رقصة الصهاينة في منطقة الـ «ترانزيت»!
طلال عبد الله طلال عبد الله

رقصة الصهاينة في منطقة الـ «ترانزيت»!

تمتلئ ردهات المطارات بالمسافرين، منهم من يصل إلى المحطة النهائية عبر المرور بمحطة وسيطة (ترانزيت)! في المكان المخصص لهؤلاء لا تواجد سوى لبعض المقاعد ودورات المياه، ولربما لبعض المطاعم. الانتظار هو سيّد الموقف للالتحاق بالطائرة التالية التي ستقلّك إلى المحطة النهائية!

منطقة الـ “ترانزيت” ليست حكراً على المطارات، هي تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك؛ هي أن تتواجد على نوافذ المطار برفقة كتاب أو حاسوب محمول بانتظار أن تستقل طائرة أخرى، طائرة لا تعرف عنها سوى أنها متجهة إلى مكان آخر تريد الوصول إليه، قد لا تعرف شكلها ولا شيء عن أفراد طاقمها، ولا حتى عن طرازها ونوعها!

في ترانزيت الأردن، يتواجد مجموعة من الصهاينة بلباسهم الفاشي، يتراقصون وكأنهم يمتلكون العالم أجمع! كل ترانزيت في هذا العالم يخصهم، هم يمتلكون تلك المناطق، فيفعلون بها ما يشاؤون!

العجب من العجب!

اختلفت التفاعلات التي ترافقت مع حادثة رقص بعض الصهاينة على أنغام كلمات الشعوذة والسحر في مطار الملكة علياء الدولي، منها ما استنكر ذلك، ومنها ما عجب من ردة فعل المسافرين وتعاطيهم مع هؤلاء، ومنها ما عبّر عن استيائه الشديد!

وكأن الجميع تناسى بأن هؤلاء قاموا بفعلتهم في منطقة مخصصة للترانزيت!

أكثر ما يثير العجب في فيديو “رقصة المطار” هو العجب ذاته، العجب من ذات الفعل أو من تواجد الصهاينة، أو حتى عجب السماح لهم بذلك وسط جلوس الجميع في المطار وكأن ما يحدث “عرضاً فنياً” على شاشة التلفاز!

يرتبط الأردن بعلاقات طيبة مع الكيان الصهيوني، علاقات تعود إلى ما قبل عقد معاهدة الذل والعار في (وادي عربة)، وعلى الرغم من الرفض الشعبي لتلك المعاهدة من أساسها -وليس لبعض بنودها-، إلّا أنها تعد من الملفات المقدّسة لدى السلطة السياسية في الأردن، وهنا قد لا يعجب من عجب من فعل “رقصة المطار” من فكرة التعاون الذي يجمع الكيان بالأردن، على كافة الصعد، السياسية والاقتصادية، بلوالعسكرية والأمنية!

في مناطق الـ “ترانزيت” ليس ثمّة قرار سيادي، هي قرارات تابعة تضعها إدارات المطارات لتسهيل عمل شركات الطيران المختلفة، من منطلق “المصالح المشتركة”، وتلك فكرة تروّج لها إدارات المطارات وتستخدمها لإقناع من يتواجد في مناطق الـ “ترانزيت” بضرورة عدم الالتفات إلى ما هو حولك، ولربما الاكتفاء بالجلوس والنوم ونيل قسط من الراحة، واستخدام دورات المياه ومرافق الأكل، وهي بعض الحاجات الفسيولوجية في أدنى سلّم ماسلو!

وجودك ضمن مناطق الـ “ترانزيت” قد يجبرك كمسافر على التعاطي مع المسافرين دون معرفة شيء عنهم، وقد يجعل منك انطوائياً منعزلاً تحمل بعض الكتب التي تساعدك على مرور الوقت بانتظار الطائرة التالية!

مطار الملكة علياء (مؤسسة خاصة)، وهنا قد يبدو الحديث عن التطبيع بديهياً، فمن ينتهج فعل الخصخصة لا يفعل ذلك إلّا لتسهيل تطبيع العلاقات مع الأعداء في جانب معيّن، وهو لا يطبّع علاقاته إلا في سبيل دعم الخصخصة، وكله فداء لرؤوس الأموال المشبوهة! ولكن الأهم أنه يفعل كلا الفعلين لأنه لا يؤمن بوجود نمط اقتصادي آخر ممكن، هو لا يرى سوى نمطاً واحداً، تابعاً يقبل الإملاءات، وبذلك فهو يستحق لقب “الدمية” الأجمل في يد الإمبريالية العالمية.

التطبيع والمعاهدات والقرار السياسي؛ إجباري في مناطق الـ “ترانزيت”!

في الأردن؛ تواصل دوائر صنع القرار السياسي -إن صح التعبير- الأداء بكونها تابعة، هي تطبّع وتعقد معاهدات الذل والعار، وهذا ضمان بقائها في مكانها، والحديث عن كونها تابعة لا يؤذيها، بل هو يشعرها بالأمان، بل ولربما يشعرها بلذة عجيبة، فهي لا تكترث إلّا إلى الوجود في دائرة صنع القرار (امتلاك السلطة) بما يتناسب مع مصالحها الطبقية التي تمكنها من مراكمة رؤوس أموالها (امتلاك المال)!

ترتبط تلك المسائل بعلاقة واضحة جداً، قد يبدو من السذاجة الحديث عنها، فهي أبسط من إمعان النظر فيها، وهي سطحية لدرجة تجعل من العار استخدام أدوات التحليل العلمي لتفكيكها، ذلك انتقاص من أدوات التحليل العلمي.

عذراً على الخروج عن النص، فهذا النص خاص بالحديث عن مناطق الـ “ترانزيت”، ولكنني لا أعرف لماذا يصّر هذا النص على إدخالي في أمور أخرى غير الـ “ترانزيت”!

على أية حال؛ مختصر الحديث، التطبيع إجباري في مناطق الـ “ترانزيت”، تماماً كما هو الحال بالنسبة لعقد المعاهدات بين إدارات المطارات وشركات الطيران، أنتَ لست عنصراً في تلك العملية، ولا تمتلك الحق في رفضها! والأهم من ذلك كله أن مناطق الـ “ترانزيت” وبسبب ذلك كله تخلو تماماً من القرار السياسي! عذراً أقصد السيادي!

زيارة السجين تطبيع مع السجّان، إن سمح لكَ السجّان بالمرور من الأصل. مرورك بإجراءاته لزيارة أحدهم هو اعتراف به وتعامل معه؛ وإن كان مكانكَ خارج السجن، فلتكن عناوين النضال والمقاومة منهجك في الوصول إلى السجين وفك قيود أسره، فلا تجلس لساعات طويلة في الـ “ترانزيت” لزيارة السجين، لترى الرقصة وكأنها .. أمرٌ طبيعي!

ختامها… رقصة!

في مناطق الـ “ترانزيت” لا يحرك أحد ساكناً لما يجري من حوله، قد يرقص أحدهم، ويقوم آخر بممارسة الجنس، كل ما يحدث في منطقة الـ “ترانزيت” لا يعنيكَ كمسافر، هم أرادوا لكَ أن تكون مسافراً، تتواجد في هذه المنطقة إلى أن تهرب إلى غيرها، بعد اليأس من محاولات تغييرها المتعددة!

أيا وطناً، تعلّمت من صفحات التاريخ أن منطقة الـ “ترانزيت” قد تكون صغيرة بحجم المطار، وقد تكون كبيرة بحجم “الأردن”!

 

المصدر: راديكال