نتنياهو و«الليكود»: هواجس الخسارة
بعد أقل من أسبوع، يذهب الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب الحزب والائتلاف الذي سيدير حياتهم. وكان الميل الغالب منذ عقد من الزمن، على الأقل، هو أن الخيار ليس بين يمين ويسار وإنما بين يمين وسط ويمين. بل إن هناك من استخلص في السنوات الماضية أن الخيار الوحيد المعروض في سوق الانتخابات هو بين اليمين المتطرف واليمين الأشد تطرفاً. لكن يبدو أن وجود اليمين، ممثلاً برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو و «الليكود» على رأس الائتلاف الحكومي، أثر بشكل واضح على الميل الطبيعي للإسرائيليين نحو اليمين.
ويمكن القول إنه من تصرفات نتنياهو و«الليكود» يظهر أنهما ليسا على يقين أنهما من سيقودان الحكومة المقبلة، أو على الأقل لن يكونا صاحبي الكلمة الفصل فيها. تشهد على ذلك استطلاعات الرأي من ناحية، التي تظهر ليس فقط أن أثر خطاب نتنياهو في الكونغرس تبدد وأن الفارق بين «الليكود» والمعسكر الصهيوني ارتفع إلى ثلاثة مقاعد لصالح الأخير، وإنما أيضاً أن معسكر اليمين يتراجع عموماً. بل إن الليكود الذي كان يعتبر نفسه ملك الأسواق الشعبية، اضطر في جولة بنيامين نتنياهو الأخيرة في سوق محانيه يهودا في القدس المحتلة إلى منع تواجد الصحافيين خشية تعرض نتنياهو لحملات مربكة من جانب الباعة والمتسوقين.
وجلي للكثيرين أن الانتخابات الحالية، خلافاً لانتخابات سابقة، ليست محسومة لصالح اليمين، ما يجعل التقدير بأن يتولى نتنياهو الحكم لولاية رابعة أمراً غير مضمون. ومع ذلك فإن آمال كثير من الإسرائيليين بإحداث انقلاب سياسي وطرد اليمين للسماح بتولي اليسار أو وسط اليسار الحكم تبدو مستبعدة جداً. لذلك يذهب أكثر المتابعين الحذرين إلى القول باحتمال نشوء تعادل بين معسكري اليمين والوسط ـ يسار ما قد يقود إلى حكومة وحدة وطنية.
وبديهي أن هذا لم يكن الحال حينما بادر نتنياهو و «الليكود» إلى افتعال أزمة مع «هناك مستقبل» بقصد تقديم موعد الانتخابات والفوز بها استباقاً لأوضاع أصعب متوقعة. ولكن احتشاد الأحداث والتقارير، من الصدام مع الإدارة الأميركية وتحذير الكثير من القادة العسكريين والفكريين من عواقبها، إلى تقارير الفساد في ديوان رئاسة الحكومة ومؤسسات الحكم، إلى تقارير مراقب الدولة عن أزمة السكن وانسداد الأفق السياسي والمخاوف من العزلة الدولية، أحدث أثره. والنتيجة شعور الإسرائيليين بالضجر من استمرار حكم بنيامين نتنياهو والفارق بين وعوده وإنجازاته.
وأظهر استطلاع أجرته «قناة الكنيست» أن أثر خطاب نتنياهو في الكونغرس تبدد. وإذا كانت الاستطلاعات فور الخطاب قد أظهرت توقف نزيف المقاعد من «الليكود» واستعادته مقعدين والتساوي مع المعسكر الصهيوني، فإن آخر استطلاع عاد ليظهر أن الفارق ازداد ثلاثة مقاعد لصالح المعسكر الصهيوني. ولا يقل أهمية عن ذلك أن التراجع الذي كان أصاب حزب الوسط «هناك مستقبل» توقف، وأن هذا الحزب بقيادة يائير لبيد صار ينال 14 مقعداً، وأن القائمة العربية المشتركة تنال 13 مقعداً في حين لا ينال «البيت اليهودي» إلا 12 مقعداً، و»إسرائيل بيتنا» خمسة مقاعد فقط. وهذا يثبت أن الميل صار يتجه نحو تراجع معسكر اليمين ولو بشكل طفيف وتقدم معسكر وسط - يسار ولو أيضاً بشكل طفيف.
وهناك قناعة متزايدة أن حزب موشي كحلون، «كلنا»، سوف يشكل على الأغلب بيضة القبان بين المعسكرين. ونظراً إلى العلاقة المتدهورة والحرب القائمة بين أحزاب اليمين القومي الأساسية، «الليكود» و «البيت اليهودي» و «إسرائيل بيتنا»، فإن احتمال تشكيل ائتلاف يميني محض ولو بالتحالف مع حزب كحلون أمر بالغ الصعوبة وإن لم يكن مستحيلاً.
لهذا، يركز كثيرون على احتمال توجه «الليكود» نحو السعي إلى إنشاء حكومة وحدة وطنية. وهذا المسعى يشكل أحد جوانب المعركة القائمة بين «الليكود» و «البيت اليهودي» برغم تعهد نتنياهو بعدم المشاركة في حكومة وحدة وطنية.
ويؤمن خبراء في الانتخابات الإسرائيلية أن تغير الميول السلبي، ولو بشكل طفيف، يدفع قادة «الليكود» إلى إبداء تخوفات من احتمال ألا تكون نتائج الانتخابات الفعلية مشابهة حتى لنتائج استطلاعات الرأي. ويقول الخبراء أنه كان معروفاً أن الفارق بين نتائج الاستطلاعات والنتائج الفعلية يتراوح بين 20 و25 في المئة سلباً أو إيجاباً، تبعاً للميل التصاعدي أو التنازلي في موقف الجمهور من هذا الحزب أو ذاك. ولذلك فإن «الليكود» الذي يشهد ميلاً تنازلياً يخشى أنه لن ينال الـ 20-23 مقعداً التي تمنحها له استطلاعات الرأي.
والاعتقاد السائد بين الخبراء هو أن هناك بين أنصار «الليكود» ما يمكن تقديره بثلاثة إلى أربعة مقاعد ممن يمكن وصفهم بـ «الخائبين من نتنياهو»، وهم من سيثقلون على «الليكود» أكثر من سواهم. وهؤلاء من يمكن لأحزاب اليمين الأخرى من «شاس» إلى «البيت اليهودي» التنافس على كسبهم، ولن يذهبوا بحال إلى معسكر الوسط أو اليسار.
ويرى الخبراء أن نيل حزب حاكم 23 مقعداً لا يمكن اعتباره إنجازاً، بل هو شهادة فقر حال. ومن المؤكد أنه بعدد مقاعد كهذا حتى إذا توفرت غالبية لليمين، يستحيل على «الليكود» فرض رؤيته على شركائه الائتلافيين، حيث أن وزنه في الحكومة سيكون بحدود الثلث لا أكثر. عموماً، ملخص الأحداث أنه قبل أسبوع من الانتخابات هناك دلائل كثيرة على ضائقة يعيشها «الليكود».
المصدر: السفير