عسكرياً في اليمن تظهيراً للمبادرات السياسية، كتلك التي أعلنتها الجزائر لإيقاف الحرب، وتصعيداً عسكرياً ترجم نفسه أولاً بتكثيف الغارات الجوية، وتالياً بانتقال إحداثيات المعارك إلى الحدود السعودية- اليمنية، وغرباً نحو مضيق باب المندب، الذي أعلنت جماعة «أنصار الله» سيطرتها على إحدى القواعد العسكرية فيه.
المبادرة الجزائرية: سعيٌ سياسي واشتراطات سعودية
مع تصاعد وتيرة الأحداث في أجزاء عدة من اليمن، أعلنت مصادر دبلوماسية جزائرية، عن عزمها إطلاق مبادرة ترعاها حكومة الجزائر، وتهدف إلى حل الأزمة اليمنية، ومنع امتداد الصراع المسلح على الأرض اليمنية، كيلا يصل إلى احتمالات اندلاع صراع إقليمي موسع.
وفي التفاصيل المسربة عبر الإعلام، تنص المبادرة على إيقاف الاقتتال والنزاع المسلح، ورفع الحصار، بشقيه الاقتصادي والعسكري، عن اليمن، على أن تولى للجيش اليمني مهمة المسك بزمام الأمن في البلاد، ليجري لاحقاً تشكيل هيئة وطنية تدير شؤون البلاد، ويكون الرئيس عبد ربه منصور هادي، أحد أعضائها.
المبادرة الجزائرية، التي حاولت أن تتخذ لنفسها مسافة واحدة من أطراف الصراع اليمني، كان قد قدمها وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إلى نظيريه المصري، سامح شكري، والسعودي، سعود الفيصل، يوم الاثنين الماضي، فيما كشفت مصادر دبلوماسية جزائرية أن المبادرة «تم إبلاغها إلى مصر والسعودية والعراق وإيران، حيث أبلغت مصر والسعودية بالمبادرة في قمة شرم الشيخ، بينما أبلغ العراق وإيران والحوثيون عبر قنوات دبلوماسية» مؤكدةً أن المبادرة «تنص على انسحاب «أنصار الله» من صنعاء، بعد منحهم ضمانات سياسية ودبلوماسية وعودة البرلمان اليمني الذي تم حله بالإعلان الدستوري». وأضافت المصادر ذاتها أن الجزائر «ستسعى لدى أطراف يمنية داخلية ودول مؤثرة لإقناع الحوثيين بها»، لافتة إلى أن «السعودية طلبت تعديل المبادرة بإضافة شرط دخول قوات عربية إلى صنعاء»، أي أنه الشرط المفضي إلى إسقاط المبادرة كلياً..!
الحدود السعودية- اليمنية بؤرة توتر
بالتزامن مع تكثيف الغارات الجوية في شمال اليمن، انتقلت إحداثيات المعارك لتطال نقاطاً حدودية عديدة بين السعودية واليمن. من القذائف إلى الصواريخ، تحولت المناطق الحدودية إلى بؤرة توتر عالي المستوى، إذ شهدت قصفاً من داخل الأراضي السعودية على مديريات الخوبة ورازح في محافظة صعدة (التي تشهد حضوراً فاعلاً لجماعة «أنصار الله»)، واستهدافاً بالقذائف والصواريخ في كلٍ من باقم ورغافة شمالي البلاد، فيما قضى جندي سعودي وجرح عشرة آخرون، من جراء استهداف مقاتلي «أنصار الله» لمنطقة عسير جنوبي السعودية بعددٍ من القذائف الصاروخية.
في موازاة ذلك، نقلت وكالة «اسوشييتد برس» الأمريكية عن مسؤول دبلوماسي أمريكي، قوله إن «الولايات المتحدة تجري عمليات المراقبة الجوية على الحدود السعودية- اليمنية، وذلك تخوفاً من توغل بري قد ينفذه الحوثيون في الأراضي السعودية»، مشيراً إلى أن: «القيادة المركزية للجيش الأمريكي كانت قد تلقت تفويضاً بتقديم دعم، عبر إعادة التزود بالوقود جواً من السعودية وشركائها، لكنها لن تقوم بتلك العمليات داخل المجال الجوي لليمن». ولفت المسؤول الأمريكي إلى أن «الولايات المتحدة تساعد السعودية في مراقبة قوات الحوثيين والحدود السعودية مع اليمن».
وفي سياقٍ آخر، صعَّد المتحدث العسكري باسم التحالف السعودي، أحمد العسيري، في لقاء صحافي يوم الأحد، من حدة خطابه متوعداً «مدربي الميليشيات الحوثية بمواجهة مصير تلك الميليشيات نفسه»، حسب تعبيره.
روسيا: لوقف القتال والحوار على أرض محايدة
في تصريح جديد، دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، «كل أطراف النزاع في اليمن إلى وقف العنف»، وقال، في مؤتمر صحافي في موسكو الثلاثاء الماضي، إنه «لا يمكن السماح بأن يتدهور الوضع إلى حد المواجهة الطائفية»، مشدداً على أن «من يدفعون الأمور نحو التصعيد عمداً، يأخذون على عاتقهم مسؤولية كبرى».
وفيما سماه «الثوابت الروسية»، أكد لافروف أنه لا يمكن «أن نسمح بتحول الوضع إلى نزاع مفتوح بين العرب وإيران»، داعياً جماعة «أنصار الله» إلى «وقف الأعمال القتالية في الجنوب»، ومطالباً كذلك من التحالف بأن «يوقف الضربات في اليمن»، على أن يجري «استئناف المفاوضات بين الحوثيين والرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي»، وأشار في هذا الصدد إلى «ضرورة إجراء المفاوضات على أرض محايدة، طبقاً لدعوة المبعوث الدولي إلى اليمن، جمال بن عمر».
إيران: خطأ استراتيجي
بدورها، أعلنت الخارجية الإيرانية على لسان مساعد وزير الخارجية، حسين عبد اللهيان، أن لديها «مقترحاً لحل الأزمة في اليمن»، مشيرةً إلى أن طهران «تحاول التواصل مع الرياض من أجل ذلك».
وفي وقتٍ أعرب فيه عبد اللهيان، في تصريحٍ صحافي يوم الأربعاء، عن قلقَ بلاده حيال «الحملات العسكرية السعودية ضد اليمن»، والتي أكد على كونها «خطأً استراتيجياً»، شدد على أنه «بإمكان إيران والسعودية التعاون لمعالجة الأزمات الإقليمية في اليمن وسورية والبحرين»، مؤكداً أن «طهران والرياض قادرتان على التعاون للتوصل الى تسوية في اليمن والأمر نفسه ينطبق على حل في سورية»، وقال إن «نيران الحرب ستدفع كل المنطقة إلى اللعب بالنار، وهذا ليس في مصلحة الشعوب».
«الجيش المصري لمصر»..
فيما بدا أنه محاولة لأخذ مسافة جديدة من قضية اليمن، ناشد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال «الندوة التثقيفية السادسة عشرة للقوات المسلحة» جميع «الأطراف المتحاربة باليمن للتحلي بالمسؤولية والشجاعة في اتخاذ القرار السليم من أجل بلادهم وشعبهم». وأضاف، بحسب بيان للجيش المصري، أن «الأمن القومي للخليج العربي لا يتجزأ عن الأمن القومي المصري»، معتبراً أن «مصر دولة آمنة مستقرة تحترم تعهداتها والتزاماتها».
وحول أمن اليمن، أكد السيسي أن «الجيش والدولة في اليمن مسؤولان عن حماية شعب اليمن ومستقبله»، ومتوجهاً لليمنيين: «أتمنى أن تكون الرسالة التي أقولها قد وصلت إلى أشقائنا في اليمن، المسؤولين والجيش، وأقول لكم: الجيش المصري لمصر، ليس لأحدٍ آخر».
المدنيون يدفعون الثمن
في إطار استمرار سقوط الضحايا من المدنيين العزَّل، نقلت وكالات الأنباء اليمنية، أخباراً تفيد بتجدد القصف الصاروخي من داخل الأراضي السعودية على مخيم «المزرق» في محافظة حجة المتاخمة للحدود السعودية، حيث استهدفته الطائرات السعودية يوم الثلاثاء الماضي، موقعةً مجزرة جديدة في صفوف المدنيين، قضى خلالها 45 مواطناً يمنياً، فضلاً عن جرح العشرات. فيما جرى استهداف أحياء سكنية وتجارية في مدينة يريم التابعة لمحافظة إب وسط اليمن، ما أسفر عن سقوط 50 شهيداً وعشرات الجرحى. وكانت وزارة الصحة اليمنية، قد أعلنت يوم الأربعاء الفائت عن سقوط أكثر من 250 شهيداً مدنياً خلال الأسبوع الماضي.